(الصفحة 169)وشكّ في تاريخ عروض الجنون فالقول قول الوليّ ، وبين سائر الصور فالقول قول الجاني ، ولو لم يعهد للقاتل حال جنون فالظاهر أنّ القول قول الوليّ أيضاً1..
1 ـ في هذه المسألة فرعان:
أحدهما: ما إذا اختلف الولي والجاني بعد بلوغ الجاني وإقراره بصدور القتل منه ، والاختلاف إنّما هو في أنّ القتل الصادر هل كان في حال البلوغ حتّى يترتّب عليه القصاص ، كما يدّعيه وليّ المقتول ، أو كان في حال عدم تحقّق البلوغ ، فلا يترتّب عليه القصاص ، كما يدّعيه الجاني؟ وقد حكم فيه في المتن بتقديم قول الجاني في فروضه الثلاثة التي هي صورة الجهل بتاريخ كلّ من القتل والبلوغ معاً ، أو بتاريخ خصوص واحد منهما دون الآخر ، والوجه فيه إمّا في صورة الجهل بهما ، فلعدم جريان شيء من استصحاب عدم القتل إلى حال البلوغ ، واستصحاب عدم البلوغ إلى حال القتل ، أو تعارض الاستصحابين وتساقطهما على الخلاف في مجهولي التاريخ . وبعد ذلك يشكّ في تحقّق البلوغ الذي هو شرط في حال صدور الجناية ، ومعه يشكّ في ثبوت القصاص ، والأصل عدمه ، فالقول قول موافق الأصل مع يمينه .
وأمّا في صورة الجهل بتاريخ البلوغ فقط ، فاستصحاب عدم تحقّق البلوغ إلى حال القتل يترتّب عليه فقدان شرط القصاص ، فلا مجال له . وأمّا في صورة الجهل بتاريخ القتل فقط ، فاستصحاب عدم القتل إلى زمان البلوغ لا يثبت تحقّق القتل في حال البلوغ حتّى يترتّب عليه القصاص .
ثم إنّه بعد عدم ثبوت القصاص تثبت الدية في ماله ، لأنّ ثبوت القتل بالإقرار يمنع عن ثبوت الدية على العاقلة لكونه إقراراً عليهم ، فاللاّزم ثبوت الدية في ماله ،
(الصفحة 170)
لئلاّ يبطل دم امرىء مسلم ، كما فيما إذا لم يكن هناك تخاصم ، فتدبّر .
ثانيهما: ما إذا اختلف الوليّ والجاني في الجنون حال القتل وصدور الجناية ، وفيه فروض ثلاثة لم يقع التعرّض في المتن لأوّلها:
الأوّل: ما إذا كان الجنون من أوّل الولادة والوجود محرزاً ومسلّماً بين الطرفين كعدمه حال الاختلاف ، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في أنّ القتل هل كان في حال الجنون الباقي من حين الولادة ، كما يدّعيه الجاني ، أو بعد زواله وتحقّق الإفاقة ، كما يقول به الولي؟ ويجري في هذا الفرض حكم الفرع الأوّل ، وهو كون القول قول الجاني بيمينه من دون الفرق بين صورة الجهل بتاريخ كلّ من حدوث القتل وحدوث الإفاقة ، وبين صورة الجهل بتايخ أحدهما فقط ، لعدم الفرق بين هذا الفرض وصورة الاختلاف في البلوغ أصلاً ، كما هو ظاهر .
الثاني: ما إذا كان الجنون عارضاً ومسبوقاً بالعدم ، بحيث كان عروضه في برهة من الزمن وزواله في حال الاختلاف مسلّماً بينهما ، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في أنّ القتل هل كان في تلك البرهة أو قبلها ، وقد حكم فيه في المتن بتقديم قول الوليّ في خصوص ما إذا كان تاريخ القتل معلوماً ، وتاريخ عروض الجنون مشكوكاً ، والوجه فيه جريان استصحاب عدم الجنون إلى زمان القتل ، وبه يتحقّق موجب القصاص الذي هو القتل في حال عدم الجنون ، وقد حقّق في الأصول صحّة جريان الاستصحاب في الشرط ، وخلوّه عمّا ربّما يستشكل فيه بعدم ترتّب الأثر الشرعي عليه ، ومع جريان هذا الاستصحاب الذي يوجب تقدّم قول الولي لا يبقى مجال لأصالة البراءة التي توجب تقدّم قول الجاني . وأمّا في صورة العكس وصورة كون كلا التاريخين مجهولين ، فلا أصل فيهما يوجب ترجيح قول الوليّ أصلاً ، كما لا يخفى .
الثالث: ما إذا كان أصل الجنون مشكوكاً ، وهو الذي عبّر عنه في المتن بأنّه لم
(الصفحة 171)مسألة 4 ـ لو ادّعى الجاني صغره فعلاً وكان ممكناً في حقّه فإن أمكن إثبات بلوغه فهو ، وإلاّ فالقول قوله بلا يمين ، ولا أثر لإقراره بالقتل إلاّ بعد زمان العلم ببلوغه وبقائه على الإقرار به1.
مسألة 5 ـ لو قتل البالغ الصبيّ قتل به على الأشبه ، وإن كان الاحتياط أن لا يختار ولي المقتول قتله بل يصالح عنه بالدية ، ولا يقتل العاقل بالمجنون وإن كان أدوارياً مع كون القتل حال جنونه ، وتثبت الدية على القاتل إن كان عمداً أو .
يعهد للقاتل حال جنون . وقد استظهر فيه في المتن أنّ القول قول الولي ، والوجه فيه كون قوله موافقاً لأصالة السلامة التي هي أصل عقلائي . ولعلّ منشأها غلبة السلامة في أفراد الإنسان ، كالسلامة من سائر العيوب فيها وفي جميع الأشياء . وعليها يبتنى خيار العيب الذي هو من الخيارات السبعة المعروفة مع عدم اشتراط السلامة في متن العقد نوعاً .
1 ـ الوجه في قبول قوله كونه موافقاً لأصالة عدم البلوغ مع إمكانه في حقّه كما هو المفروض ، والوجه في عدم اليمين عدم إمكانها ، لأنّ التحليف لإثبات المحلوف عليه ، ولو ثبت صباه بطلت يمينه ، فلا وجه لما عن الشهيد الأوّل (قدس سره)(1) من احتمال تحليفه بل القول به ، كما أنّ إقراره في هذه الحالة لا يترتّب عليه أثر إلاّ إذا بقي عليه إلى زمان العلم بالبلوغ وثبوته ، فإذا بلغ ومضى على إقراره اُخذت منه الدية ، لأنّ المقرّ به هو القتل في حال الصغر ، ولا يوجب ذلك الثبوت على العاقلة ، كما مرّ .
- (1) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 30 .
(الصفحة 172)شبهه ، وعلى العاقلة إن كان خطأ محضاً ، ولو كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين1..
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: ما إذا قتل البالغ الصبيّ ، والمشهور فيه شهرة محقَّقة عظيمة(1) ، بل لم يحك الخلاف إلاّ عن الحلبي(2) من القدماء هو ثبوت القصاص فيه . والوجه فيه ـ مضافاً إلى عمومات أدلّة القصاص وإطلاقاتها ـ خصوص ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن فضال ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أنّ يتعمّد فعليه القود . قال في الوسائل: ورواه الصدوق بإسناده عن ابن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) إلاّ أنّه قال: «كلّ من قتل بشيء»(3) . وربّما نسب الوسائل إلى الاشتباه وسهو القلم باعتبار عدم وجود هذه الرواية في الفقيه ، ولكن في حاشية الوسائل بالطبعة الجديدة قد عيّن محلّه في الفقيه فراجع .
وكيف كان فالرواية على تقدير الإرسال منجبرة بالشهرة المذكورة ، ولا مجال للإشكال فيها من حيث السند ، كما أنّ دلالتها واضحة .
وأمّا ما يمكن أن يستدلّ به على عدم القصاص في هذا الفرع ـ فمضافاً إلى أنّه لا يقتصّ من الكامل للناقص ـ صحيحة أبي بصير يعني المرادي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً مجنوناً ، فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه
- (1) راجع مسالك الافهام: 15 / 164 ورياض المسائل: 10 / 295 .
- (2) الكافي في الفقه: 384 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 31 ح4 .
(الصفحة 173)
فقتله فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطى ورثته ديته من بيت مال المسلمين . قال: وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه ، وأرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون ، ويستغفر الله ويتوب إليه(1) .
فإنّ الرواية وإن كانت واردة في المجنون إلاّ أنّ قوله في جزاء القضية الشرطية: «فلا قود لمن لا يقاد منه» ربّما يستفاد منه ضابطة كلّية ، وهي عدم ثبوت القصاص لمن لايقتصّ منه، فيشمل قتل الصبيّ أيضاً، لأنّه لايقتصّ منه إذاكان قاتلاً،كما عرفت.
هذا ، والظاهر أنّ هذه الاستفادة تكون تامّة لو كانت الضابطة واردة بعنوان التعليل ،وأمّا لو كانت واردة بمثل ما في الرواية من كونها جزاء للشرط المفروض فيه المجنون فلا مجال لها ، نعم لا وجه لإنكار إشعاره بذلك ، ولكن مجرّد الإشعار لا ينهض في مقابل الأدلّة العامّة والخاصّة . نعم يوجب تحقّق موضوع الاحتياط بأن لا يختار ولي المقتول القصاص ، بل يصالح عنه بالدية ، كما في المتن .
وأمّا أنّه لا يقتصّ من الكامل للناقص ، فهو أوّل الكلام ، وإن أُريد به مطلق الكمال والنقص فهو ممنوع ، بداهة أنّه يقتصّ من العالم للجاهل وشبهه .
الثاني: ما إذا قتل العاقل المجنون ، ولا خلاف في عدم ثبوت القصاص فيه ، بل في محكيّ كشف اللّثام نسبته(2) إلى قطع الأصحاب ، بل عن كشف الرموز الإجماع عليه(3) ، ويدلّ عليه صحيحة أبي بصير المتقدّمة آنفاً في الفرع الأوّل ، كما أنّها تدلّ على ثبوت الدية في مال القاتل ، وأنّه يدفعها إلى ورثة المجنون .
والظّاهر أنّه لا فرق في المجنون بين الاطباقي والادواريّ ، كما أنّ الظاهر أنّه لو
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 51 ، أبواب القصاص في النفس ب 28 ح1 .
- (2) كشف اللثام: 2 / 456 .
- (3) كشف الرموز: 2 / 611 .