(الصفحة 166)
خمسة أشبار اقتصّ منه ، وإذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضى بالدية . وفي رواية الصدوق بإسناده عن السكوني: اقتصّ منه واقتصّ له(1) . وحكي العمل بها عن الشيخين(2) والصّدوقين(3) وجماعة(4) ، وإن قال صاحب الجواهر: وإن كنّا لم نتحقّق الجماعة(5) .
والظاهر أنّه لا مجال للأخذ بها أيضاً على كلا الاحتمالين ، بعد كون تلك الروايات موافقة للشهرة الفتوائية المحقَّقة ، مضافاً إلى أنّه لا معنى لجعل الأشبار دليلاً على البلوغ ، مع أنّه أمر واقعي موجب لتحوّل حال الطفل وتغيّر خصوصياته ، ومقدار القامة لا مدخل له في ذلك أصلاً ، كما لايخفى .
رابعتها: صحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً خطأ ، فقال: إنّ خطأ المرأة والغلام عمد ، فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما . الحديث(6) .
والظاهر لزوم الإعراض عن هذه الرواية وردّ علمها إلى أهلها ، لأنّه لا مجال لجعل خطأ الغلام عمداً ، وهكذا المرأة ، مع أنّ نقصهما وقصورهما مقتض للعكس .
ثمّ إنّ الإشكال في المسألة من المحقّق الأردبيلي (قدس سره)(7) ـ بما يرجع إلى استلزام تخصيص القرآن الكريم والأخبار المتواترة بالإجماع وأخبار الاحاد ، وإلى احتمال
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 66 ، أبواب القصاص في النفس ب 36 ح1 .
- (2) المقنعة: 748 ، النهاية: 761 ، وفيه: «إلى أن يبلغ عشر سنين أو خمسة أشبار» .
- (3) المقنع: 523 .
- (4) قاله الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام: 2 / 456 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 181 .
- (6) وسائل الشيعة: 19 / 64 ، أبواب القصاص في النفس ب 34 ح1 .
- (7) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 5 ـ 6 .
(الصفحة 167)مسألة 1 ـ لو قتل عاقل ثم خولط وذهب عقله لم يسقط عنه القود ، سواء ثبت القتل بالبيّنة أو بإقراره حال صحّته1..
اختصاص حديث رفع القلم بغير القصاص الذي قد يقال: إنّه من القلم الوضعي الذي لم يرفع عن الصبيان ، ولذا يضمن لو أتلف مال الغير . وإلى احتمال الجمع بين النصوص بحمل ما دلّ على الاقتصاص منه على صورة القصد ، وما دلّ على عدمه على صورة عدمه ـ مندفع جدّاً; لأنّ مبنى الفقه على تخصيص عمومات الكتاب والسنّة المتواترة بالخبر الواحد ، وإلاّ تلزم لغوية اعتباره تقريباً ، وظهور بعض الروايات المتقدّمة في ارتباط رفع القلم وثبوت الدية على العاقلة الظاهر في شمول الرفع للقصاص أيضاً .
واحتمال الجمع بالنحو المذكور مدفوع بعدم مساعدة العرف والعقلاء عليه ، وكونه جمعاً تبرعيّاً كما لا يخفى . فالظاهر حينئذ بملاحظة ما ذكر عدم الإشكال في المسألة بوجه ، وأنّ البلوغ حال الجناية شرط في القصاص ، ينتفى بانتفائه .
1 ـ قد مرّ أنّ الشرط في القصاص هو العقل حال القتل وصدور الجناية ، وعليه فلو قتل في حال العقل ثم صار مجنوناً لا يسقط عنه القصاص . وإن حكي عن بعض العامّة الخلاف(1) وعن بعض آخرمنهم التفصيل بين ما إذا جنّ قبل أن يقدَّم للقصاص، وبين ما إذا جنّ بعده ، بالحكم بالاقتصاص في خصوص الثاني(2) . والدليل على عدم السقوط الاستصحاب ، ويؤيّده خبر بريد العجلي المتقدّم في أدلّة اشتراط البلوغ في القصاص المشتمل على قوله (عليه السلام) في الذي خولط وذهب عقله: «إن شهدوا عليه أنّه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به» .
- (1 ، 2) العزيز شرح الوجيز: 10 / 158 .
(الصفحة 168)مسألة 2 ـ لا يشترط الرشد بالمعنى المعهود في القصاص ، فلو قتل بالغ غير رشيد فعليه القود1.
مسألة 3 ـ لو اختلف الولي والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته ، فقال الولي: قتلته حال بلوغك أو عقلك ، فأنكره الجاني ، فالقول قول الجاني بيمينه ، ولكن تثبت الدية في مالهما بإقرارهما لا العاقلة ، من غير فرق بين الجهل بتاريخهما أو بتاريخ أحدهما دون الآخر ، هذا في فرض الاختلاف في البلوغ ، وأمّا في الاختلاف في عروض الجنون فيمكن الفرق بين ما إذا كان القتل معلوم التاريخ .
فإنّه صريح في القصاص حال الجنون . ولا فرق فيما ذكر بين ثبوت القتل بالبيّنة كما في الرواية ، وبين ثبوته بالإقرار في حال الصحّة وعدم فساد العقل ، لجريان الاستصحاب في كليهما ، وعدم ما يدلّ على الفرق ، وقيامه عليه في بعض الموارد كما في الرجم لا دلالة له على الفرق مطلقاً .
1 ـ حكي عن التحرير(1) اشتراط الرشد أيضاً في القصاص ، والظاهر أنّه غير تامّ ، فإنّه إن كان المراد به هو المعنى المصطلح في كتاب الحجر الذي هو أمر ثالث مغاير للبلوغ والعقل ، ويقابله السفه الذي هو مغاير للصغر والجنون ، فالظاهر أنّه لا دليل على اعتباره في مقابل إطلاقات أدلّة القصاص ، وإن كان المراد به هو كمال العقل فهو داخل في الشرطين المذكورين اللّذين جعلهما المحقّق في الشرائع(2) شرطاً واحداً معبِّراً عنه بعنوان كمال العقل ، كما لا يخفى .
- (1) تحرير الأحكام: 2 / 249 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 990 .
(الصفحة 169)وشكّ في تاريخ عروض الجنون فالقول قول الوليّ ، وبين سائر الصور فالقول قول الجاني ، ولو لم يعهد للقاتل حال جنون فالظاهر أنّ القول قول الوليّ أيضاً1..
1 ـ في هذه المسألة فرعان:
أحدهما: ما إذا اختلف الولي والجاني بعد بلوغ الجاني وإقراره بصدور القتل منه ، والاختلاف إنّما هو في أنّ القتل الصادر هل كان في حال البلوغ حتّى يترتّب عليه القصاص ، كما يدّعيه وليّ المقتول ، أو كان في حال عدم تحقّق البلوغ ، فلا يترتّب عليه القصاص ، كما يدّعيه الجاني؟ وقد حكم فيه في المتن بتقديم قول الجاني في فروضه الثلاثة التي هي صورة الجهل بتاريخ كلّ من القتل والبلوغ معاً ، أو بتاريخ خصوص واحد منهما دون الآخر ، والوجه فيه إمّا في صورة الجهل بهما ، فلعدم جريان شيء من استصحاب عدم القتل إلى حال البلوغ ، واستصحاب عدم البلوغ إلى حال القتل ، أو تعارض الاستصحابين وتساقطهما على الخلاف في مجهولي التاريخ . وبعد ذلك يشكّ في تحقّق البلوغ الذي هو شرط في حال صدور الجناية ، ومعه يشكّ في ثبوت القصاص ، والأصل عدمه ، فالقول قول موافق الأصل مع يمينه .
وأمّا في صورة الجهل بتاريخ البلوغ فقط ، فاستصحاب عدم تحقّق البلوغ إلى حال القتل يترتّب عليه فقدان شرط القصاص ، فلا مجال له . وأمّا في صورة الجهل بتاريخ القتل فقط ، فاستصحاب عدم القتل إلى زمان البلوغ لا يثبت تحقّق القتل في حال البلوغ حتّى يترتّب عليه القصاص .
ثم إنّه بعد عدم ثبوت القصاص تثبت الدية في ماله ، لأنّ ثبوت القتل بالإقرار يمنع عن ثبوت الدية على العاقلة لكونه إقراراً عليهم ، فاللاّزم ثبوت الدية في ماله ،
(الصفحة 170)
لئلاّ يبطل دم امرىء مسلم ، كما فيما إذا لم يكن هناك تخاصم ، فتدبّر .
ثانيهما: ما إذا اختلف الوليّ والجاني في الجنون حال القتل وصدور الجناية ، وفيه فروض ثلاثة لم يقع التعرّض في المتن لأوّلها:
الأوّل: ما إذا كان الجنون من أوّل الولادة والوجود محرزاً ومسلّماً بين الطرفين كعدمه حال الاختلاف ، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في أنّ القتل هل كان في حال الجنون الباقي من حين الولادة ، كما يدّعيه الجاني ، أو بعد زواله وتحقّق الإفاقة ، كما يقول به الولي؟ ويجري في هذا الفرض حكم الفرع الأوّل ، وهو كون القول قول الجاني بيمينه من دون الفرق بين صورة الجهل بتاريخ كلّ من حدوث القتل وحدوث الإفاقة ، وبين صورة الجهل بتايخ أحدهما فقط ، لعدم الفرق بين هذا الفرض وصورة الاختلاف في البلوغ أصلاً ، كما هو ظاهر .
الثاني: ما إذا كان الجنون عارضاً ومسبوقاً بالعدم ، بحيث كان عروضه في برهة من الزمن وزواله في حال الاختلاف مسلّماً بينهما ، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في أنّ القتل هل كان في تلك البرهة أو قبلها ، وقد حكم فيه في المتن بتقديم قول الوليّ في خصوص ما إذا كان تاريخ القتل معلوماً ، وتاريخ عروض الجنون مشكوكاً ، والوجه فيه جريان استصحاب عدم الجنون إلى زمان القتل ، وبه يتحقّق موجب القصاص الذي هو القتل في حال عدم الجنون ، وقد حقّق في الأصول صحّة جريان الاستصحاب في الشرط ، وخلوّه عمّا ربّما يستشكل فيه بعدم ترتّب الأثر الشرعي عليه ، ومع جريان هذا الاستصحاب الذي يوجب تقدّم قول الولي لا يبقى مجال لأصالة البراءة التي توجب تقدّم قول الجاني . وأمّا في صورة العكس وصورة كون كلا التاريخين مجهولين ، فلا أصل فيهما يوجب ترجيح قول الوليّ أصلاً ، كما لا يخفى .
الثالث: ما إذا كان أصل الجنون مشكوكاً ، وهو الذي عبّر عنه في المتن بأنّه لم