(الصفحة 116)
الجواهر(1) .
ويدلّ عليه روايات متعدّدة مفادها الجواز مع ردّ فاضل الدية ، وهو نصف دية الرجل الحرّ ، ولا ينافيه قوله تعالى في الآية المتقدّمة :
{وَالأُنْثَى بِالأنثَى} ، فإنّ المراد منه مجرّد ثبوت القصاص في الأنثى بالأنثى لا الاختصاص ، وإلاّ لا يجوز قتل العبد بالحرّ لقوله تعالى:
{العَبدُ بِالعَبدِ} .
ومنها: رواية أبي مريم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: اُتي رسول الله(صلى الله عليه وآله)برجل قد ضرب امرأة حاملاً بعمود الفسطاط فقتلها ، فخيّر رسول الله(صلى الله عليه وآله)أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف درهم ، وغرّة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها ، أو يدفعوا إلى أولياء القاتل خمسة آلاف ويقتلوه(2) . والمراد من الوصيف والوصيفة هو العبد والأمة ، والمراد من الغرة إمّا نفس العبد والأمة مطلقاً كما يظهر من نهاية ابن الأثير(3) ، وعليه فتكون الإضافة بيانيّة ، وإمّا خصوص الأبيض منهما كما يظهر من بعض اللغويين ، ويحتمل أن يكون المراد بها في المقام العبد والأمة في أوائل ولادتهما .
ومنها: رواية أبي بصير ـ التي جعلها في الوسائل روايتين ، والظّاهر وحدتهما ـ عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن قتل رجل امرأة وأراد أهل المرأة أن يقتلوه أدّوا نصف الدية إلى أهل الرجل(4) .
ومنها: صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة السابقة .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 82 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 60 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 5 .
- (3) النهاية لابن الأثير: 5 / 191 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 60 ، أبواب القصاص في النفس ب33 ح6 و7 .
(الصفحة 117)
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
وفي مقابلها رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر (عليه السلام) أنّ رجلاً قتل امرأة فلم يجعل عليّ (عليه السلام) بينهما قصاصاً ، وألزمه الدية(1) ولكنّه ذكر الشيخ (قدس سره) أنّه يجوز أن يكون القتل خطأً لا عمداً ، فلا قصاص ، ويجوز أن يكون لم يجعل بينهما قصاصاً لا يحتاج معه إلى ردّ فضل الدية(2) .
وقال صاحب الوسائل: يمكن حمله على امتناع الوليّ من ردّ فضل الدية .
وعلى تقدير عدم إمكان الحمل يكون الترجيح مع الروايات المتقدّمة الموافقة لفتوى المشهور بل الاجماع ، كما عرفت من الجواهر .
الثالث: قتل الحرّة بالحرّة ، وهو مثل الفرع الأوّل لا شبهة فيه ، ويدلّ عليه صريح الكتاب والسنّة المتواترة .
الرابع: قتل الحرّة بالحرّ ، ولا شبهة في أصل ثبوت القصاص فيه ، وأنّه تقتل الحرّة بالحرّ . إنّما الكلام في أنّه هل يؤخذ من تركتها أو من الوليّ فاضل دية الرجل وهو النصف أم لا؟ نسب الثاني في الشرائع إلى الأشهر(3) ، مشعراً بوجود الخلاف فيه ، بل بعدم خلوّ القول الآخر عن الشهرة ، لكن ذكر في الجواهر أنّه لا نجد فيه خلافاً(4) ، ويدلّ عليه روايات صحيحة:
مثل: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإن قتلت
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 16 .
- (2) الاستبصار: 4 / 266 .
- (3) شرائع الإسلام : 4 / 980 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 83 .
(الصفحة 118)
المرأة الرجل قتلت به ، ليس لهم إلاّ نفسها(1) .
وصحيحة عبدالله بن سنان المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة قتلت زوجها متعمّدة ، قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها ، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه(2) .
وصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تقتل الرجل ما عليها؟ قال: لا يجني الجاني على أكثر من نفسه(3) .
وفي مقابلها صحيحة أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في امرأة قتلت رجلاً ، قال: تقتل ويؤدّي وليّها بقيّة المال(4) .
ولكنّها رماها غير واحد بالشذوذ وموافقة العامة(5) ، وقد احتمل الحمل على الإنكار وعلى الاستحباب . وفي الوسائل يحتمل أن يكون أصله في امرأة قتلها رجل ، قال: يقتل ، ويكون غلطاً من الرّاوي أو الناسخ . مضافاً إلى عدم ظهورها في نفسها في أداء نصف الدّية; لعدم ظهور «بقيّة المال» فيه .
وحكي عن الراوندي(6) حملها على يسار المرأة ، وحمل الروايات الصحيحة المتقدّمة على إعسارها . ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ التعليل الواقع في الروايات المتقدّمة «وأنّه لا يجني الجاني على أكثر من نفسه» لا يلائم الحمل على الإعسار ،
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 59 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 59 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 61 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 10 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 17 .
- (5) الإستبصار: 4 / 268 ، مسالك الأفهام: 15 / 109 ـ 110 .
- (6) راجع رياض المسائل: 10 / 256 ـ 257 .
(الصفحة 119)
كما أنّ الحكم في هذه الرواية بلزوم أداء الوليّ ، لا الأداء من تركتها لا يلائم الحمل على اليسار ـ أنّه لا شاهد على هذا الجمع بوجه .
ولو وصلت النوبة إلى ملاحظة الترجيح بعد فرض ثبوت المعارضة ، يكون الترجيح من تلك الروايات ، لموافقتها للشهرة الفتوائية(1) بل المجمع عليه ، فتدبّر .
ثمَّ إنّه يوجد في بعض الروايات أنّ قوله تعالى:
{الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ والأُنثَى بِالأُنثَى}(2) ناسخ لقوله تعالى:
{النَّفسُ بِالنَّفسِ}(3) كما ورد في تفسير علي ابن إبراهيم(4) .
وفي رسالة المحكم والمتشابه لعلي بن الحسين المرتضى نقلاً من تفسير النعماني بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال: ومن الناسخ ما كان مثبتاً في التوراة من الفرائض في القصاص ، وهو قوله تعالى:
{وَكَتَبْنا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ} إلى آخر الآية ، فكان الذكر والأنثى والحرّ والعبد شرعاً ، فنسخ الله تعالى ما في التوراة بقوله
: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُم القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ والأُنثَى بِالأُنثَى} فنسخت هذه الآية
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفْسِ}(5) .
وذكر صاحب الوسائل بعد نقل الرواية أنّ النسخ هنا بمعنى التخصيص ، فلا ينافي ما مرّ من أنّها محكمة لبقاء العمل بها بعده .
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 108 .
- (2) البقرة 2 : 178 .
- (3) المائدة 5 : 45 .
- (4) تفسير القمي: 1 / 64 ـ 65 ، مستدرك الوسائل: 18 / 240 ، أبواب القصاص في النفس ب 30 ح4 .
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 63 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 19 .
(الصفحة 120)مسألة 1 ـ لو امتنع وليّ دم المرأة عن تأدية فاضل الدية أو كان فقيراً ولم .
ولكنّ الظاهر أنّ الالتزام بالنسخ أو التخصيص يتوقّف على ثبوت المنافاة بين الآيتين ، ولو بنحو العموم والخصوص أو المطلق والمقيّد ، وثبوت المنافاة يتوقّف على أن يكون المراد من قوله تعالى :
{أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ} هو العموم أو الإطلاق ، بحيث يرجع إلى أن يكون المراد هو وقوع كلّ نفس في مقابل كلّ نفس ، وعلى أن يكون المراد من قوله تعالى:
{الحُرُّ بِالحُرِّ} إلى الآخر هو الانحصار ، وحينئذ تتحقّق المغايرة ولو بنحو العموم والخصوص ، مع أنّ كليهما ممنوعان ، لعدم اشتمال الأوّل على أداة العموم وعدم ثبوت الإطلاق فيه ، لعدم كونه في مقام البيان ، إلاّ من جهة وقوع النفس في مقابل النفس ، لا وقوعها في مقابل مثل الأنف والعين .
وأمّا أنّ كلّ نفس واقعة في مقابل كل نفس فلا تكون الآية بصدد بيانها ، كما أنّ الآية الثانية لا دلالة لها على الإنحصار ، بحيث كان مرجعها إلى انحصار وقوع الحرّ في مقابل الحرّ ، والعبد في مقابل العبد ، والأنثى في مقابل الأنثى ، بعد صراحة الروايات والفتاوى في جواز قتل الحرّ بالحرّة ، والعبد بالحرّ ، والأنثى بالذكر .
فهل هذه الروايات مخالفة لظاهر الآية باعتبار دلالتها على الانحصار؟ الظاهر العدم ، وعليه فلا تنافي بين الآيتين أصلاً ، حتّى يكون مجال للنسخ أو التخصيص .
مضافاً إلى دلالة رواية موثقة على عدم ثبوت النسخ ، وهي رواية زرارة ، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عزّوجلّ:
{النَّفسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ}الآية ، قال: هي محكمة(1) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 61 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 11 .