(الصفحة 369)مسألة 6 ـ يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده ، فتقطع اليمين باليمين واليسار باليسار ، ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، ولو لم يكن له يد أصلاً قطعت رجله على رواية معمول بها ولا بأس به ، وهل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى أو هما سواء؟ وجهان ، ولو قطع اليسرى ولم يكن له اليسرى فالظاهر قطع اليمنى على إشكال ومع عدمهما قطع الرجل ، ولو قطع الرجل من لا رجل له فهل يقطع يده بدل الرجل؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال ، والتعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين والأذن والحاجب وغيرها مشكل ، وإن لا يخلو من وجه ، سيّما اليسرى من كلّ باليمنى1..
ثمّ إنّك عرفت أنّ المستثنى هو خصوص الشلل ، وعليه فكون اليد المجنيّ عليها برصاء أو مجروحة أو ضعيفة في مقابل الأبطش لا يمنع عن ثبوت القصاص أصلاً .
1 ـ أمّا أصل اعتبار التساوي في المحلّ مع وجوده في الجملة فلا خلاف فيه ، بل ربّما ظهر من محكي الخلاف نفيه بين المسلمين(1) ، بل في كشف اللثام الاتّفاق عليه(2) ، وعليه فتقطع اليد اليمنى باليد اليمنى واليسرى باليسرى .
ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، كما عن الأكثر ، بل المشهور(3)، بل عن الخلاف والغنية إجماع الفرقة وأخبارهم(4) ، ولو لم يكن له يمين
- (1) الخلاف: 5 / 193 مسألة 59 .
- (2) كشف اللثام: 2 / 471 .
- (3) النهاية: 771 ، الكافي في الفقه: 389 ، المهذّب: 2 / 479 ـ 480 ، مختلف الشيعة: 9/403 ـ 404 مسألة 79 .
- وقد نسب هذا الترتيب الشهيد الثاني في المسالك: 15 / 271 إلى الأكثر ، وقال الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ج14 / 111 : انّه مشهور .
- (4) غنية النزوع: 410 .
(الصفحة 370)
ولا يسار أصلاً قطعت رجله ، خلافاً للحلّي(1) والفخر(2) والشهيد الثاني في بعض كتبه(3) .
والدليل على الأمرين رواية حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين ، قال: فقال: يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولاً ، وتقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه أخيراً ، لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأوّل . قال: فقلت إنّ عليّاً (عليه السلام) إنّما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، فقال: إنّما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله ، فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد (يدان) ، والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد .
فقلت له: أوما تجب عليه الدية وتترك له رجله؟ فقال: إنّما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، فثمّ تجب عليه الدية ; لأنّه ليس له جارحة يقاص منها(4) .
وربّما يناقش في الرواية بضعف السند نظراً إلى أنّ المرادي وهو حبيب لا نصّ على توثيقه بل ولا على مدحه ، غاية ماوقع في ترجمته أنّه كان شارياً ورجع إلى الباقر والصادق (عليهما السلام) وانقطع إليهما(5) .
ولكنّ الظاهر
أوّلاً إمكان توصيف الرواية بالصحّة ، نظراً إلى توصيف جماعة
- (1) السرائر: 3 / 396 ـ 397 .
- (2) إيضاح الفوائد: 4 / 573 ـ 574 .
- (3) مسالك الأفهام: 15 / 272 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 131 ، أبواب قصاص الطرف ب 12 ح2 .
- (5) انظر رجال الكشي: 347 ، الرقم 646 .
(الصفحة 371)
من الأصحاب الرواية بالصحّة ، كما عن المختلف(1) والإيضاح(2) والمهذب البارع(3) والتنقيح(4) ، بل في الروضة(5) نسبة وصفها بذلك إلى الأصحاب ، بل عن الوحيد البهبهاني (قدس سره) المتبحّر خصوصاً في الحديث والرجال عن جدّه أنّه حكم بأنّه ثقة(6) .
وثانياً انجبار الضعف على تقديره بالفتوى على طبقها والاستناد إليها من المشهور ، بل في الجواهر: لم نعثر على رادّ له غير الحلّي(7) وثاني الشهيدين في بعض المواضع(8) ،(9) بناء على مبناهما في باب خبر الواحد . وعليه فلا محيص عن الأخذ بالرواية والفتوى على طبقها في الانتقال من اليد اليمنى إلى اليسرى مع عدم اليمنى ، وفي الإنتقال إلى الرجل مع عدم اليد رأساً .
ثم انّه هل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى ، أو هما معاً سواء؟ فيه وجهان كما في المتن : من أنّ مقتضى رعاية المماثلة في القصاص بعد تعذّر اليد على ما هو المفروض اعتبار اليمينية واليسارية ، ومن أنّ مقتضى إطلاق رواية حبيب الدالّة على الانتقال إلى الرجل في مورد تعذّر اليد عدم
- (1) مختلف الشيعة: 9 / 404 مسألة 79 .
- (2) إيضاح الفوائد: 4 / 573 .
- (3) المهذّب البارع: 5 / 173 .
- (4) التنقيح الرائع: 4 / 422 .
- (5) الروضة البهية: 10 / 78 .
- (6) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 136 ، بل حكاه في تعليقة منهج المقال: 91 عن خاله .
- (7) السرائر: 3 / 397 .
- (8) مسالك الأفهام: 15 / 272 .
- (9) جواهر الكلام: 42 / 352 ، وكذا في رياض المسائل: 10 / 279 .
(الصفحة 372)
الاعتبار ، كما لا يخفى .
هذا ، ولو قطع اليد اليسرى ولم يكن للقاطع اليد اليسرى فهل يقتصّ منه في اليد اليمنى أم لا؟ الظاهر نعم ، لأنّه مع عدم الاقتصاص في اليد اليمنى فاللاّزم أنّه إمّا أن يقال : بثبوت الدية ، وإمّا أن يقال : بالانتقال إلى الرجل ، وكلاهما مخالفان لظاهر رواية حبيب ; لدلالة ذيلها على أنّ الانتقال إلى الدية إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع جارحة يقاصّ منها ، ودلالة صدرها على أنّ الانتقال إلى الرجل إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع يد ، وعليه فلا مجال للإشكال كما في المتن ، خصوصاً مع قوله (عليه السلام) فيها: «اليد باليد إذا كان للقاطع يد» ، وما في بعض النسخ من قوله (عليه السلام) : «يدان»(1) لا دلالة له على شيء ، خصوصاً مع التصريح بعده بأنّ الانتقال إلى الرجل إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع يد . وممّا ذكرنا ظهر أنّ الانتقال إلى الرجل في هذه الصورة مع عدم اليدين لا شبهة فيه أصلاً .
ولو قطع الرِجل من لا رِجل له فهل تقطع يده بدل الرِجل؟ الظاهر هو القطع أيضاً لثبوت الجارحة التي يقاصّ منها في هذه الصورة ، مضافاً إلى دعوى الأولوية لكون آثار الرجل أكثر من آثار اليد ، فتدبّر .
ثم إنّه هل يتعدّى ما ذكر إلى سائر الأعضاء كالعين والأذن والحاجب ونحوها أم لا؟ والتحقيق أن يقال : إنّ المراد بالتعدّي إن كان هو التعدّي في هذه الأعضاء من كلّ من اليمنى إلى اليسرى وبالعكس ، بحيث تقلع العين اليسرى بالعين اليمنى مثلاً مع عدمها في القاطع . فالظاهر أنّ مقتضى مشروطية اعتبار التساوي في المحلّ بوجوده وإمكانه ذلك ، فإنّه مع عدم العين اليمنى لا يبقى مجال لاعتبار التساوي حينئذ ، إلاّ أن
- (1) التهذيب : 10 / 259 ح1022 .
(الصفحة 373)مسألة 7 ـ لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأوّل فالأوّل ، وعليه للباقين الدية ، ولو قطع فاقد اليدين والرجلين يد شخص أو رجله فعليه الدية1.
مسألة 8 ـ يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولاً وعرضاً ، قالوا: ولا يعتبر عمقاً ونزولاً ، بل يعتبر حصول إسم اشجّة ،وفيه تأمّل وإشكال . والوجه التساوي .
يقال بعدم الدليل عليه بالنحو الكلّي وفي جميع الأعضاء . لكن ظاهر الجواهر(1) نفي الخلاف فيه بهذا النحو . وتؤيده رواية السجستاني ، مضافاً إلى قوله تعالى:
{العَينَ بِالعَينِ}(2) وإن كان إطلاقه محل تأمّل وإشكال .
وإن كان المراد التعدّي إلى العضو الآخر بما أنّه ، كما يتحقّق الانتقال من اليد إلى الرجل كذلك ، يمكن دعوى الانتقال من العين إلى عضو آخر ، فالظاهر أنّه لم يقل به أحد من الأصحاب .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ جعل التعدّي بهذا النحو غير خال عن الوجه كما في المتن ممّا لا وجه له أصلاً .
1 ـ الوجه في الفرع الأوّل هي رواية حبيب المتقدّمة في المسألة الأُولى الدالّة على قطع اليد اليمنى أو اليسرى باليد المقطوعة أوّلاً ، والأُخرى باليد المقطوعة ثانياً ، والرِجل بالثالث ، والرجل الأُخرى بالرابع ، والانتقال إلى الدية في الباقي ، كما أنّ مقتضاها ثبوت الدية في الفرع الثاني .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 353 .
- (2) المائدة 5 : 45 .