(الصفحة 138)
أو مطلقاً ، ولو كان مساوياً لأضعاف الدية ، كما لعلّه المشهور المصرّح به في التحرير(1) ، وظاهر المحقّق في الشرائع(2) وغيره من الأصحاب(3) ، أو خصوص فضل ما بين دية المسلم والذّمي ، كما عن الصدوق(4) ، أو خصوص دية المسلم أو قيمته إن كان مملوكاً كما عن الحلبيين(5) ، أقوال .
ولابدّ بملاحظة ما ذكرنا من عدم الاختلاف بين الروايتين أن يقال: لو كانت النسخة هي «المال» بدل «العين» لكان مقتضى الإطلاق لزوم دفع جميع الأموال من غير استثناء ، نعم ربّما يناقش من جهة التعبير بالدفع الذي لا يلائم مع المال غير المنقول ، خصوصاً مع التعبير بكلمة «مع» الظاهرة في كونه مستصحباً له ، ولكنّه مندفع بملاحظة العرف ، كما لا يخفى .
ولو كانت النسخة هي العين دون المال ، فالتقييد بها حيث كان واقعاً في كلام السائل يكون العدول في الجواب عن التعبير بها بالتعبير بالمال يظهر منه أنّه لا اختصاص للحكم بها أصلاً ، وعلى ما ذكرنا يكون المستفاد من الرواية ما عليه المشهور ، ولا مجال للقولين الآخرين ، كما أنّه لا مجال للاستبعاد بوجه .
الثانية: الظّاهر أنّ قتل الذمّي في الفرض ليس لأجل خروجه عن الذمة بسب ارتكاب قتل المسلم ، لأنّه مضافاً إلى عدم كون قتل المسلم من أسباب الخروج عن
- (1) تحرير الأحكام: 2 / 248 .
- (2) شرائع الأحكام: 4 / 986 .
- (3) كابن حمزة في الوسيلة: 434 ـ 435 ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 581 والشهيد الأوّل في اللمعة: 176 .
- (4) المقنع: 534 .
- (5) الكافي في الفقه: 385 ، غنية النزوع: 406 .
(الصفحة 139)
الذمّة لاختلاف الإخلال بشرائط الذمة من هذه الجهة كما قرّر في محلّه ، يكون الدليل عليه أنّه لو كان القتل لأجل ذلك لما كان حينئذ امتياز وخصوصية لورثة المقتول من جهة اختيار العفو أو القتل ، بل كانوا حينئذ كسائر الناس ، ولم يكن لهم العفو أصلاً ، مع أنّ الرواية صريحة في خلافه ، فلا وجه حينئذ لما عن كشف اللّثام(1) وبعض آخر(2) .
الثالثة: الظاهر أيضاً أنّ التخيير بين الأمور الثلاثة المذكورة في الرواية بالإضافة إلى نفس القاتل أمر ، ودفع أمواله إلى أولياء المقتول أمر آخر ، لا ارتباط له بخصوص الاسترقاق من تلك الأمور الثلاثة ، خلافاً لما عن ابن إدريس(3) من أنّه لا يجوز أخذ المال إلاّ مع الاسترقاق ، لأنّ مال المملوك لمولاه ، وفي محكيّ كشف اللِّثام: «ويحتمله الخبر وكلام الأكثر»(4) .
ولكنّ الظاهر ، أنّه مخالف لظاهر الرواية جدّاً ، لأنّه لا إشعار فيها فضلاً عن الدلالة بتوقّف ملك الأموال على الاسترقاق . هذا مضافاً إلى أنّ القاعدة لا تقتضيه أيضاً ، لعدم استلزام الاسترقاق في الموارد الأخر لتملّك أموال المسترَّق ، بل كما قالوا: يبقى ماله فيئاً أو ملكاً للإمام (عليه السلام) ، وكون مال المملوك لمولاه معناه هو المال الحاصل له في حال العبودية والملك ، لا ما يعمّ المال الذي كان له قبل الملك . هذا مضافاً إلى أنّ مرجع ذلك إلى ثبوت المال له في صورة الاسترقاق ، وهو لا ينفي الثبوت مع عدم الاسترقاق ، كما لا يخفى .
- (1) كشف اللثام: 2 / 454 .
- (2) كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 385 .
- (3) السرائر: 3 / 351 .
- (4) كشف اللثام: 2 / 455 .
(الصفحة 140)مسألة 5 ـ أولاد الذّمي القاتل أحرار لا يسترقّ واحد منهم لقتل والدهم ، ولو أسلم الذمّي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله1..
1 ـ في هذه المسألة فرعان:
الأوّل: عدم جواز استرقاق أولاد الذمّي القاتل للمسلم لقتل والدهم ، ومن الظاهر أنّ المراد بهم هو الصغار منهم لا المطلق ، كما في المتن ، والمحكي عن المفيد(1)وسلار(2) وابن حمزة(3) جواز الاسترقاق ، وعن ابن إدريس(4) ومن تأخّر عنه(5)عدم الجواز ، وتردّد فيه المحقّق في الشرائع(6) ، وإن جعل الأشبه البقاء على الحرّية .
وكيف كان ، فربّما يستدلّ على الجواز بتبعية الأولاد الصغار للوالد ـ ومقتضى التبعية جواز استرقاقهم أيضاً ـ بالخروج عن الذّمة بسبب ارتكاب القتل والالتحاق بأهل الحرب ، ومن أحكامهم استرقاق أولادهم الصّغار .
وقد مرّ الجواب عن الأمر الثاني في المسألة الرابعة المتقدّمة ، وأنّ ارتكاب القتل لا يوجب الخروج عن الذمّة والالتحاق بأهل الحرب . وأمّا الأمر الأوّل فيردّه عدم قيام الدّليل على سعة دائرة التبعية وشمولها لمثل المقام ، خصوصاً بعد قوله تعالى:
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى}(7) .
وربّما يستدلّ على العدم كما في الجواهر: بخلوّ النصوص عن ذلك ، مع أنّها
- (1) المقنعة: 740 .
- (2) المراسم العلوية: 238 .
- (3) الوسيلة: 435 .
- (4) السرائر: 3 / 351 .
- (5) كشف الرموز: 2 / 609 ، إرشاد الأذهان: 2 / 204 .
- (6) شرائع الإسلام: 4 / 986 .
- (7) الأنعام 6 : 164 .
(الصفحة 141)مسألة 6 ـ لو قتل الكافر كافراً وأسلم لم يقتل به ، بل عليه الدية إن كان المقتول ذا دية1..
في مقام البيان(1) ، ولكنّه يتمّ بناء على نقل صاحب الجواهر للرواية بالنحو الذي عرفت ، وأمّا بناء على نقل صاحب الوسائل فلا يتمّ ، لعدم كون الرواية بهذا النقل في مقام البيان ، ولو لم يقع السؤال عن حكم المال لم يكن في الرواية تعرّض لحكمه أيضاً ، بل غاية ما كانت الرواية بصدد بيانه هو حكم نفس القاتل من جهة القتل والاسترقاق والعفو .
ولكن ذلك لا يقدح في أصل الحكم بعد كون جواز الاسترقاق مفتقراً إلى الدّليل ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليه ، فمقتضى الأصل العدم .
الثاني: لو أسلم الذمّي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله ، فلا يجوز استرقاقه ولا تملّك أمواله ، للاقتصار في الرواية المتقدّمة في الجواب عن سؤال هذا الفرض بقوله (عليه السلام) : «اقتله به» الظاهر في انحصار حكمه فيما إذا لم يرد العفو بالقتل .
1 ـ الوجه في عدم قتله به أنّ الملاك في ذلك حال الاقتصاص ، فإنّ مثل قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة : «لا يقاد مسلم بذمّي»(2) ظاهر في المسلم حال إرادة القصاص ، وإن لم يكن متّصفاً بذلك حال الجناية . وعليه فاللاّزم عليه الدية ، وقد قيّده في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(3) بما إذا كان المقتول ذا دية ، مع أنّه إذا لم يكن
- (1) جواهر الكلام: 42 / 158 .
- (2) تقدّم في ص128 .
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 987 .
(الصفحة 142)مسألة 7 ـ يقتل ولد الرشيدة بولد الزنية بعد وصفه الإسلام حين تميزه ولو لم يبلغ ، وأمّا في حال صغره قبل التميز أو بعده وقبل إسلامه ففي قتله به وعدمه تأمّل وإشكال1..
كذلك لا يبقى موضوع للقصاص من الأوّل . وبعبارة أخرى محلّ الكلام ما إذا كان هناك قصاص ، مع قطع النظر عن إسلامه الجديد ، وهو يتحقّق فيما إذا كان المقتول محقون الدّم ، ولا يشمل مهدور الدّم ، وعليه فالتقييد المذكور بلا فائدة .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في فرعين:
الأوّل: ما إذا أظهر ولد الزنا الإسلام بعد التميز ، سواء بلغ أو لم يبلغ . ومنشأ توهّم عدم اقتصاص ولد الحلال بقتله أحد أمرين:
الأوّل: كونه محكوماً بالكفر ، كما عليه بعض الأصحاب كالسيّد المرتضى (قدس سره)(1) ، وقد مرّ أنّه لا يقتل المسلم بالكافر .
الثاني: كون ديته بمقدار الذمّي وهو ثمانمائة درهم ، فيستكشف من ذلك إجراء حكم الذمّي عليه ، ومن أحكامه عدم قتل المسلم به .
والجواب منع كونه في هذا الحال وهو حال إظهار الإسلام ووصفه محكوماً بالكفر ، وقد مرّ في بحث نجاسة الكافر عدم كون ولد الحرام بمجرّده كافراً ، ومنع كون التساوي في الدية موجباً للتساوي في القصاص بعد كون الملاك هنا عدم قتل المسلم بالكافر ، وهو لا ينطبق عليه ، وعليه فالظاهر ثبوت القصاص في هذا الفرع .
الثاني: ولد الحرام قبل تميّزه أو بعده مع عدم إظهار الإسلام ووصفه . والظاهر
- (1) الإنتصار: 544 مسألة 503 .