(الصفحة 257)
ويدلّ على الثاني ما رواه الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال; وعن محمد بن عيسى ، عن يونس جميعاً ، عن الرضا (عليه السلام) . وعن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن ظريف بن ناصح ، عن أبيه ظريف بن ناصح ، عن عبدالله بن أيّوب ، عن أبي عمرو المتطبّب قال: عرضت على أبي عبدالله (عليه السلام) ما أفتى به أمير المؤمنين (عليه السلام) في الديات ، فممّا أفتى به في الجسد وجعله ستّ فرائض: النفس ، والبصر ، والسمع ، والكلام ، ونقص الصوت من الغنن والبحح ، والشّلل من اليدين والرجلين .
ثم جعل مع كلّ شيء من هذه قسامة على نحو ما بلغت الدية ، والقسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلاً ، وجعل في النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلاً ، وعلى ما بلغت ديته من الجروح ألف دينار ستّة نفر ، وما كان دون ذلك فحسابه من ستّة نفر ، والقسامة في النفس والسمع والبصر والعقل والصوت من الغنن والبحح ونقص اليدين والرجلين فهو ستّة أجزاء الرجل .
تفسير ذلك: إذا أُصيب الرجل من هذه الأجزاء الستّة ، وقيس ذلك ، فإن كان سدس بصره أو سمعه أو كلامه أو غير ذلك حلف هو وحده ، وإن كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل واحد ، وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان ، وإن كان ثلثي بصره حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر ، وإن كان أربعة أخماس بصره حلف هو وحلف معه أربعة ، وإن كان بصره كلّه حلف هو وحلف معه خمسة نفر ، وكذلك القسامة في الجروح كلّها ، فإن لم يكن للمصاب من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان ، فإن كان سدس بصره حلف مرة واحدة ، وإن كان الثلث حلف مرّتين ، وإن كان النصف حلف ثلاث مرّات ، وإن كان الثلثين حلف أربع مرّات ، وإن كان خمسة أسداس حلف خمس مرّات ، وإن كان كلّه حلف ستّ
(الصفحة 258)
مرّات ، ثم يعطى(1) .
قال في الوسائل بعد نقل الرواية بالكيفية المذكورة: ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم ، ورواه الشيخ والصدوق كما يأتي من أسانيدهما إلى كتاب ظريف .
وكيف كان لا مجال لتضعيف سند الرواية بعد كون روايتها بطرق متعدّدة فيها الصحيح والموثق وغيرهما ، وإن كان بعض طرقها مشتملاً على الضعف لضعف أبي عمرو المتطبّب ، والمناقشة في سهل بن زياد .
وبهذه الرواية يجاب عن أدلّة القول الأوّل ، لأنّه لا مجال مع تماميّتها من حيث السند والدلالة للأخذ بالاحتياط ولا بالقدر المتيقّن ، وبها يقيد إطلاق صحيحة ابن سنان المتقدّمة ، ودعوى الشهرة والإجماع مدفوعة بعدم ثبوتهما ، بل ربّما يقال : بتحقّق الشهرة القديمة على خلافه .
ثمّ الظاهر أنّ قوله: «وتفسير ذلك» ليس من الكليني; لعدم معهودية هذا النوع من التفسير له ، مضافاً إلى أنّه لا شاهد في الرواية بكونه منه ، بل الظاهر كونه جزء للرواية وإن كان الاستدلال بها لا يتوقّف على هذه الجهة . نعم فيها اضطراب من جهة مغايرة ستة أجزاء المذكورة في الصدر مع ما هو المذكور بعده ، لعدم اشتمال الأولى على العقل واشتمال الثانية عليه ، ولكنّه لا يقدح في الحجية بالإضافة إلى ما نحن بصدده أصلاً ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ ظاهر الرواية أنّ ما يثبت بستّ أيمان هو الدية مطلقاً دون القصاص ، ولأجله لا فرق بين العمد والخطأ في الأعضاء من جهة اعتبار الستّ وعدم
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 120 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 11 ح2 .
(الصفحة 259)مسألة 8 ـ يشترط في القسامة علم الحالف ، ويكون حلفه عن جزم وعلم ، ولا يكفي الظنّ1.
مسألة 9 ـ هل تقبل قسامة الكافر على دعواه على المسلم في العمد والخطأ .
التفصيل بين الصورتين ، كما قد صرّح به فيها في القتل .
ثم إنّه على كلا القولين لو كان هناك كسر في اليمين اُكمل بيمين ، لأنّه لا تكسر اليمين ، فعلى القول الثاني إذا بلغت الجناية سدس الدية أو أقل ففي الجميع يمين واحدة ، وعلى القول الأوّل إذا بلغت خمس عشر الدية أو أقل يكون كذلك ، وفي المتوسط بين الكسور يلحق بالكسر الذي يكون فيه يمين أكثر ; لعدم تكسّر اليمين كما عرفت . وعلى كلا القولين ربّما تتّحد الجنايتان في مقدار اليمين ، وإن كانت نسبتهما إلى الدية مختلفة ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ الظاهر أنّه لا خلاف في اعتبار علم الحالف ، وأنّه لا يكفي الظن ولو كان غالباً ، ونسبة الخلاف(1) إلى مبسوط الشيخ(2) ممنوعة كما في الجواهر(3) ، والوجه في الاعتبار أنّه لا خصوصيّة للمقام ، فكما يعتبر ذلك في سائر المقامات يعتبر في المقام أيضاً ، خصوصاً مع ملاحظة إباء الأنصار عن الحلف معلِّلاً بعدم رؤيتهم وتقرير النبي(صلى الله عليه وآله) لهم ، مضافاً إلى أنّه لا معنى للحلف على شيء مع عدم العلم به ، والحلف على ثبوت الظنّ به لا يغني أصلاً .
- (1) كما في كشف اللثام: 2 / 463 .
- (2) المبسوط: 7 / 216 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 256 ـ 257 .
(الصفحة 260)في النفس وغيرها؟ فيه خلاف ، والوجه عدم القبول1..
1 ـ هذه المسألة خلافية ، فعن الشيخ في بعض كتبه(1) والعلاّمة(2) وفخر المحقّقين(3) أنّه لا تقبل ، وجعله المحقّق في الشرائع أظهر(4) ، لكن حكي عن مبسوط الشيخ(5) وجمع من الأصحاب(6) القبول ، وقوّاه صاحب الجواهر (قدس سره)(7) .
واستدلّ للأوّل بأنّ القسامة على خلاف الأصل ، ومورد الروايات قسامة المسلم ، فيقتصر على القدر المتيقّن ، وبأنّه قد صرّح في بعض الروايات المتقدّمة بأنّه إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة ، وفي بعضها إنّما جعلت القسامة احتياطاً لدماء المسلمين ، فيستفاد منه أنّ مشروعية القسامة لأجل التحفّظ على دم المسلم فقط ، وبأنّه إن أُريد بالقسامة إثبات القصاص في القتل عمداً فمن الواضح أنّ الكافر لا يستحقّ القصاص على المسلم ، وإن أُريد بها إثبات الدية فاللاّزم الحكم بثبوت مال للكافر على المسلم باليمين الابتدائية من الكافر ، مع أنّا نعلم بأنّهم يستحلّون دماء المسلمين وأموالهم .
وبأنّها سبيل منفيّ للكافر على المسلم ، وبتقرير النبيّ(صلى الله عليه وآله) الأنصار على إبائهم وامتناعهم قبول قسامة اليهود ، ولذا أدّاه هو(صلى الله عليه وآله) من بيت المال .
ويمكن المناقشة في الجميع .
- (1) الخلاف: 5 / 311 مسألة 10 .
- (2) قواعد الأحكام: 2 / 297 ، تحرير الأحكام: 2 / 254 .
- (3) إيضاح الفوائد: 4 / 618 .
- (4) شرائع الإسلام: 4 / 999 .
- (5) المبسوط: 7 / 216 .
- (6) مختلف الشيعة: 9 / 476 مسألة 172 ، مسالك الأفهام: 15 / 209 ـ 210 .
- (7) جواهر الكلام: 42 / 258 .
(الصفحة 261)
أمّا تقرير النبيّ(صلى الله عليه وآله) فهو مسبوق بأمر النبي(صلى الله عليه وآله) بقسامة اليهود ، وهو صريح في مشروعية قسامتهم مع كونهم كافرين بل مشركين ، وعليه فلابدّ من توجيهه بنحو ، لأنّه لا مجال لجعل الوجه فيه هو عدم المشروعية بعد صراحة القول فيها .
ويمكن أن يكون الوجه فيه هو علم النبي(صلى الله عليه وآله) بصدور القسامة من اليهود بعد أمرهم بها ، وعليه فكان يترتّب عليها براءتهم ولزوم أداء الدية من بيت المال ، ويبقى في نفوس الأنصار الاعتراض على قبول قسامتهم ، فرأى(صلى الله عليه وآله)المصلحة في صرف النظر عن قسامتهم وأداء الدية من بيت المال ابتداءً ، وعليه فالوجه في التقرير خصوصيّة المورد لا عدم مشروعيّة القسامة ، ولو سلّمنا عدم تبين وجه التقرير لنا لكن ذلك لا يستلزم رفع اليد عن القول الصريح في المشروعية .
نعم مقتضاها مشروعية القسامة من الكافر في جانب المدّعى عليه ، وهو وإن لم يكن ملازماً للمشروعية في ناحية المدّعي ، خصوصاً بملاحظة بعض الأدلّة المذكورة مثل نفي السبيل ، إلاّ أنّ الظاهر عدم الفرق بين القسامتين من هذه الجهة عند الأصحاب (قدس سرهم) فالإنصاف أنّ الرواية دليل قويّ على المشروعية مطلقاً .
وأمّا نفي السبيل فيمكن المناقشة في الاستدلال به بعد وضوح أنّ ثبوت دعوى الكافر بسبب قسامته لا يستتبع القصاص بوجه ، لأنّ المفروض كون المدّعي كافراً وهو يستلزم كون المقتول كذلك ، لعدم إرث الكافر من المسلم ، وقد سبق أنّ من شرائط القصاص التساوي في الدين ، وأنّه لا يقتل مسلم بذمّي ، وعليه فثبوت دعوى الكافر بالقسامة في المقام لا يترتّب عليه إلاّ الدية التي هي حقّ مالي ، ومن الواضح أنّ ثبوت مال للكافر على المسلم لا يكون سبيلاً له عليه ، وإلاّ يلزم عدم جواز افتراض المسلم من الذمّي ، ويلزم أن لا يثبت القتل ولو بالبيّنة ، لأنّ مقتضاها ثبوت الدية على القاتل المسلم ، مع أنّ صريح النصّ والفتوى خلافه .