(الصفحة 202)مسألة 3 ـ لو شهد أحد الشاهدين بالإقرار بالقتل مطلقاً ، وشهد الآخر بالإقرار عمداً ، ثبت أصل القتل الذي اتّفقا عليه ، فحينئذ يكلّف المدّعى عليه بالبيان ، فإن أنكر أصل القتل لا يقبل منه ، وإن أقرّ بالعمد قبل منه ، وإن أنكر العمدوادّعاه الولي فالقول قول الجاني مع يمينه . وإن ادّعى الخطأ وأنكر الولي قيل يقبل قول الجاني بيمينه ، وفيه إشكال ، بل الظاهر أنّ القول قول الولي ، ولو ادّعى الجاني الخطأ وادّعى الولي العمد فالظاهر هو التداعي1..
للأُخرى ـ يكون لوثاً ، كما هو ظاهر .
1 ـ أمّا ثبوت أصل القتل فلاتّحاد الشهادتين في المشهود به ، وهو الإقرار بالقتل ، وإضافة توصيفه بالعمد في إحداهما لا تنافي القبول ، لأنّ عدم تعرّض الآخر له لا ينافي تعرّض الأوّل بوجه . وعليه فيصير محكوماً بالإقرار بالقتل ، وحيث لا يكون معلوماً من حيث النوع فالحاكم يكلّفه بالبيان والتفسير ، فإن أقرّ بالعمد يقبل منه مع تصديق الوليّ له ، كما أنّه لو أقرّ بالخطأ وصدّقه الوليّ ينتفى القصاص وتثبت الدية على المقرّ لا على العاقلة ، لعدم نفوذ إقراره في حقّهم ، ولو كان مقروناً بتصديق الوليّ لجواز التواطؤ عليه ، كما لا يخفى .
وإن وقع الاختلاف بين المقرّ والوليّ ففيه فروض ثلاثة:
الأوّل: ما إذا كان الوليّ مدّعياً والمقرّ منكراً ، كما إذا ادّعى الوليّ العمد وأنكره المقرّ ، ولا إشكال في أنّ القول قول المقرّ الجاني بيمينه لكونه منكراً .
الثاني: ما إذا كان المقرّ مدّعياً للخطأ والوليّ منكراً له ، واستظهر في المتن أنّ القول قول الوليّ بيمينه، لكونه منكراً لمايدّعيه المقرّ. وظاهر الفاضلين في الشرائع(1)
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 994 .
(الصفحة 203)مسألة 4 ـ لو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمداً ، والآخر بالقتل المطلق ، وأنكر القاتل العمد وادّعاه الولي ، كان شهادة الواحد لوثاً ، فإن أراد الولي إثبات دعواه فلابدّ من القسامة1..
والقواعد(1) اشتراك هذا الفرض مع الأوّل في تقديم قول الجاني ، نظراً إلى أنّه أمر لابدّ من الرجوع إليه ، لكونه بياناً وتفسيراً لإقراره ، ولا يعرف ذلك إلاّ من قبله ، ولكنّ الظاهر ما في المتن لما ذكر .
الثالث: ما إذا كان كلّ واحد منهما مدّعياً ، بأن كان الوليّ مدّعياً للعمد ، والمقرّ مدّعياً للخطأ . والحكم فيه يمين كلّ منهما ، ومقتضاها سقوط الدعويين ، والظاهر الرجوع إلى الدية في مال المقرّ . ومقتضى الاحتياط المصالحة عليها ، كما لا يخفى .
1 ـ الوجه في كون شهادة الواحد لوثاً عدم التكاذب والتعارض بين الشاهدين ، لعدم تعرّض الآخر لصفة العمد لا نفيه لها . وعدم التعرّض المذكور وإن كان يوجب عدم ثبوت قتل العمد الذي هو موجب القصاص إلاّ أنّه لا يوجب أن لا تكون شهادة الواحد لوثاً ، فيكون كما لو لم يكن هناك شاهداً آخر . نعم لا ينبغي الإشكال في ثبوت أصل القتل بذلك ، فإن أراد الوليّ القصاص لادّعائه كون القتل بنحو العمد لابدّ له في إثبات دعواه من القسامة ، وإلاّ فتثبت الدية .
وهذا بخلاف ما إذا شهد أحدهما بالقتل عمداً والآخر بالقتل خطأً ، فإنّه لا تكون شهادة الأوّل لوثاً ، وإن اختاره العلاّمة في التحرير(2) ، بل ولا يثبت أصل
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 294 .
- (2) تحرير الأحكام 2 : 251 .
(الصفحة 204)مسألة 5 ـ لو شهد اثنان بأنّ القاتل زيد مثلاً ، وآخران بأنّه عمرو دونه ، قيل: يسقط القصاص ووجب الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به عمداً أو شبيهاً به ، وعلى عاقلتهما لو كان خطأ . وقيل : إنّ الولي مخيّر في تصديق أيّهما
القتل بذلك ، وإن استشكل فيه في القواعد(1) .
أمّا أصل القتل فربّما يقال فيه بالثبوت ، لاتّفاق الشهادتين في ثبوته ، واختلافهما في الصفة . والفرق بين هذا المقام وبين ما تقدّم من الاختلاف في الخصوصيات الراجعة إلى الزمان أو المكان أو آلة القتل أو نحوها حيث لا يثبت أصل القتل فيه كما مرّ ، بأنّ تلك الخصوصيات إنّما كانت مرتبطة ومضافة إلى القتل ، لكونها ظرفاً زمانيّاً أو مكانياً للفعل أو آلة لتحقّقه وأشباههما ، وأمّا خصوصية العمديّة والخطئيّة فمرتبطة بالفاعل ، من جهة كونه قاصداً ومريداً وعدم كونه كذلك ، فلا مجال للتشبيه .
ولكن يدفعه أنّ الفعل كما له إضافة وارتباط بالأمور المذكورة ، كذلك له إضافة بالفاعل من جهة القصد وعدمه ، ولذا يترتّب عليه الحسن والقبح ، فالعمل الصادر عن قصد يغاير العمل الصادر عن غيره . وحينئذ فلا فرق بين أن يكون الاختلاف في الأُمور المذكورة ، وبين أن يكون في جهة العمد والخطأ . وعليه فلا يثبت أصل القتل ، لثبوت التعارض والتكاذب .
ومنه يظهر عدم كون هذا الفرض لوثاً ، لأنّ مورده صورة وجود الشاهد الواحد الخالي عن المعارض الموجب للسقوط ، فمع وجود المعارض لا يتحقّق اللّوث بوجه ، كما لا يخفى .
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 294 .
(الصفحة 205)شاء ، كما لو أقرّ اثنان كلّ واحد بقتله منفرداً ، والوجه سقوط القود والدية جميعاً1..
1 ـ يستفاد من الجواهر(1) أنّ صحّة تصوير قيام البيّنتين إمّا أن تكون لأجل اختيار صحّة التبرّع بالشهادة بالدّم ، أو لأجل ثبوت وكيلين للمدّعي وادّعاء كل واحد منهما مقروناً بإقامة بيّنة خاصّة ، أو لأجل القول بأنّه يجوز للمدّعى عليه إبراء نفسه بإقامة البيّنة على أنّ القاتل غيره .
ويمكن أن يكون لأجل تخيّل المدّعي أنّ الأربعة يشهدون بكون القاتل فلاناً ، ثم رأى الاختلاف بينهما عند الحاكم من جهة المشهود عليه ، ويمكن أن يكون لغير ذلك ، وكيف كان ففي المسألة أقوال:
أحدها: سقوط القصاص وتنصيف الدية عليهما أو على العاقلة بالنحو المذكور في المتن . وحكي هذا القول عن الشيخين في المقنعة(2) والنهاية(3) ، والقاضي(4)والصهرشتي وأبي منصور الطبرسي(5) ، والفاضل في بعض كتبه(6) وولده(7) وأبي العبّاس(8) .
ومرجعه إلى تعارض البيّنتين وتساقطهما بالإضافة إلى ما يترتّب على قتل العمد
- (1) جواهر الكلام: 42 / 218 ـ 219 .
- (2) المنقعة: 737 .
- (3) النهاية: 742 .
- (4) المهذّب : 2 / 502 .
- (5) حكى عنهما في مفتاح الكرامة: 11 / 47 .
- (6) مختلف الشيعة: 9 / 314 مسألة 22 ، تحرير الأحكام: 2 / 251 .
- (7) إيضاح الفوائد: 4 / 608 .
- (8) المقتصر : 431 .
(الصفحة 206)
من القصاص ، وإن كان المشهود به لكليهما هو قتل العمد ، ولكن لا تتساقطان بالإضافة إلى الدية ، بل تثبت بالاشتراك والتنصيف بينهما أو بين عاقلتهما .
أقول: أمّا سقوط القصاص في قتل العمد مع تعارض البيّنتين ، فلا شبهة فيه بعدما عرفت من أنّ اختلافهما في الخصوصيات مثل الزمان والمكان يوجب تساقطهما ، فإنّه إذا كان الاختلاف في الزمان مثلاً موجباً لعدم ترتّب الأثر على شيء من البيّنتين مع عدم مدخليته في القصاص أصلاً; لأنّ الموجب له هو قتل العمد بلا مدخلية للزمان ، فالاختلاف في تعيين القاتل موجب للسقوط بطريق أولى .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الاقتصاص من كليهما مع العلم ببراءة أحدهما وعدم صدور القتل منه بوجه لا مجال له أصلاً . والاقتصاص من أحدهما ترجيح بلا مرجّح ، وتخيير الوليّ كما في الإقرارين لا دليل له بعد كون مقتضى القاعدة في تعارض الأمارتين هو التساقط ، كما حقّق في الأصول . وأمّا القرعة فلا مجال لها أصلاً ، لا لما في الجواهر(1) من الاحتياط في الدماء ، بل لعدم العلم الإجمالي بعدم خروج القاتل عنهما .
وأمّا ثبوت الدية عليهما أو على عاقلتهما بنحو التنصيف ، فربّما يستدلّ عليه بأنّه إن لم نقل بذلك يلزم إمّا بطلان دم امرىء مسلم إن لم نقل بثبوت الدية أصلاً ، أو إيجاب شيء بغير سبب ولا علّة ، إن قلنا بثبوتها على الأجنبي الذي هو شخص ثالث ، أو الترجيح بلا مرجّح إن أوجبناه على أحدهما المعيّن ، فاللاّزم هو الحكم
- (1) جواهر الكلام: 42 / 219 .