(الصفحة 114)
قتلت المرأة الرجل قتلت به ليس لهم إلاّ نفسها الحديث(1) .
نعم رواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة السابقة ظاهرة في خلاف التفصيل واشتراك الفرضين في عدم لزوم التقديم ، لكن قد عرفت ثبوت الاختلال فيها من وجوه .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 59 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح3 .
(الصفحة 115)القول
في
الشرائط المعتبرة في القصاص
وهي أُمور:
الأوّل : التساوي في الحرّية والرِّقيّة ، فيقتل الحرّ بالحرّ وبالحرّة لكن مع ردّ فاضل الدية ، وهو نصف دية الرجل الحرّ ، وكذا تقتل الحرّة بالحرّة وبالحرّ لكن لا يؤخذ من وليّها أو تركتها فاضل دية الرجل1..
1 ـ المراد من التساوي المذكور عدم قتل الحرّ بالعبد لا العكس ، فإنّه لا إشكال في قتل العبد بالحرّ ، وقد فرّع عليه في المتن فروعاً أربعة:
الأوّل: قتل الحرّ بالحرّ ، ولا شبهة فيه ، بل هو المصداق الظاهر والفرد المتيقّن من القصاص ، وقد قال الله تعالى:
{كُتِبَ عَلَيْكُم القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ والأُنثَى بِالأُنثَى} الآية(1) . والرّوايات من هذه الجهة متواترة .
الثاني: قتل الحرّ بالحرّة ، ولا خلاف فيه بل الاجماع بقسميه عليه كما في
(الصفحة 116)
الجواهر(1) .
ويدلّ عليه روايات متعدّدة مفادها الجواز مع ردّ فاضل الدية ، وهو نصف دية الرجل الحرّ ، ولا ينافيه قوله تعالى في الآية المتقدّمة :
{وَالأُنْثَى بِالأنثَى} ، فإنّ المراد منه مجرّد ثبوت القصاص في الأنثى بالأنثى لا الاختصاص ، وإلاّ لا يجوز قتل العبد بالحرّ لقوله تعالى:
{العَبدُ بِالعَبدِ} .
ومنها: رواية أبي مريم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: اُتي رسول الله(صلى الله عليه وآله)برجل قد ضرب امرأة حاملاً بعمود الفسطاط فقتلها ، فخيّر رسول الله(صلى الله عليه وآله)أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف درهم ، وغرّة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها ، أو يدفعوا إلى أولياء القاتل خمسة آلاف ويقتلوه(2) . والمراد من الوصيف والوصيفة هو العبد والأمة ، والمراد من الغرة إمّا نفس العبد والأمة مطلقاً كما يظهر من نهاية ابن الأثير(3) ، وعليه فتكون الإضافة بيانيّة ، وإمّا خصوص الأبيض منهما كما يظهر من بعض اللغويين ، ويحتمل أن يكون المراد بها في المقام العبد والأمة في أوائل ولادتهما .
ومنها: رواية أبي بصير ـ التي جعلها في الوسائل روايتين ، والظّاهر وحدتهما ـ عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن قتل رجل امرأة وأراد أهل المرأة أن يقتلوه أدّوا نصف الدية إلى أهل الرجل(4) .
ومنها: صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة السابقة .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 82 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 60 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 5 .
- (3) النهاية لابن الأثير: 5 / 191 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 60 ، أبواب القصاص في النفس ب33 ح6 و7 .
(الصفحة 117)
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
وفي مقابلها رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر (عليه السلام) أنّ رجلاً قتل امرأة فلم يجعل عليّ (عليه السلام) بينهما قصاصاً ، وألزمه الدية(1) ولكنّه ذكر الشيخ (قدس سره) أنّه يجوز أن يكون القتل خطأً لا عمداً ، فلا قصاص ، ويجوز أن يكون لم يجعل بينهما قصاصاً لا يحتاج معه إلى ردّ فضل الدية(2) .
وقال صاحب الوسائل: يمكن حمله على امتناع الوليّ من ردّ فضل الدية .
وعلى تقدير عدم إمكان الحمل يكون الترجيح مع الروايات المتقدّمة الموافقة لفتوى المشهور بل الاجماع ، كما عرفت من الجواهر .
الثالث: قتل الحرّة بالحرّة ، وهو مثل الفرع الأوّل لا شبهة فيه ، ويدلّ عليه صريح الكتاب والسنّة المتواترة .
الرابع: قتل الحرّة بالحرّ ، ولا شبهة في أصل ثبوت القصاص فيه ، وأنّه تقتل الحرّة بالحرّ . إنّما الكلام في أنّه هل يؤخذ من تركتها أو من الوليّ فاضل دية الرجل وهو النصف أم لا؟ نسب الثاني في الشرائع إلى الأشهر(3) ، مشعراً بوجود الخلاف فيه ، بل بعدم خلوّ القول الآخر عن الشهرة ، لكن ذكر في الجواهر أنّه لا نجد فيه خلافاً(4) ، ويدلّ عليه روايات صحيحة:
مثل: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإن قتلت
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 16 .
- (2) الاستبصار: 4 / 266 .
- (3) شرائع الإسلام : 4 / 980 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 83 .
(الصفحة 118)
المرأة الرجل قتلت به ، ليس لهم إلاّ نفسها(1) .
وصحيحة عبدالله بن سنان المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة قتلت زوجها متعمّدة ، قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها ، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه(2) .
وصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تقتل الرجل ما عليها؟ قال: لا يجني الجاني على أكثر من نفسه(3) .
وفي مقابلها صحيحة أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في امرأة قتلت رجلاً ، قال: تقتل ويؤدّي وليّها بقيّة المال(4) .
ولكنّها رماها غير واحد بالشذوذ وموافقة العامة(5) ، وقد احتمل الحمل على الإنكار وعلى الاستحباب . وفي الوسائل يحتمل أن يكون أصله في امرأة قتلها رجل ، قال: يقتل ، ويكون غلطاً من الرّاوي أو الناسخ . مضافاً إلى عدم ظهورها في نفسها في أداء نصف الدّية; لعدم ظهور «بقيّة المال» فيه .
وحكي عن الراوندي(6) حملها على يسار المرأة ، وحمل الروايات الصحيحة المتقدّمة على إعسارها . ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ التعليل الواقع في الروايات المتقدّمة «وأنّه لا يجني الجاني على أكثر من نفسه» لا يلائم الحمل على الإعسار ،
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 59 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 59 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 61 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 10 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 17 .
- (5) الإستبصار: 4 / 268 ، مسالك الأفهام: 15 / 109 ـ 110 .
- (6) راجع رياض المسائل: 10 / 256 ـ 257 .