(الصفحة 254)مسألة 7 ـ تثبت القسامة في الأعضاء مع اللّوث ، وهل القسامة فيها خمسون في العمد وخمس وعشرون في غيره فيما بلغت الجناية الدية كالأنف والذكر وإلاّ فبنسبتها من خمسين يميناً في العمد وخمس وعشرين في الخطأ أو شبهه ، أو ستة أيمان فيما فيه دية النفس ، وبحسابه من الستّ فيما فيه دون الدية؟ الأحوط هو الأوّل ، والأشبه هو الثاني ، وعليه ففي اليد الواحدة أو الرجل الواحدة وكلّ ما فيه نصف الدية ثلاث أيمان ، وفيما فيه ثلثها اثنتان ، وهكذا . وإن كان كسر في اليمين أكمل بيمين إذ لا تكسر اليمين ، فحينئذ في الاصبع الواحدة يمين واحدة ، وكذا في الأنملة الواحدة ، وكذا الكلام في الجرح ، فيجزي الستّ بحسب النسبة ، وفي الكسر يكمل بيمين1..
النكول ، وهي قد يترتّب عليها القصاص ، وقد يترتّب عليها الدية ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام:
الأولى:في أصل ثبوت القسامة وجريانها في الأعضاء ، أعمّ ممّا فيه القصاص وما فيه الدية ، كجريانها في النفس ، والدليل عليه ـ مضافاً إلى الاشتراك في حكمة المشروعية المصرَّح بها في بعض الروايات المتقدّمة ، وهي أن لا يريد الفاسق قتل الآخر أو اغتياله، وإلى ما حكي عن المبسوط(1) والخلاف(2) من ثبوتها فيها عندنا ـ بعض الروايات الواردة في كمّية القسامة في الأعضاء الدالّة على ثبوتها فيها، ويأتي نقلها.
- (1) المبسوط : 7 / 220 و 223 .
- (2) الخلاف: 5 / 312 مسألة 12 .
(الصفحة 255)
الثانية: في اعتبار اللّوث في قسامة الأعضاء أيضاً ، وقد صرّح به غير واحد كالمحقّق في الشرائع(1) ، وعن السرائر الاجماع عليه(2) ، خلافاً لما حكي عن مبسوط الشيخ (قدس سره) من عدم اعتباره(3) ، وفاقاً لأكثر العامة أو جميعهم عدا الشافعي في تفصيل له (4) .
ويدلّ عليه ما دلّ على اعتباره في القتل من الإجماع والتسالم ، ومخالفة الشيخ (قدس سره)في المبسوط لا تقدح ، خصوصاً مع كون القسامة مخالفة للقاعدة ، والقدر المتيقّن صورة وجود اللّوث .
ودعوى أنّ مقتضى إطلاق النّصوص الدالّة على ثبوت اليمين للمدّعي في الدم ثبوتها في المقام من دون لوث ، لأنّ القدر المتيقّن تقييد قسامة القتل باللوث ، ولا دليل على التقييد في المقام ، مدفوعة بأنّ الدليل ما ذكرنا من الإجماع والتسالم .
الثالثة: في كمّية القسامة في الأعضاء ، فالمحكيّ عن المفيد(5) وسلاّر(6) وابن إدريس(7) أنّها خمسون في العمد ، وخمس وعشرون في غيره ، إن كانت الجناية تبلغ الدية كالأنف والذكر ، وإلاّ فبنسبتها من المقدارين . وربّما قيل: إنّه خيرة أكثر
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 998 .
- (2) السرائر: 3 / 338 .
- (3) المبسوط : 7 / 223 .
- (4) الخلاف: 5 / 312 مسألة 12 ، المغني لابن قدامة: 10 / 33 .
- (5) لم نعثر عليه في المقنعة ، لكن حكى عنه ابن إدريس في السرائر: 3 / 341 .
- (6) المراسم: 233 .
- (7) السرائر: 3 / 340 .
(الصفحة 256)
المتأخرين(1) ، لكنّهم ـ كما في الجواهر(2)ـ لم يذكروا الخمس وعشرين في الخطأ ، بل أطلقوا ذكر الخمسين ، وفي المسالك أنّه مذهب الأكثر بقول مطلق(3) ، بل عن غيرها أنّه المشهور(4) ، بل عن السرائر(5) الإجماع عليه ، لكن قيل : يحتمل أن يريد منه أنّ الثبوت بالخمسين مجمع عليه .
والمحكي عن الشيخ(6) وأتباعه(7) بل خيرة العلاّمة في بعض كتبه(8) ستّ أيمان فيه دية النفس ، وبحسابه من ستّ فيما فيه دون الدية .
يدلّ على الأوّل ـ مضافاً إلى دعوى الشهرة بل الإجماع كما عرفت ، وإلى كونه مقتضى الاحتياط في الدماء ، وإلى أنّ القسامة مخالفة للقاعدة فيقتصر فيها على المتيقّن الذي هو الخمسون مطلقاً ، أو في خصوص صورة العمد ـ إطلاق صحيحة عبدالله بن سنان قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) في القسامة خمسون رجلاً في العمد ، وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلاً ، وعليهم أن يحلفوا بالله(9) . حيث لم يقع فيها التقييد بالقتل ، بل أطلق فيها القسامة ، فتشمل قسامة الأعضاء أيضاً .
- (1) رياض المسائل: 10 / 328 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 254 .
- (3) مسالك الأفهام: 15 / 208 ـ 209 .
- (4) غاية المراد : 389 ـ 390 .
- (5) السرائر: 3 / 341 .
- (6) المبسوط: 7 / 223 ، النهاية: 741 ـ 742 ، الخلاف: 5 / 313 مسألة 12 .
- (7) المهذّب: 2 / 501 ، الكافي في الفقه: 439 ، غنية النزوع: 441 ، إصباح الشيعة: 530 .
- (8) مختلف الشيعة: 9 / 313 مسألة 21 .
- (9) وسائل الشيعة: 19 / 119 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 11 ح1 .
(الصفحة 257)
ويدلّ على الثاني ما رواه الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال; وعن محمد بن عيسى ، عن يونس جميعاً ، عن الرضا (عليه السلام) . وعن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن ظريف بن ناصح ، عن أبيه ظريف بن ناصح ، عن عبدالله بن أيّوب ، عن أبي عمرو المتطبّب قال: عرضت على أبي عبدالله (عليه السلام) ما أفتى به أمير المؤمنين (عليه السلام) في الديات ، فممّا أفتى به في الجسد وجعله ستّ فرائض: النفس ، والبصر ، والسمع ، والكلام ، ونقص الصوت من الغنن والبحح ، والشّلل من اليدين والرجلين .
ثم جعل مع كلّ شيء من هذه قسامة على نحو ما بلغت الدية ، والقسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلاً ، وجعل في النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلاً ، وعلى ما بلغت ديته من الجروح ألف دينار ستّة نفر ، وما كان دون ذلك فحسابه من ستّة نفر ، والقسامة في النفس والسمع والبصر والعقل والصوت من الغنن والبحح ونقص اليدين والرجلين فهو ستّة أجزاء الرجل .
تفسير ذلك: إذا أُصيب الرجل من هذه الأجزاء الستّة ، وقيس ذلك ، فإن كان سدس بصره أو سمعه أو كلامه أو غير ذلك حلف هو وحده ، وإن كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل واحد ، وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان ، وإن كان ثلثي بصره حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر ، وإن كان أربعة أخماس بصره حلف هو وحلف معه أربعة ، وإن كان بصره كلّه حلف هو وحلف معه خمسة نفر ، وكذلك القسامة في الجروح كلّها ، فإن لم يكن للمصاب من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان ، فإن كان سدس بصره حلف مرة واحدة ، وإن كان الثلث حلف مرّتين ، وإن كان النصف حلف ثلاث مرّات ، وإن كان الثلثين حلف أربع مرّات ، وإن كان خمسة أسداس حلف خمس مرّات ، وإن كان كلّه حلف ستّ
(الصفحة 258)
مرّات ، ثم يعطى(1) .
قال في الوسائل بعد نقل الرواية بالكيفية المذكورة: ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم ، ورواه الشيخ والصدوق كما يأتي من أسانيدهما إلى كتاب ظريف .
وكيف كان لا مجال لتضعيف سند الرواية بعد كون روايتها بطرق متعدّدة فيها الصحيح والموثق وغيرهما ، وإن كان بعض طرقها مشتملاً على الضعف لضعف أبي عمرو المتطبّب ، والمناقشة في سهل بن زياد .
وبهذه الرواية يجاب عن أدلّة القول الأوّل ، لأنّه لا مجال مع تماميّتها من حيث السند والدلالة للأخذ بالاحتياط ولا بالقدر المتيقّن ، وبها يقيد إطلاق صحيحة ابن سنان المتقدّمة ، ودعوى الشهرة والإجماع مدفوعة بعدم ثبوتهما ، بل ربّما يقال : بتحقّق الشهرة القديمة على خلافه .
ثمّ الظاهر أنّ قوله: «وتفسير ذلك» ليس من الكليني; لعدم معهودية هذا النوع من التفسير له ، مضافاً إلى أنّه لا شاهد في الرواية بكونه منه ، بل الظاهر كونه جزء للرواية وإن كان الاستدلال بها لا يتوقّف على هذه الجهة . نعم فيها اضطراب من جهة مغايرة ستة أجزاء المذكورة في الصدر مع ما هو المذكور بعده ، لعدم اشتمال الأولى على العقل واشتمال الثانية عليه ، ولكنّه لا يقدح في الحجية بالإضافة إلى ما نحن بصدده أصلاً ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ ظاهر الرواية أنّ ما يثبت بستّ أيمان هو الدية مطلقاً دون القصاص ، ولأجله لا فرق بين العمد والخطأ في الأعضاء من جهة اعتبار الستّ وعدم
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 120 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 11 ح2 .