(الصفحة 288)
أقول: الظاهر إنّ الشرط في ضمن الإيقاع وإن لم يكن لازماً ولو مع رضا المشترط عليه ، ضرورة أنّه إذا اشترط الزوج في ضمن الطلاق مثلاً أن لا تتزوّج زوجته بزوج آخر ورضيت بذلك ، لا يحرم عليها التزوّج بالغير أصلاً . إلاّ أنّ الدليل على اللّزوم في المقام صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة المشتملة على قوله: «وان رضوا بالدية وأحبّ ذلك القاتل فالدية» فإنّ مرجعها إلى اشتراط العفو بالدية ورضا الجاني به ، ولا مجال لحمله على الصلح بعد ظهوره في كون الشروع من ناحية الولي ، ووضوح شروع الصلح من ناحية الجاني ، وعلى تقدير التسليم فمقتضى الإطلاق عدم الاختصاص بالصلح .
ثم إنّه يتفرّع على ما ذكرنا أيضاً لزوم تحقّق رضا الجاني في ثبوت الدية لخروجها عن دائرة حق الولي ، والانتقال إليها لا يتحقّق بدون التراضي ، وهذا بخلاف القول بالتخيير الذي يترتّب عليه ثبوت الدية مع اختيار الولي لها ، وإن لم يكن الجاني راضياً به بوجه .
وعلى ما ذكرنا لا مجال لإجبار الجاني على الدية ، فلو بذل نفسه للقصاص لا يكون للولي إلاّ القصاص أو العفو . نعم ربّما يقال بوجوب الدية عليه لو طلبها الولي من باب وجوب حفظ النفس ، كما عن جماعة من الفقهاء مثل العلاّمة(1) وولده(2) ، ولكن ظاهر الصحيحة المتقدّمة خلافه لدلالتها على ثبوت الاختيار للجاني ، ووضوح أنّه في صورة الوجوب يجبر عليه، مع عدم وضوح شمول دليلوجوب حفظ النفس للمقام الذي تعلّق بها حقّ الغير وتكون مهدورة ولو في الجملة ، فتدبّر.
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 312 .
- (2) إيضاح الفوائد: 4 / 653 ـ 654 .
(الصفحة 289)مسألة 2 ـ يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها أو الناقص ، فلو لم يرض الولي إلاّ بأضعاف الدية جاز وللجاني القبول ، فإذا قبل صحّ ويجب عليه الوفاء1.
مسألة 3 ـ لا يجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أنّ التلف كان بالجناية ، فان اشتبه عنده ولم يقم بيّنة على ذلك ولم يثبت بإقرار الجاني اقتصر على القصاص أو الأرش في الجناية لا النفس ، فإذا قطع يد شخص ولم يعلم ولو بالبيّنة أو الإقرار أنّ القتل حصل بالجناية لا يجوز القتل2.
مسألة 4 ـ يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة فإنّهما لا .
1 ـ كما يجوز العفو مشروطاً بالدية على ما عرفت ، كذلك يجوز التصالح عليها أو على الزائد عليها ، أو الناقص عنها على حسب التراضي . والدليل على الجواز عمومات أدلّة الصلح وإطلاقاتها الشاملة للمقام الذي وقع في أحد الطرفين سقوط حقّ القصاص وفي الآخر المال . ولا حاجة إلى الاستدلال عليه بمثل الصحيحة المتقدّمة ، وعليه فمع تحقّق المصالحة يجب على الجاني الوفاء بها ويسقط القصاص .
2 ـ الوجه في عدم الجواز واضح ، ضرورة لزوم إحراز موجب القصاص في النفس حتى يجوز الحكم به ، فإذا أحرز أن التلف كان لأجل سراية الجناية على الطرف ، سواء كان بالعلم أو بالبيّنة أو بإقرار الجاني يجوز الحكم بالقصاص في النفس ، ومع عدم إحرازه بشيء من الاُمور الثلاثة لا مجال للحكم به ، كما هو الشأن في سائر الموضوعات ، حيث يتوقّف إثبات الحكم عليها على إحرازها .
(الصفحة 290)يستحقّان قصاصاً ، ومنهم من قال : لا يرث القصاص الإخوة والأخوات من الأُمّومن يتقرّب بها ، وقيل : ليس للنساء قود ولا عفو وإن تقرّبن بالأب ، والأوّل أشبه1..
1 ـ لا شبهة في أنّ الزوج والزوجة لا يستحقّان القصاص للإجماع عليه ، وأمّا غيرهما ففي المسألة أقوال ثلاثة:
الأوّل: ما عن المبسوط(1) وموضع من السرائر(2) والتحرير(3) والمختلف(4)والإرشاد(5) والإيضاح(6) واللمعة(7) والمسالك(8) والروض(9) والروضة(10) من أنّه يرث القصاص جميع من يرث المال ، وعن المبسوط نسبته إلى الأكثر .
الثاني: ما عن الشيخ في النهاية(11) والاستبصار(12) وبعض كتبه الأُخر(13) ، من اختصاص إرث القصاص بالعصبة وعدم إرث المتقرّبين بالأُمّ له أصلاً ، وجعله
- (1) المبسوط : 7 / 54 .
- (2) السرائر: 3 / 328 .
- (3) تحرير الأحكام: 2 / 255 .
- (4) مختلف الشيعة: 9 / 297 مسألة 8 .
- (5) إرشاد الأذهان: 2 / 198 .
- (6) إيضاح الفوائد: 4 / 621 .
- (7) اللمعة الدمشقية: 179 .
- (8) مسالك الأفهام: 15 / 227 و 13 / 45 .
- (9) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 85 .
- (10) الروضة البهية: 10 / 94 .
- (11) النهاية: 735 .
- (12) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 86 ، ولم نعثر عليه .
- (13) مختصر الفرائض (الإيجاز في الفرائض والمواريث) المطبوع ضمن الرسائل العشر: 277 ، وظاهر كلامه في الخلاف: 5 / 178 مسألة 41 .
(الصفحة 291)
المحقّق في الشرائع أظهر(1) . وعن الحلّي في موضع آخر من السرائر نفي الخلاف فيه(2) ، وحكي أيضاً عن الشهيد في الحواشي(3) .
الثالث: ما نسب إلى الشيخ في المبسوط(4) وكتابي الأخبار(5) ـ وإن قال في الجواهر: إنّي لم أتحقّقه(6) ـ من أنّه ليس للنساء مطلقاً عفو ولا قود .
والدّليل على القول الأوّل الذي عرفت أنّه المشهور عموم أدلّة الإرث كتاباً وسنّة ، الدالّ على أنّ كلّ ما تركه الميّت من حقّ أو مال فلوارثه ، غاية الأمر خروج الزوج والزوجة في المقام كخروج الزوجة عن بعض الأموال ، وكذا يدلّ عليه إطلاق قوله تعالى:
{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلطَاناً}(7) الآية ، بناء على كون المراد من الوليّ هو الوارث كما هو الظاهر .
وأمّا القولان الآخران ، فالدليل عليهما هو ما رواه علي بن الحسن بن فضال بسنده عن أبي العبّاس فضل البقباق أنّه قال للصادق (عليه السلام) : هل للنساء قود أو عفو؟ قال: لا ، وذلك للعصبة . قال علي بن الحسن: هذا خلاف ما عليه أصحابنا(8) .
وربّما يناقش في الرواية بضعف السند كما في المسالك(9) ، ولكنّه أُجيب عنه بأنّ
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1001 .
- (2) السرائر: 3 / 336 .
- (3) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة: 11 / 86 .
- (4) المبسوط: 7 / 11 ، قال: «عندنا أنّ المرأة لا ترث من القصاص شيئاً بحال» ، ولازمه نفي جواز عفوهنّ .
- (5) التهذيب: 9 / 397 ح1418 ، الاستبصار: 4 / 262 ح988 . و ذيل ح991 .
- (6) جواهر الكلام: 42 / 284 .
- (7) الإسراء 17 : 33 .
- (8) وسائل الشيعة: 17 / 432 ، أبواب موجبات الارث ب 8 ح6 .
- (9) مسالك الأفهام: 15 / 228 .
(الصفحة 292)مسألة 5 ـ يرث الدية من يرث المال حتّى الزوج والزوجة ، نعم لا يرث منها الإخوة والأخوات من قبل الأُمّ ، بل مطلق من يتقرّب بها على الأقوى ، لكنّ الاحتياط في غير الإخوة والأخوات حسن1..
طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال وإن كان فيه علي بن محمد بن الزبير وهو لم يذكر بمدح ولا قدح ، إلاّ أنّه حيث تكون الكتب للراوي المذكور الموجودة عند الشيخ هي الكتب الموجودة عن النجاشي ، وكان للنجاشي إلى تلك الكتب طريق معتبر فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضاً معتبرة .
ويرد على الاستدلال بالرواية ولو على فرض إعتبار سندها:
أوّلاً: عدم انطباقها على شيء من القولين ، لأنّ مفادها اعتبار أمرين في إرث القصاص: أحدهما عدم كون الوارث مؤنثاً ، والآخر كونه من العصبة ومن يتقرّب إلى المقتول بالأب . وظاهر القولين اعتبار خصوص واحد منهما كما لا يخفى . ولعلّه لذا ذكر الراوي إنّ هذه الرواية خلاف ما عليه أصحابنا .
وثانياً: إنّ إعراض المشهور عنها يوجب الوهن فيها وعدم جواز الاستناد إليها ، في مقابل عمومات الكتاب والسنّة .
نعم هنا شيء ، وهو أنّه لو قيل بعدم إرث كلالة الأُمّ أو مطلق النساء من الدية يكون عدم إرثهما من القصاص بطريق أولى ، وسيأتي البحث فيه في المسألة الآتية . وكيف كان فالظاهر هو القول الأوّل الذي جعله في المتن أشبه .
1 ـ بعد ظهور شمول عمومات أدلّة الإرث كتاباً وسنّة وإطلاقاتها للدية ـ التي هي في الأصل متعلّقة بالميّت ومن جملة ما تركه من دون فرق بين الدية الثابتة بالأصالة ، كما في قتل شبه العمد والخطأ وبعض موارد العمد ، كقتل الوالد ولده