(الصفحة 130)
وروى مثله محمّد بن الفضل (الفضيل ـ ظ) ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (1) . وعليه فيتحقّق التعدّد في الرواية لاختلاف الراوي والمرويّ عنه فيهما .
وما رواه أحمد بن الحسن ، عن أبان ، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة؟ قال: لا إلاّ أن يكون معوّداً لقتلهم ، فيقتل وهو صاغر(2) . والظاهر اتحادها مع الرواية الأولى وعدم كونها رواية أُخرى غيرها ، لاتّحاد الرّاوي والمرويّ عنه فيهما .
وما رواه علي بن الحكم وغيره ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دماء المجوس واليهود والنصارى هل عليهم وعلى من قتلهم شيء إذا غشّوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم؟ قال: لا إلاّ أن يكون متعوّداً لقتلهم . قال: وسألته عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: لا إلاّ أن يكون معتاداً لذلك ، لا يدع قتلهم ، فيقتل وهو صاغر(3) . والظاهر اتّحادها مع الأوليين وعدم كونها ثلاث روايات كما في الوسائل والجواهر .
ثمَّ الظاهر وجود الاضطراب في متن هذه الرواية ; لأنّه مضافاً إلى ظهوره في كون السؤالين متصلين ، ووقوع الثاني عقيب الجواب عن السؤال الأوّل بلا فصل ،مع أنّه ليس أمراً مغايراً للأوّل خصوصاً مع اتّحاد الجواب في كليهما ، لظهور الأوّل أيضاً في ثبوت القتل في صورة الاعتياد .
ودعوى كون محطّ السؤال في الأوّل هو أهل الذمّة مع إخلالهم بشرائط الذمّة كما هو مفاد قوله: «إذا غشّوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم» ، وفي الثاني هم مع
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 80 ، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح7 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 80 ، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح6 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 79 ، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح1 .
(الصفحة 131)
العمل بشرائطها مدفوعة بأنّ عطف أهل الكتاب على أهل الذمّة في الثاني ينافي ذلك ، كما أنّه عليه كان اللاّزم التصريح بالعمل بشرائط الذمّة ، كما أنّه وقع في الأوّل التصريح بخلافه إنّ احتمال وجود شيء وثبوته على المقتولين من المجوس واليهود والنصارى ممّا لا مجال له ، واحتمال ثبوته عليهم بلحاظ الإخلال بشرائط الذمّة لا يرتبط بثبوته عليهم بلحاظ كونهم مقتولين ، كما يدلّ عليه قوله: «عن دماء المجوس» ، وكما يدلّ عليه قوله: «وعلى من قتلهم شيء» ، فالظاهر حينئذ وجود الإضطراب في الرواية .
ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين الطوائف الثلاث جعل الطائفة الثالثة شاهدة للجمع بين الأوّلتين ، والحكم بثبوت التفصيل بين صورة الاعتياد وعدمه ، ومع وجود الجمع الدلالي بهذه الكيفية لا يبقى مجال لمثل الحمل على التقية .
المقام الثاني: في أنّ القتل في صورة الاعتياد هل يكون بعنوان القصاص؟ كما هو المحكيّ عن المرتضى(1) والشيخين(2) وابني حمزة(3) وسعيد(4) وسلار(5) والشهيدين(6) ، أو بعنوان الحدّ ، بمعنى ثبوت التعزير قبل الاعتياد ، والحدّ بعده ، كما عن أبي علي(7) والتقي(8) ، بل عن
- (1) الإنتصار: 542 مسألة 302 .
- (2) المقنعة: 739 ، النهاية: 749 .
- (3) الوسيلة: 433 .
- (4) الجامع للشرائع: 572 .
- (5) المراسم العلوية: 238 .
- (6) اللمعة الدمشقية: 176 ، الروضة البهية: 10 / 57 ـ 58 .
- (7) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 335 مسألة 32 .
- (8) الكافي في الفقه: 384 .
(الصفحة 132)
المختلف(1) وظاهر الغنية(2) ، أو بعنوان عقوبة المخالفة مع الإمام كما عن الفقيه(3) .
وتظهر الثمرة بين الأولين في الخصوصيات الموجودة في القصاص من السقوط بالعوف ، وعدم الاستيفاء إلاّ بعد مطالبة الوليّ ، ولزوم ردّ الفضل بين الديتين . فعلى الأوّل تثبت هذه الخصوصيات دون الثاني . نعم حكي عن المحقّق الثاني في الحاشية(4) والروضة(5) احتمال لزوم ردّ الفضل مع كون القتل حدّاً ، ولكنّه غير ظاهر الوجه .
والظاهر إنّ جميع الروايات المتقدّمة ما عدا رواية سماعة ـ التي سيأتي البحث فيها ـ ظاهرة في القصاص باعتبار التعبير بمثل قوله: «المسلم هل يقتل بأهل الذمّة» الظاهر في كون قتله بإزاء المقتول وبعوضه ، وواقعاً في مقابله ، وبعبارة أُخرى ظاهر الباء كونها بمعنى المقابلة لا السببيّة ، والمقابلة متحقّقة في القصاص فقط ، أو باعتبار التعبير بالقود الذي هو بمعنى القصاص ، أو باعتبار الحكم بلزوم ردّ فضل دية المسلم ، أو باعتبار تعليق جواز القتل على إرادة أولياء المقتول وأهله ، الذي قد عرفت أنّه من خصوصيات القصاص .
وبالجملة: لا مجال للترديد في أنّ ظاهر الروايات هو ما عليه المشهور .
وأمّا رواية سماعة ، فظاهرها هو كون القتل بعنوان الحدّ ، للحكم فيها بلزوم الإعطاء إلى الذمّي ـ أي وليّه ـ دية المسلم التي هي دية كاملة . وفي الحقيقة يكون
- (1) مختلف الشيعة: 9 / 335 .
- (2) غنية النزوع: 407 .
- (3) الفقيه: 4 / 102 .
- (4) حكى عنه في جواهر الكلام: 42 / 155 .
- (5) الروضة البهية: 10 / 57 .
(الصفحة 133)
الواقع في مقابل المقتول هي دية المسلم ، وعليه فيكون القتل بعده ظاهراً في كونه بعنوان الحدّ الذي يكون مرتبطاً بالحاكم ، ولعلّ ثبوت الدية الكاملة والقتل معاً هو المراد من الحديث الشديد الذي لا يحتمله النّاس .
وهنا رواية أُخرى لسماعة استدلّ بها صاحب الجواهر(1) على هذا القول ، لا بمعنى تعيّن القتل ، بل بمعنى إيكال أمر ذلك إلى الإمام (عليه السلام) . حيث قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مسلم قتل ذمّياً ؟ فقال: هذا شيء شديد لا يحتمله الناس ، فليعط أهله دية المسلم حتّى ينكل عن قتل أهل السّواد وعن قتل الذمّي . ثم قال: لو أنّ مسلماً غضب على ذمّي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدّي إلى أهله ثمانمائة درهم إذن يكثر القتل في الذمّيين ، ومن قتل ذمّياً ظلماً فإنّه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمّياً حراماً ما آمن بالجزية وأدّاها ولم يجحدها(2) .
ولكنّ الظاهر اتّحادها مع الرواية الأولى وعدم كونها رواية أُخرى غيرها ، وعليه فيتردّد الأمر بين أن يكون الصادر من الإمام (عليه السلام) هو ما يطابق الأولى أو ما يطابق الثانية ، فلا مجال حينئذ للاتكاء على عنوان «التنكيل» الذي لا يقبل الحمل على غيره من القصاص ونحوه . وهذا بخلاف عنوان القتل المذكور في الأولى ، فإنّه يقبل الحمل على عنوان القصاص بقرينة الروايات المتكثرة المتقدّمة الظاهرة بل الصريحة في القصاص ، وإن لم يكن مجال لهذا الحمل مع قطع النظر عنها .
وأمّا الحكم بلزوم الإعطاء إلى وليّ المقتول دية المسلم فلا ينافي حمل القتل المذكور بعده على القصاص بعد إمكان الحمل على الاستحباب .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 154 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 163 ، أبواب ديات النفس ب 14 ح1 .
(الصفحة 134)
وبالجملة: لا تنهض هذه الرواية في مقابل الرّوايات المتقدّمة بعد إمكان حملها عليها ، وعدم إمكان العكس . نعم يبقى على هذا القول استلزامه للتخصيص في عموم آية نفي السبيل باعتبار ثبوت السبيل لوليّ الكافر إذا كان كافراً في صورة الاعتياد ; لثبوت حقّ القصاص له وهو سبيل على هذا القول ، مع أنّه آب عن التخصيص ، وإن التزم به صاحب الجواهر(1) .
ويمكن الالتزام في هذه الصورة بلزوم أن يكون الاستيفاء من ناحية الحاكم ، وإن كان متوقّفاً على مطالبة الكافر ، وعليه فلا يتحقّق السبيل بوجه .
المقام الثّالث: في اختصاص مورد الحكم بثبوت القصاص في صورة الاعتياد بخصوص أهل الذمّة ، والدليل عليه ظهور الرّوايات المتقدّمة في ذلك باعتبار ذكر أهل الذمّة بالخصوص ، كما في أكثر تلك الروايات ، أو باعتبار الحكم بلزوم ردّ الفضل ، مع أنّه لا دية لغير الذمّي من الكفار بوجه . وعطف «أهل الكتاب» على «أهل الذمة» في ذيل إحدى روايات إسماعيل بن الفضل المتقدّمة لا ينافي ذلك ، بعدما عرفت من اتّحادها وعدم تعدّدها ، وعليه فلم يثبت هذا العطف بوجه ، فالظاهر الاختصاص حينئذ .
والظاهر أيضاً تحقّق الاعتياد بالمرّة الثالثة ; لعدم تحقّقها قبلها عند العرف ، وثبوت العادة في الحيض بالمرّتين لا يلازم الثبوت في مثل المقام . كما أنّ الظاهر أنّ ثبوت القصاص مع تحقّق الاعتياد إنّما هو بالإضافة إلى القتل الموجب لتحقّقه ، فالمطالِب هو وليّ المقتول الثالث فقط . وأمّا الأوّلان فهما وإن كانا دخيلين في تحقّق الاعتياد إلاّ أنّه لا قصاص فيهما ، لعدم ثبوته معهما .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 154 .