(الصفحة 305)يوجب الهتك لا يجوز استعمالها في قصاص المؤمن ، ويعزّر فاعله1..
1 ـ أمّا الحكم الأوّل فالدليل عليه كما في المتن ، أوّلاً رعاية الاحتياط في الدماء لئلاّ يقتل غير المستحقّ ويقتصّ منه ، وثانياً إقامة الشهادة إن حصلت منازعة بعداً ، ولكن لابدّ من التنبيه على أمرين:
أحدهما: إنّ رعاية الاحتياط ورفع المنازعة لا ينحصر طريقهما في زماننا بإحضار شاهدين مع الأوصاف المذكورة ، لأنّهما يتحقّقان بسبب ضبط حكم الحاكم وكتابته وحفظ المكتوب والثبت في الدفتر مع جميع الخصوصيات ، ولعلّ الانحصار كان في الأزمنة السابقة التي لم تتعارف كتابة في المحاكم ولم يكن الحكم مكتوباً ولا مضبوطاً في دفتر أصلاً .
ثانيهما: إنّ التعبير بكلمة «ينبغي» هل المراد به الاستحباب أو مجرّد الإرشاد ، ولا مجال لاستفادة الأوّل من طريق التسامح في أمر الندب; للزوم ثبوت الأمر ولو بطريق ضعيف حتّى يجبر بقاعدة التسامح ، لكنّه يمكن الاستفادة من طريق الأمر بالاحتياط الثابت في الشرع خصوصاً في الدماء ، وعليه فلا يبعد الاستحباب .
وأمّا الحكم الثاني وهو أنّه ينبغي للوالي أو نائبه اعتبار الآلة واختبارها لئلاّ تكون مسمومة ، فالوجه فيه هو ترتّب فساد البدن وتقطّع الأعضاء عليه ، وهو يوجب الهتك وتعسّر الغسل والدفن ، ولا سبيل إلى استفادة الاستحباب في هذا الحكم ، بل الظاهر أنّه لمجرّد الإرشاد ، كما لا يخفى .
وأمّا الحكم الثالث المتعلّق بالمباشر للقصاص ، وهو عدم جواز استعمال الآلة المسمومة مع العلم بكونها كذلك ، فالوجه فيه هو ترتّب فساد البدن والتقطّع عليه نوعاً ، وهو يوجب الهتك ، ولا شبهة في أنّ هتك المؤمن حرام ولو في حال الموت . وذكر في المبسوط أنّه بمنزلة جناية عليه بعد استيفاء القصاص ، فهو كما لو قتله ثم
(الصفحة 306)مسألة 10 ـ لا يجوز في قصاص الطرف استعمال الآلة المسمومة التي توجب السراية ، فإن استعملها الولي المباشر ضمن ، فلو علم بذلك ويكون السمّ ممّا يقتل به غالباً أو أراد القتل ولو لم يكن قاتلاً غالباً يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته إن مات بهما ، فلو كان القتل لا عن عمد يردّ نصف دية المقتول ، ولو سرى السمّ إلى عضو آخر ولم يؤدّ إلى الموت فإنّه يضمن ما جنى دية وقصاصاً مع الشرائط1..
عاد فقطّعه أو حرّقه(1) . نعم لو كان التقطّع حاصلاً بعد الدفن لا يوجب ذلك الهتك بوجه .
وأمّا مسألة تعسّر الغسل فلا تقتضي الحرمة بوجه ، لتقدّم غسله على القصاص أوّلاً ، لأنّه لا يغسل بعد موته ، وعدم كون تعسّره موجباً للحرمة ثانياً .
ثمّ إنّ حرمة استعمال الآلة المسمومة ثابتة فيما لو كانت الجناية واقعة بمثل هذه الآلة أيضاً ، لأنّ وقوعها بمثلها لا يوجب جواز القصاص بمثله ، كما سيأتي في المسائل الآتية . ثمّ إنّ مقتضى ثبوت الحرمة استحقاق العامل للتعزير ، كما في سائر موارد ثبوت التعزير .
1 ـ عدم جواز استعمال الآلة المسمومة في قصاص النفس إنّما هو مجرّد تكليف ، ولا يكون معه حكم وضعيّ ـ وهو الضمان ـ أصلاً . وأمّا في قصاص الطرف فالاستعمال ـ مضافاً إلى كونه محرَّماً لفرض اقتضائها للسراية ـ يكون موجباً للضمان قصاصاً أو دية . فإن كان معه أحد الأمرين المعتبرين في قتل العمد ، وهو كون الآلة ممّا تقتل غالباً ، أو كون الفاعل مريداً للقتل ولو لم يكن مؤثِّراً في القتل
(الصفحة 307)مسألة 11 ـ لايجوز الاستيفاء في النفس والطرف بالآلة الكالّة وما يوجب تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف ، مثل أن يقطع بالمنشار ونحوه ، ولو فعل أثم وعزّر لكن لا شيء عليه ، ولا يقتصّ إلاّ بالسيف ونحوه ، ولا يبعد الجواز بما هو أسهل من السيف كالبندقة على المخ ، بل وبالاتّصال بالقوّة الكهربائية ، ولو كان بالسيف يقتصر على ضرب عنقه ، ولو كانت جنايته بغير ذلك كالغرق أو الحرق أو الرضخ بالحجارة ، ولا يجوز التمثيل به1..
غالباً يتحقّق موجب القصاص ، وإن لم يكن معه شيء من الأمرين تثبت الدية .
غاية الأمر أنّه حيث يكون القتل مسبّباً عن قطع العضو بالآلة المسمومة ، وهو أمر واحد اجتمع فيه حيثيّتان : حيثية الاستحقاق من جهة أصل القطع ، وحيثية عدم الاستحقاق من جهة كون القطع بالآلة الكذائية ، فلا محالة يتحقّق المناصفة . ففي صورة القصاص لابدّ من ردّ نصف الدية إليه أو إلى وارثه ، وفي صورة إعطاء الدية لا يلزم إلاّ أداء نصف الدية ، لما عرفت من اجتماع جهتين في سبب واحد وفعل فارد . وقد عرفت في مسألة الشركة أنّ مجرّد تحقّقها يوجب التنصيف ، ولا يلاحظ عمل الشريكين من جهة الكمّية والكيفية أصلاً ، بل الموجب مجرّد انتساب العمل إلى كليهما ، وممّا ذكرنا يظهر حكم ما لو سرى السمّ إلى عضو آخر من دون أن يؤدّي إلى الموت ، فإنّه يتحقّق بالإضافة إليه الضمان قصاصاً أو دية .
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الأُولى: عدم جواز الاستيفاء مطلقاً نفساً أو طرفاً بالآلة الكالة التي توجب تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف ، مثل القطع بالمنشار المذكور في المتن . وقد استدلّ له في الجواهر ـ مضافاً إلى نفي الخلاف فيه ـ بالنبوي: إذا قتلتم فأحسنوا
(الصفحة 308)
القتلة(1) ، وبالأمر بإراحة الذبيحة وتحديد الشفرة للذبح ، ففي الآدميّين أولى(2) .
والأولى الاستدلال له بأنّ غاية ما ثبت في الشريعة بمقتضى الكتاب والسنّة هو القصاص بمعنى النفس بالنفس والعين بالعين وهكذا ، وأمّا التعذيب الزائد الذي يستلزمه استعمال الآلة الكالّة فلم يثبت جوازه فيها ، فكما أنّه لا يجوز عقوبة زائدة على أصل القتل بمثل الضرب ونحوه ، كذلك لا يجوز استعمال الآلة المذكورة لعين ذلك ، ولا فرق في هذه الجهة بين ما لو كانت الجناية الأصلية واقعة بالكالّ أم لا ، لما سيأتي من عدم جواز رعاية المماثلة في هذه الجهات . نعم لو خالف واستعمل الآلة المذكورة لا يترتّب عليه ضمان ، بل يعزَّر للمخالفة .
الجهة الثانية: هل تجوز المماثلة في مقام الاستيفاء ورعاية الجناية الواقعة ـ فلو كانت بالغرق مثلاً حكم بجوازه بالإضافة إلى المقتصّ منه ـ أم لا تجوز ذلك؟ حكي الأول عن أبي علي(3) وابن أبي عقيل(4) وعن الجامع حيث قال: إنّه يقتصّ بالعصا ممّن ضرب بها(5) ، ولعلّه يستفاد من كلامه لزوم المماثلة فضلاً عن جوازها . ولكن الأكثر(6) ، بل المشهور(7) ، بل ادّعي نفي الخلاف فيه(8) ، بل الإجماع(9) ، بل إجماع
- (1) سنن البيهقي: 12 / 98 ح16509 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 296 .
- (3) مختلف الشيعة: 9 / 453 مسألة 132 .
- (4) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 113 .
- (5) الجامع للشرائع: 599 .
- (6) مسالك الأفهام: 15 / 235 .
- (7) رياض المسائل: 10 / 337 .
- (8) غنية النزوع: 408 .
- (9) التنقيح الرائع: 4 / 446 ، الروضة البهية: 10 / 92 .
(الصفحة 309)
الفرقة وأخبارهم على الثاني(1) .
واستدلّ للأوّل ـ مضافاً إلى قوله تعالى:
{فَمَنِ اعتَدَى عَلَيْكُم فَاعتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيْكُم}(2) الظاهر في مماثلة الاعتداء الواقع المقابل مع الاعتداء أوّلاً من جميع الجهات ـ بالنبوي: من حرّق حرّقناه ومن غرّق غرّقناه(3) . وبالنبوي الآخر: إنّ يهودياً رضخ رأس جارية بالحجارة ، فأمر(صلى الله عليه وآله)فرضخ رأسه بالحجارة(4) . والرضخ بمعنى الضرب .
وفي محكي المختلف بعد الاستدلال بالآية قال: وهو وجه قريب(5) . وفي المسالك: لا بأس به(6) . وفي مجمع البرهان: الظاهر الجواز إن لم يكن إجماع(7) . والظاهر عدمه كما يفهم من شرح الشرائع(8) . وفي الروضة: هو متّجه لولا الاتفاق على خلافه(9) .
والظاهر أنّه لا دلالة للآية على ذلك ، لأنّها في مقام بيان أصل مشروعية المماثلة بمعنى وقوع النفس بالنفس والعين بالعين ومثلهما الذي وقع التصريح به في بعض آيات القصاص على ما عرفت ، وأمّا المماثلة في الكيفية فلا تكون الآية بصدد بيانها
- (1) الخلاف: 5 / 189 ـ 190 مسألة 55 .
- (2) البقرة 2 : 194 .
- (3) سنن البيهقي: 12 / 65 ملحق ح16424 .
- (4) سنن البيهقي: 12 / 62 ح16416 و 16417 .
- (5) مختلف الشيعة: 9 / 454 مسألة 132 .
- (6) مسالك الأفهام: 15 / 236 .
- (7) مجمع الفائدة والبرهان: 13 / 425 .
- (8) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 11/113 .
- (9) الروضة البهية: 10 / 92 .