(الصفحة 15)
فأصاب غيره(1) .
ومرسلة جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قتل العمد كلّ ما عمد به الضرب فعليه القود ، وإنّما الخطأ أن تريد الشيء فتصيب غيره . وقال: إذا أقرّ على نفسه بالقتل قتل وإن لم يكن عليه بيّنة(2) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لو أنّ رجلاً ضرب رجلاً بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمداً(3) . والقدر المتيقّن منها صورة إرادة القتل وقصده لا مجرّد الضرب بإحداها ، وإن لم يكن قاصداً للقتل أصلاً .
ورواية عبدالرحمن بن الحجاج المروية في تفسير العياشي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: إنّما الخطأ أن تريد شيئاً فتصيب غيره ، فأمّا كلّ شيء قصدت إليه فأصبته فهو العمد(4) .
ومرسلة ابن أبي عمير المروية في التفسير المزبور عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال: كلّما أُريد به ففيه القود ، وإنّما الخطأ أن تريد الشيء فتصيب غيره(5) . ونقلها في الجواهر هكذا: مهما اُريد تعيّن القود(6) . . . ، وجعلها من الروايات المعارضة لهذه الروايات مع وضوح ظهورها في ثبوت القود في المقام ، خصوصاً مع حصر الخطأ فيما ذكر .
وطائفة ظاهرها عدم تحقّق العمد وعدم ثبوت القود .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 24 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 3 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 6 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 26 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 8 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 18 .
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 16 .
- (6) جواهر الكلام : 42 / 15 .
(الصفحة 16)
مثل: رواية أبي العباس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أرمي الرّجل بالشيء الذي لا يقتل مثله ، قال: هذا خطأ ، ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها ، قلت: أرمي الشاة فأُصيب رجلاً ، قال: هذا الخطأ الذي لا شكّ فيه; والعمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله(1) . وظهورها في كون المفروض فيها صورة إرادة القتل لا شكّ فيه ، كما أنّ دلالتها على عدم كون المقام من موارد العمد ظاهرة .
ومرسلة عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : في الخطأ شبه العمد أن تقتله بالسّوط أو بالعصا أو بالحجارة ، إنّ دية ذلك تغلظ ، وهي مائة من الإبل . الحديث(2) .
ورواية أبان بن عثمان ، عن أبي العباس وزرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال: إنّ العمد أن يتعمّده فيقتله بما يقتل مثله ، والخطأ أن يتعمّده ولا يريد قتله ، يقتله بما لا يقتل مثله ، والخطأ الذي لا شكّ فيه أن يتعمّد شيئاً آخر فيصيبه(3) . والظّاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «لا يريد قتله» هو عدم إرادة القتل حينما يتعمّده ويقصده ، ولذا لا يستصحب الآلة القتّالة ، ولكنّه بعد الوصول إليه يحدث له إرادة القتل فيقتله بما لا يقتل مثله ، لظهورها في أنّ الفرق بين هذا الفرض والفرض الأوّل هو مجرّد كون الآلة فيه قتّالة بخلافه ، وفي أنّ الفرق بينه وبين الفرض الأخير هو عدم تعلّق قصد القتل بالمقتول بل بشيء آخر ، فالفروض الثلاثة كلّها مشتركة في أصل إرادة القتل .
ومثل هذه الرواية رواية زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال: إنّ الخطأ أن تعمده
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 7 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 27 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 11 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 27 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 13 .
(الصفحة 17)
ولا تريد قلته بما لا يقتل مثله ، والخطأ ليس فيه شكّ أن تعمد شيئاً آخر فتصيبه(1) .
ورواية أُخرى لزرارة ، عن أُي عبدالله (عليه السلام) ، قال: العمد أن تعمده فتقتله بما مثله يقتل(2) .
ومرسلة يونس،عن بعض أصحابه،عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال:إن ضرب رجل رجلاً بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلّم فهو يشبه العمد ، فالديّة على القاتل; وإن علاه وألحّ عليه بالعصا أو بالحجارة حتى يقتله فهو عمد يقتل به ، وإن ضربه ضربة واحدة فتكلّم ثم مكث يوماً أوأكثر من يوم فهو شبه العمد(3) . والظاهر أنّ اختلاف الفروض إنّماهو في تحقّق قصدالقتل في الصورة الثانية المستلزم للإلحاح ، ومثله دون الصورتين الآخرتين ، وعليه فتصير الرواية من روايات الطائفة الأُولى .
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّ الجمع بين الطائفتين يمكن بوجهين:
أحدهما: حمل الطائفة الأُولى الدالّة بظاهرها على ثبوت العمد في المقام على شبه العمد بقرينة الطائفة الثانية ، فالنتيجة حينئذ عدم ثبوت القصاص لعدم تحقّق موجبه الذي هو العمد .
ثانيهما: حمل الطائفة الثانية على صورة عدم إرادة القتل وعدم تحقّق قصده بقرينة الطائفة الأُولى ، فينتج ثبوت القصاص في المقام .
والظاهر أنّ الترجيح مع الوجه الثاني لأنّ ـ مضافاً إلى عدم ظهور الطائفة الثانية في صورة إرادة القتل ، بل حمل بعضها على هذه الصورة كان بعيداً ـ حمل الطائفة الأولى على شبه العمد لا يكاد يجتمع مع ثبوت الحكم بالقصاص في
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 17 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 20 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 5 .
(الصفحة 18)
بعضها ، كما في مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة ، وليس المذكور في جميعها كلمة «العمد» حتى تحمل على شبه العمد ، بل الحكم بالقود الذي لا يتحقّق إلاّ بعد ثبوت موجبه الذي هو العمد محضاً ، فالترجيح مع هذا الوجه .
ثم إنّه لو فرض ثبوت التعارض وعدم إمكان الجمع لكان الترجيح مع الطائفة الأولى ، الموافقة للشهرة الفتوائية المحققة ، كما مرّت الإشارة إليه مراراً .
المورد الثالث: ما إذا قصد فعلاً يقتل به غالباً وإن لم يقصد القتل به ، وقيل : يفهم من الغنية الإجماع عليه(1) ، وهو الذي تقتضيه القاعدة ، لأنّ القصد إلى الفعل الذي يتحقّق به القتل غالباً مع التوجه والإلتفات إلى ذلك لا يكاد ينفكّ من قصد القتل ، غاية الأمر أنّه يصير القتل مقصوداً بالتبع ، والفعل يكون مقصوداً بالأصالة ، وهو لا يوجب الخروج عن عنوان العمد ، فإنّ من ضرب الغير بآلة قتّالة مع العلم بكونها كذلك يكون عند العرف قاتلاً بالقتل العمدي ، وإن كان غرضه غير القتل كامتحان الآلة ، أو امتحان رميه إيّاها ، أو غير ذلك من الأغراض .
ويدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكرنا صحيحة الحلبي وأبي الصباح الكناني جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال (قالا ـ ظ) سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات ، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم ، ولكن لا يترك يعبث به ، ولكن يجيز عليه بالسيف(2) . ومثلها رواية موسى بن بكر(3) . ورواية سليمان بن خالد(4) .
- (1) غنية النزوع : 402 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 24 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 2 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 26 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 10 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 27 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 12 .
(الصفحة 19)
والعصا وإن لم يكن بمجرده من الآلات القتّالة ، إلاّ أنّ تكرار الضرب به وعدم قلع الضرب عنه يوجب صيرورته من هذه الآلات . ومقتضى إطلاق السؤال وترك الاستفصال أنّه لا فرق بين ما إذا كان مراد الضارب القتل أو مجرّد الضرب فقط ، وعليه فظاهر الجواب كون هذا المورد أيضاً من موارد العمد التي فيها القصاص ، والظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «ولكن لا يترك يعبث به» هو عدم المعاملة مع القاتل معاملة ما صنعه بالمقتول ، بل يسرع عليه بالسيف الذي يوجب قتله من دون زجر وتمثيل . يقال: أجاز عليه ، أي أجهزه وأسرع في قتله . وعليه فالروايات المذكورة مطابقة لما تقتضيه القاعدة .
ثمّ إنّ بعض الأعلام استدلّ لكون المورد الثالث من موارد العمد بصحيحة فضل ابن عبدالملك التي رواها الصدوق عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّه قال: إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد . قال: سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة أهو أن يعتمد ضرب رجل ولا يعتمد قتله؟ فقال: نعم ، قلت: رمى شاة فأصاب إنساناً ، قال: ذاك الخطأ الذي لا شكّ فيه ، عليه الدية والكفّارة(1) .
قال في تقريب الاستدلال بها: إنّها تدلّ على أنّ الضرب بالحديدة الذي يترتّب عليه القتل عادة من القتل العمدي ، وإن لم يقصد الضارب القتل ابتداء ، وأمّا مع قصد القتل فلا خصوصية للحديدة(2) .
ويرد عليه ، انّ الحديدة لا تكون من الآلات القتّالة ، لأنّ المراد بها هي الحديدة الصغيرة ، وقد جعلها في بعض الروايات المتقدّمة في رديف الحجر والعصا والوكزة ،
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 26 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 9 .
- (2) مباني تكملة المنهاج: 2 / 4 مسألة 1 .