(الصفحة 132)
المختلف(1) وظاهر الغنية(2) ، أو بعنوان عقوبة المخالفة مع الإمام كما عن الفقيه(3) .
وتظهر الثمرة بين الأولين في الخصوصيات الموجودة في القصاص من السقوط بالعوف ، وعدم الاستيفاء إلاّ بعد مطالبة الوليّ ، ولزوم ردّ الفضل بين الديتين . فعلى الأوّل تثبت هذه الخصوصيات دون الثاني . نعم حكي عن المحقّق الثاني في الحاشية(4) والروضة(5) احتمال لزوم ردّ الفضل مع كون القتل حدّاً ، ولكنّه غير ظاهر الوجه .
والظاهر إنّ جميع الروايات المتقدّمة ما عدا رواية سماعة ـ التي سيأتي البحث فيها ـ ظاهرة في القصاص باعتبار التعبير بمثل قوله: «المسلم هل يقتل بأهل الذمّة» الظاهر في كون قتله بإزاء المقتول وبعوضه ، وواقعاً في مقابله ، وبعبارة أُخرى ظاهر الباء كونها بمعنى المقابلة لا السببيّة ، والمقابلة متحقّقة في القصاص فقط ، أو باعتبار التعبير بالقود الذي هو بمعنى القصاص ، أو باعتبار الحكم بلزوم ردّ فضل دية المسلم ، أو باعتبار تعليق جواز القتل على إرادة أولياء المقتول وأهله ، الذي قد عرفت أنّه من خصوصيات القصاص .
وبالجملة: لا مجال للترديد في أنّ ظاهر الروايات هو ما عليه المشهور .
وأمّا رواية سماعة ، فظاهرها هو كون القتل بعنوان الحدّ ، للحكم فيها بلزوم الإعطاء إلى الذمّي ـ أي وليّه ـ دية المسلم التي هي دية كاملة . وفي الحقيقة يكون
- (1) مختلف الشيعة: 9 / 335 .
- (2) غنية النزوع: 407 .
- (3) الفقيه: 4 / 102 .
- (4) حكى عنه في جواهر الكلام: 42 / 155 .
- (5) الروضة البهية: 10 / 57 .
(الصفحة 133)
الواقع في مقابل المقتول هي دية المسلم ، وعليه فيكون القتل بعده ظاهراً في كونه بعنوان الحدّ الذي يكون مرتبطاً بالحاكم ، ولعلّ ثبوت الدية الكاملة والقتل معاً هو المراد من الحديث الشديد الذي لا يحتمله النّاس .
وهنا رواية أُخرى لسماعة استدلّ بها صاحب الجواهر(1) على هذا القول ، لا بمعنى تعيّن القتل ، بل بمعنى إيكال أمر ذلك إلى الإمام (عليه السلام) . حيث قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مسلم قتل ذمّياً ؟ فقال: هذا شيء شديد لا يحتمله الناس ، فليعط أهله دية المسلم حتّى ينكل عن قتل أهل السّواد وعن قتل الذمّي . ثم قال: لو أنّ مسلماً غضب على ذمّي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدّي إلى أهله ثمانمائة درهم إذن يكثر القتل في الذمّيين ، ومن قتل ذمّياً ظلماً فإنّه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمّياً حراماً ما آمن بالجزية وأدّاها ولم يجحدها(2) .
ولكنّ الظاهر اتّحادها مع الرواية الأولى وعدم كونها رواية أُخرى غيرها ، وعليه فيتردّد الأمر بين أن يكون الصادر من الإمام (عليه السلام) هو ما يطابق الأولى أو ما يطابق الثانية ، فلا مجال حينئذ للاتكاء على عنوان «التنكيل» الذي لا يقبل الحمل على غيره من القصاص ونحوه . وهذا بخلاف عنوان القتل المذكور في الأولى ، فإنّه يقبل الحمل على عنوان القصاص بقرينة الروايات المتكثرة المتقدّمة الظاهرة بل الصريحة في القصاص ، وإن لم يكن مجال لهذا الحمل مع قطع النظر عنها .
وأمّا الحكم بلزوم الإعطاء إلى وليّ المقتول دية المسلم فلا ينافي حمل القتل المذكور بعده على القصاص بعد إمكان الحمل على الاستحباب .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 154 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 163 ، أبواب ديات النفس ب 14 ح1 .
(الصفحة 134)
وبالجملة: لا تنهض هذه الرواية في مقابل الرّوايات المتقدّمة بعد إمكان حملها عليها ، وعدم إمكان العكس . نعم يبقى على هذا القول استلزامه للتخصيص في عموم آية نفي السبيل باعتبار ثبوت السبيل لوليّ الكافر إذا كان كافراً في صورة الاعتياد ; لثبوت حقّ القصاص له وهو سبيل على هذا القول ، مع أنّه آب عن التخصيص ، وإن التزم به صاحب الجواهر(1) .
ويمكن الالتزام في هذه الصورة بلزوم أن يكون الاستيفاء من ناحية الحاكم ، وإن كان متوقّفاً على مطالبة الكافر ، وعليه فلا يتحقّق السبيل بوجه .
المقام الثّالث: في اختصاص مورد الحكم بثبوت القصاص في صورة الاعتياد بخصوص أهل الذمّة ، والدليل عليه ظهور الرّوايات المتقدّمة في ذلك باعتبار ذكر أهل الذمّة بالخصوص ، كما في أكثر تلك الروايات ، أو باعتبار الحكم بلزوم ردّ الفضل ، مع أنّه لا دية لغير الذمّي من الكفار بوجه . وعطف «أهل الكتاب» على «أهل الذمة» في ذيل إحدى روايات إسماعيل بن الفضل المتقدّمة لا ينافي ذلك ، بعدما عرفت من اتّحادها وعدم تعدّدها ، وعليه فلم يثبت هذا العطف بوجه ، فالظاهر الاختصاص حينئذ .
والظاهر أيضاً تحقّق الاعتياد بالمرّة الثالثة ; لعدم تحقّقها قبلها عند العرف ، وثبوت العادة في الحيض بالمرّتين لا يلازم الثبوت في مثل المقام . كما أنّ الظاهر أنّ ثبوت القصاص مع تحقّق الاعتياد إنّما هو بالإضافة إلى القتل الموجب لتحقّقه ، فالمطالِب هو وليّ المقتول الثالث فقط . وأمّا الأوّلان فهما وإن كانا دخيلين في تحقّق الاعتياد إلاّ أنّه لا قصاص فيهما ، لعدم ثبوته معهما .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 154 .
(الصفحة 135)مسألة 3 ـ يقتل الذّمّي بالذّمّي وبالذمّية مع ردّ فاضل الدية ، والذّمية بالذّمية وبالذّمي من غير ردّ الفضل كالمسلمين ، من غير فرق بين وحدة ملّتهما واختلافهما ، فيقتل اليهودي بالنصراني وبالعكس ، والمجوسي بهما وبالعكس1..
1 ـ الحكم في الذمّي والذمّية فيما إذا كان القاتل والمقتول كلاهما ذميّين ما عرفت فيما إذا كانا مسلمين ، فيقتل من غير ردّ مع التساوي في الذكورة والأُنوثة ، ومع ردّ فاضل الدية إذا كان المقتول مؤنَّثاً ، وبدون شيء فيما إذا كان مذكراً .
ولا فرق في ذلك بين وحدة ملّتهما والاختلاف ، لا لعموم
{النَّفسَ بِالنَّفسِ}(1) ، لما مرّ من عدم ثبوت الإطلاق ، بل لكون الكفر ملّة واحدة وعدم ثبوت المزيّة فيه ، ولرواية السكوني ، عن الصادق (عليه السلام) إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: يقتصّ اليهودي والنصراني والمجوسي بعضهم من بعض ، ويقتل بعضهم بعضاً إذا قتلوا عمداً(2) . ويستفاد منها صدور هذا القول من علي (عليه السلام) مكرّراً .
وحكي عن أبي حنيفة عدم قتل الذمّي بالمستأمن(3) ، وفساده ظاهر بعد كون المستأمن محرّم القتل . نعم عن كشف اللِّثام أنّه لا يقتل الذمّي ولا المستأمن بالحربي(4) . ولعلّ الوجه عدم كون الحربي محقون الدّم ، وقد مرّ لزوم كون النفس متّّصفة بالاحترام والعصمة حتى يتحقّق موجب القصاص ، ومقتضى ذلك عدم ثبوت القصاص فيما إذا كان القاتل حربيّاً أيضاً ، كما جزم به العلاّمة في محكيّ
- (1) المائدة 5 : 45 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 81 ، أبواب القصاص في النفس ب 48 ح1 .
- (3) المبسوط للسرخسي: 26 / 134 ، بدائع الصنائع: 6 / 276 .
- (4) كشف اللثام: 2 / 454 .
(الصفحة 136)مسألة 4 ـ لو قتل ذمّي مسلماً عمداً دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، وهم مخيَّرون بين قتله واسترقاقه ، من غير فرق بين كون المال عيناً أو ديناً ، منقولاً أو لا ، ولا بين كونه مساوياً لفاضل دية المسلم أو زائداً عليه ، أو مساوياً للدّية أو زائداً عليها1..
القواعد(1) ، إلاّ أنّه ذكر صاحب الجواهر أنّ الالتزام به مشكل ، لأنّ أهل الذمّة فيما بينهم كالحربيين إذ لا ذمّة لبعضهم على بعض . قال: فالعمدة حينئذ الإجماع إن كان(2) .
1 ـ أصل الحكم في المسألة وهو دفع القاتل الذمّي إلى أولياء المقتول ليقتلوه أو يسترقّوه أو يعفوا عنه ، وكذا دفع أمواله في الجملة إليهم مشهور بين الأصحاب(3)شهرة محقَّقة ، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه(4) . والعمدة في مستند الحكم صحيحة ضريس الكنّاسي التي رواها المشايخ الثلاثة ، عنه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في نصراني قتل مسلماً ، فلمّا أخذ أسلم ، قال: اقتله به . قيل: وإن لم يسلم؟ قال: يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا عفوا ، وإن شاؤوا استرقّوا . قيل: وإن كان معه عين (مال)؟ قال: دفع إلى أولياء المقتول هو وماله .
قال في الوسائل بعد نقله عن الكليني: ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب ، ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 290 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 156 .
- (3) التنقيح الرائع: 4 / 427 ، مسالك الأفهام: 15 / 144 .
- (4) الإنتصار: 547 مسألة 307 ، الروضة البهية: 10 / 61 ، وظاهر نكت النهاية: 3/388 .