(الصفحة 285)
عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من قتل مؤمناً متعمّداً قيد منه إلاّ أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية ، فإن رضوا بالدية وأحبّ ذلك القاتل فالدية(1) . الحديث .
وربّما يستدلّ لقول الاسكافي بروايات :
مثل : صحيحة عبدالله بن سنان وابن بكير جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً ـ إلى أن قال: ـ فقال: إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية ، وأعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، وأطعم ستّين مسكيناً توبة إلى الله عزّوجلّ(2) .
وصحيحة ابن سنان الثانية ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن رجل قتل مؤمناً وهو يعلم أنّه مؤمن ، غير أنّه حمله الغضب على أنّه قتله ، هل له من توبة إن أراد ذلك أو لا توبة له؟ قال: توبته إن لم يعلم انطلق إلى أوليائه فأعلمهم أنّه قتله ، فإن عفي عنه أعطاهم الدية ، وأعتق رقبة ، وصام شهرين متتابعين ، وتصدّق على ستّين مسكيناً(3) . ولكنّ الظاهر عدم كونها رواية اُخرى غير الاُولى ، بل هي متّحدة معها كما أشرنا إليه مراراً .
ورواية أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل قتل رجلاً متعمّداً ، قال: جزاؤه جهنّم . قال: قلت له : هل له توبة؟ قال: نعم يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستّين مسكيناً ، ويعتق رقبة ، ويؤدّي ديته . قال: قلت: لا يقبلون
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 37 ، أبواب القصاص في النفس ب 19 ح3 .
- (2) وسائل الشيعة: 15 / 579 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب 28 ح1 .
- (3) وسائل الشيعة: 15 / 580 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفارات ب 28 ح3 .
(الصفحة 286)
منه الدية ، قال: يتزوّج إليهم ثم يجعلها صلة يصلهم بها . قال: قلت: لا يقبلون منه ولا يزوّجونه . قال: يصرّه صرراً ثمّ يرمي بها في دارهم(1) .
والنبويّ : من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، إمّا أن يفدى وإمّا أن يقتل(2) .
والنبويّ الآخر: من أُصيب بدم أو خبل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث : بين أن يقتصّ أو يعفو ، أو يأخذ العقل(3) .
لكن في النبويين إشكال ضعف السند ، والروايات الأُخر لا تنطبق على دعوى مدّعي التخيير ، لأنّ ظاهرها لزوم إعطاء الدية ولو مع عدم قبول الولي ، والعفو عنها أيضاً مع أنّ القائل بالتخيير لا يرى ذلك بوجه ، لأنّ مرجعه إلى ثبوت الدية أيضاً بعنوان حقّ الولي ، فإذا عفى عنه وأسقطه لا يجب الإعطاء ، وعليه فيحتمل أن يكون لزوم إعطاء الدية في الروايات من شؤون التوبة ، فتدبّر . ولعلّه لذا لم يذكر صاحب الجواهر هذه الروايات من أدلّة قول الإسكافي ، بل كان ذلك في كلام بعض الأعلام(4) .
ثم على تقدير الدلالة تكون موافقة الروايات الظاهرة في قول المشهور للشهرة المحقّقة مرجّحة لها وموجبة لتعيّن الأخذ بها ، فلا محيص عن اختيار القول بتعيّن القصاص .
ثمّ إنّه يترتّب على ما ذكرنا من تعيّن القصاص حكم مسألة العفو ، وفيها صور .
فإنّه تارة يعفو وليّ المقتول بنحو يصرّح بنفي المال وعدم إرادة الدية ، ولا شبهة
- (1) وسائل الشيعة: 15 / 580 ،كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفارات ب 28 ح4 .
- (2) سنن البيهقي : 12 / 83 ـ 84 ح16473 .
- (3) سنن البيهقي: 12 / 82 ح16469 ، والخبل: الجراح .
- (4) مباني تكملة المنهاج: 2 / 123 ـ 124 مسألة 130 .
(الصفحة 287)
حينئذ في تأثير العفو في سقوط حقّ القصاص ، كما أنّه لا شبهة في عدم ثبوت الدية .
واُخرى يتحقّق العفو بنحو الإطلاق من دون التعرّض للدية نفياً وإثباتاً ، وفي هذه الصورة أيضاً يسقط القود ولا تثبت الدية ، لأنّ المفروض أنّ ما وجب بقتل العمد كان مجرّد القصاص ، والفرض أنّه أسقطه ، والدية لم تكن في البين حتّى تثبت . نعم على القول بالتخيير يكون العفو موجباً لسقوط القود وتبقى الدية بحالها ; لأنّها أحد طرفي التخيير ، وفي هاتين الصورتين لا فرق بين وجود رضا الجاني وعدمه ، لعدم ارتباط الحق إثباتاً وإسقاطاً إلاّ بالولي .
وثالثة يتحقّق العفو مرتبطاً بثبوت الدية ، والارتباط قد يكون بنحو التعليق وقد يكون بنحو الاشتراط ، كما أنّ المشروط أو المعلَّق عليه قد يكون هو ثبوت الدية الذي يماثل شرط النتيجة ، وقد يكون إعطاء الدية الذي يماثل شرط الفعل .
أمّا إذا كان بنحو التعليق ففي الجواهر نفى الريب عن بطلانه(1) ، ولعلّه لما هو المشهور من بطلان التعليق في العقود والإيقاعات ، ولكنّه جعل في المتن الصحّة هي الأصحّ ، ووجهه إمّا عدم معلومية شمول دليل بطلان التعليق الذي هو الإجماع المدّعى لمثل المقام ، وإمّا إطلاق أدلّة صحّة العفو هنا ، فتدبّر .
وأمّا إذا كان بنحو الاشتراط ففي الجواهر : أنّه مبني على لزوم الشرط في الإيقاع مع رضا المشترط عليه ، وهو لا يخلو من بحث بل منع ، إلاّ في مثل الخلع ونحوه ممّا ثبت بالأدلّة ، ولذا ذكر غير واحد(2) أنّه على المختار لا تثبت الدية إلاّ صلحاً(3) .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 281 .
- (2) المختصر النافع: 316 ، إرشاد الأذهان: 2 / 198 ، اللمعة الدمشقية: 178 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 281 .
(الصفحة 288)
أقول: الظاهر إنّ الشرط في ضمن الإيقاع وإن لم يكن لازماً ولو مع رضا المشترط عليه ، ضرورة أنّه إذا اشترط الزوج في ضمن الطلاق مثلاً أن لا تتزوّج زوجته بزوج آخر ورضيت بذلك ، لا يحرم عليها التزوّج بالغير أصلاً . إلاّ أنّ الدليل على اللّزوم في المقام صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة المشتملة على قوله: «وان رضوا بالدية وأحبّ ذلك القاتل فالدية» فإنّ مرجعها إلى اشتراط العفو بالدية ورضا الجاني به ، ولا مجال لحمله على الصلح بعد ظهوره في كون الشروع من ناحية الولي ، ووضوح شروع الصلح من ناحية الجاني ، وعلى تقدير التسليم فمقتضى الإطلاق عدم الاختصاص بالصلح .
ثم إنّه يتفرّع على ما ذكرنا أيضاً لزوم تحقّق رضا الجاني في ثبوت الدية لخروجها عن دائرة حق الولي ، والانتقال إليها لا يتحقّق بدون التراضي ، وهذا بخلاف القول بالتخيير الذي يترتّب عليه ثبوت الدية مع اختيار الولي لها ، وإن لم يكن الجاني راضياً به بوجه .
وعلى ما ذكرنا لا مجال لإجبار الجاني على الدية ، فلو بذل نفسه للقصاص لا يكون للولي إلاّ القصاص أو العفو . نعم ربّما يقال بوجوب الدية عليه لو طلبها الولي من باب وجوب حفظ النفس ، كما عن جماعة من الفقهاء مثل العلاّمة(1) وولده(2) ، ولكن ظاهر الصحيحة المتقدّمة خلافه لدلالتها على ثبوت الاختيار للجاني ، ووضوح أنّه في صورة الوجوب يجبر عليه، مع عدم وضوح شمول دليلوجوب حفظ النفس للمقام الذي تعلّق بها حقّ الغير وتكون مهدورة ولو في الجملة ، فتدبّر.
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 312 .
- (2) إيضاح الفوائد: 4 / 653 ـ 654 .
(الصفحة 289)مسألة 2 ـ يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها أو الناقص ، فلو لم يرض الولي إلاّ بأضعاف الدية جاز وللجاني القبول ، فإذا قبل صحّ ويجب عليه الوفاء1.
مسألة 3 ـ لا يجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أنّ التلف كان بالجناية ، فان اشتبه عنده ولم يقم بيّنة على ذلك ولم يثبت بإقرار الجاني اقتصر على القصاص أو الأرش في الجناية لا النفس ، فإذا قطع يد شخص ولم يعلم ولو بالبيّنة أو الإقرار أنّ القتل حصل بالجناية لا يجوز القتل2.
مسألة 4 ـ يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة فإنّهما لا .
1 ـ كما يجوز العفو مشروطاً بالدية على ما عرفت ، كذلك يجوز التصالح عليها أو على الزائد عليها ، أو الناقص عنها على حسب التراضي . والدليل على الجواز عمومات أدلّة الصلح وإطلاقاتها الشاملة للمقام الذي وقع في أحد الطرفين سقوط حقّ القصاص وفي الآخر المال . ولا حاجة إلى الاستدلال عليه بمثل الصحيحة المتقدّمة ، وعليه فمع تحقّق المصالحة يجب على الجاني الوفاء بها ويسقط القصاص .
2 ـ الوجه في عدم الجواز واضح ، ضرورة لزوم إحراز موجب القصاص في النفس حتى يجوز الحكم به ، فإذا أحرز أن التلف كان لأجل سراية الجناية على الطرف ، سواء كان بالعلم أو بالبيّنة أو بإقرار الجاني يجوز الحكم بالقصاص في النفس ، ومع عدم إحرازه بشيء من الاُمور الثلاثة لا مجال للحكم به ، كما هو الشأن في سائر الموضوعات ، حيث يتوقّف إثبات الحكم عليها على إحرازها .