(الصفحة 238)مختارون في تعيين خمسين منهم في العمد ، وخمسة وعشرين في غيره1..
بالخطأ هل هو الخطأ المحض أو الأعمّ منه ومن شبه الخطأ ، ولو لم يكن لتلك الأدلة إطلاق يكون مقتضى أصالة عدم ثبوت القتل بأقلّ من خمسين اعتبارها في هذه الصورة أيضاً ، وعليه فيشكل الحكم بالتسوية بين الخطأ وبين شبهه ، كما في المتن وغيره .
1 ـ في هذه المسألة فروض ثلاثة:
الأوّل: ما إذا بلغ القوم بضميمة المدعي مقدار خمسين ، وكان كلّ واحد منهم جازماً بالقتل وصدق المدّعي ، وهذا هو الفرض الواضح من القسامة حيث يحلف كلّ واحد منهم يميناً ، فيتحقّق خمسون يميناً من خمسين رجلاً ، ولا شبهة فيه .
الثاني: ما إذا كان القوم أكثر من خمسين ، والمحكيّ عن الشهيد (قدس سره) أنّه قال: لو كانوا أكثر من خمسين حلف كلّ واحد يميناً(1) ، ومرجعه إلى أنّ الاكتفاء بالخمسين إنّما هو فيما إذا لم يكن العدد زائداً عليها ، وإلاّ فيلزم حلف الجميع . ومن الواضح منافاة هذاالكلام لظاهرالنصوصوالفتاوى، فإنّ مقتضاهماالاكتفاءبهامطلقاً، وعليه فهم مختارون في تعيين خمسين منهم في قتل العمد ، وخمسة وعشرين في الخطأ.
الثالث: ما إذا كان المجموع من القوم والمدّعي ناقصاً عن خمسين مثلاً ، فالّذي صرّح به غير واحد أنّه تكرّر عليهم الأيمان حتّى يكمّلوا القسامة ، وعن الغنية الاجماع عليه ، بل عنها وعن الخلاف أنّه إن كان الولي واحداً أقسم خمسين إجماعاً ، بل زاد في الثاني نسبته إلى أخبار الفرقة أيضاً(2) .
- (1) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 61 .
- (2) غنية النزوع: 440 ـ 441 ، الخلاف: 5 / 308 مسألة 3 .
(الصفحة 239)مسألة 2 ـ لو لم يكن للمدّعي قسامة أو كان ولكن امتنعوا كلاًّ أو بعضاً حلف المدّعي ومن يوافقه إن كان ، وكرّر عليهم حتّى تتمّ القسامة ، ولو لم يوافقه أحد كرّر عليه حتّى يأتي بتمام العدد1.
مسألة 3 ـ لو كان العدد ناقصاً فهل يجب التوزيع عليهم بالسوية ، فإن كان عددهم عشرة يحلف كلّ واحد خمسة ، أويحلف كلٌّ مرّة ويتمّ وليّ الدم النقيصة ، أو لهم الخيرة بعد يمين كلّ واحد ، فلهم التوزيع بينهم بأيّ نحو شاؤوا؟ .
ولكن أكثر الروايات المتقدّمة ظاهرة في اعتبار خمسين رجلاً ، نعم قوله (عليه السلام) في صحيحة بريد المتقدّمة: فأقيموا قسامة خمسين رجلاً(1) يكون على قرائته بالإضافة ظاهراً في إرادة خمسين يميناً ، كما أنّ قوله (عليه السلام) في صحيحة مسعدة المتقدّمة: حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً(2) أيضاً ظاهر في أنّ الملاك هو تعدّد الأيمان لا تعدّد من يحلفونها ، مضافاً إلى أنّ تعليل مشروعية القسامة بحقن دماء المسلمين لئلاّ يغتال الفاسق رجلاً فيقتله مع عدم رؤية أحد ، يقتضي عدم تعليق الحكم على عدد خمسين ، لعدم تحقّقه إلاّ نادراً ، كما لا يخفى . وعليه فلا تنبغي المناقشة في الحكم في هذا الفرض .
1 ـ ظهر حكم هذه المسألة من حكم الفرض الثالث في المسألة المتقدّمة ، فإنّ مقتضاه حلف المدّعي خمسين ، سواء لم يكن غيره أو كان ولكن لم يوافقه أحد في الحلف .
- (1) تقدّمت في ص219 .
- (2) تقدّمت في ص222 .
(الصفحة 240)لا يبعد الأخير ، وإن كان الأولى التوزيع بالسوية ، نعم لو كان في التوزيع كسر كما إذا كان عددهم سبعة فبعد التوزيع بقي الكسر واحداً فلهم الخيرة ، والأولى حلف وليّ الدّم في المفروض ، بل لو قيل أنّ النقيصة مطلقا على وليّ الدّم أو أوليائه فليس ببعيد ، فإذا كان العدد تسعة فالباقي خمسة يحلفها الولي أو الأولياء ، فإن كان في التوزيع بين الأولياء كسر فهم بالخيار ، ولو وقع فيهم تشاحّ فلا يبعد الرجوع إلى القرعة ، وليس هذا نكولاً1..
1 ـ صرّح المحقّق في الشرائع(1) بلزوم التوزيع بالسوية ، وتبعه الفاضل في القواعد(2) . وقال كاشف اللثام في شرحها: ذكوراً كانوا أو أناثاً أو مختلفين ، وارثين بالسوية أو لا بها ، أو غير وارثين ، لاشتراكهم في الدعوى وانتفاء دليل على التفاضل ، ولا يفيده التفاضل في الإرث على أنّه ليس بشرط(3) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى منع الإشتراك في الدعوى أنّه لا يلزم أن يكون كلّ واحد من الحالفين مدّعياً ـ ما عرفت من المستفاد من النصوص اعتبار بلوغ مقدار الحلف خمسين ، وأمّا لزوم التسوية بين العدد الناقص فلا دلالة لشيء منها عليه ، بل ظاهرها خلافه ، وعليه فلا مجال لدعوى لزوم الأخذ بالقدر المتيقّن ، وهو التساوي في القسمة بينهم .
والمحكيّ عن المبسوط لزوم القسمة بين الوارثين على حسب الحصص ، فلو فرض ابن وبنت حلف الابن أربعاً وثلاثين ، والبنت سبع عشرة(4) ، نظراً إلى أنّهم
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 998 .
- (2) قواعد الأحكام: 2 / 297 .
- (3) كشف اللثام: 2 / 462 .
- (4) المبسوط : 7 / 222 .
(الصفحة 241)مسألة 4 ـ هل يعتبر في القسامة أن تكون من الوراث فعلاً ، أو في طبقات الإرث ولو لم تكن وارثاً فعلاً ، أو يكفي كونها من قبيلة المدّعي وعشيرته عرفاً وإن لم تكن من أقربائه؟ الظاهر عدم اعتبار الوراثة فعلاً ، نعم الظاهر اعتبار ذلك في المدّعي ، وأمّا سائر الأفراد فالاكتفاء بكونهم من القبيلة والعشيرة غير بعيد ، لكن الأظهر أن يكونوا من أهل الرجل وأقربائه ، والظاهر اعتبار الرجولية في القسامة ، وأمّا في المدّعي فلا تعتبر فيه وإن كانت أحد المدّعين ، ومع عدم العدد من الرجال ففي كفاية حلف النساء تأمّل وإشكال ، فلابدّ من التكرير بين .
إنّما يحلفون خلافه عن القتيل ، فيحلف كلّ بقدر خلافته ، فيحلف الذكر ضعف الاُنثى .
وممّا ذكرنا يظهر بطلانه أيضاً ، لعدم الإشعار في شيء من النصوص المتقدّمة إليه ، بل ظاهرها اعتبار بلوغ مقدار الحلف خمسين من دون فرق بين الحالفين بوجه . فانقدح أنّ الظاهر ثبوت الخيار وجواز التوزيع بينهم بأيّ نحو شاؤوا ، وإن كانت أولوية التسوية لا شبهة فيها .
وأمّا أولويّة حلف وليّ الدم فيما إذا كان هناك نقيصة كما في المثال المذكور في المتن ، بل تعيّنه كما يظهر منه ، فلعلّ الوجه فيه أنّ الحلف يكون ثابتاً عليه ابتداء ، لأنّه مستحقّ القصاص أو الدية ، وجوازه من غيره إنّما هو على خلاف القاعدة ، فاللاّزم ثبوته عليه بالإضافة إليها ، فتدبّر .
ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا مورد للرجوع إلى القرعة في تشاحّ الأولياء ، بعد عدم ثبوت خصوصيّة لأحدهم في الواقع ، غاية الأمر توقّف إثبات حقّهم على النّصاب المذكور ، فإن تحقّق النصاب يثبت الحق ، وإلاّ فلا . ومنه يظهر أنّه لا وجه للرجوع إليها في تشاحّ القوم الحالفين غير الأولياء لعين ماذكر .
(الصفحة 242)الرجال ، ومع الفقد يحلف المدعي تمام العدد ولو كان من النساء1..
1 ـ لا إشكال في أنّه يعتبر في المدّعي واحداً كان أو متعدّداً الوراثة بالفعل ، وبعبارة أُخرى يعتبر أن يكون مستحقّاً للقصاص أو الدية على تقدير ثبوت القتل ، ضرورة أنّه بدونه لا تسمع دعواه ، ولا تكون قابلة للطرح عند الحاكم وترتيب الأثر عليها .
كما أنّه لا إشكال في عدم اعتبار الرجولية في المدّعي كسائر المقامات ; لعدم الدليل عليه ، مضافاً إلى أنّه قد يكون الوارث منحصراً بالمرأة ، فلا مجال لعدم سماع دعواها بعد كون مشروعية القسامة لحقن دماء المسلمين ، كما عرفت .
وأمّا القسامة ، ففيها احتمالات ثلاثة مذكورة في المتن ، ونفى فيه البعد عن الوجه الثالث ، لكن جعل الأظهر هو الوجه الثاني . وهنا احتمال رابع وهو: عدم اشتراط شيء فيها سوى الموافقة للمدّعي وعلمه بصدور القتل من المدّعى عليه ، ولا يبعد اختيار هذا الوجه ، لأنّه لا يستفاد من شيء من الروايات اعتبار القرابة أو كونه من قبيلة المدّعي وعشيرته ، خصوصاً مع ملاحظة الروايات المتعدّدة المتقدّمة الحاكية لقصّة خيبر ، المشتملة على أنّ الأنصار فقدوا رجلاً منهم ثم وجدوه مقتولاً متشحّطاً بدمه ، وعلى أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) حكم فيهم بالقسم بمقدار خمسين ، مع أنّه من الواضح أنّ المقتول كان مشتركاً معهم في كونه من الأنصار من دون قرابة ، بل ولا الاشتراك في القبيلة والعشيرة .
هذا ، مضافاً إلى أنّ مقتضى حكمة مشروعيّة القسامة عدم الاختصاص ، ولعلّ الوجه لما في المتن ، أنّه قد عبّر في بعض الروايات والفتاوى بالقوم أو الأهل ، ولكنّه لا ينهض في مقابل ما ذكرنا بوجه .
وأمّا اعتبار الرجولية في القسامة فللتعبير بالرجل في كثير من الروايات