(الصفحة 311)
بالسيف أو يجوز بمطلق الحديد أو يجوز بالوسائل الموجودة في هذا الزمان ، التي هي أسهل من السيف كالأمرين المذكورين في المتن؟ ظاهر أكثر العبارات الأوّل(1) ، وأضيف إلى السيف في بعض الكتب: وما جرى مجراه(2) . وقد وقع التعبير بالحديد في بعض آخر(3) ، ونفى في المتن البعد عن الثالث .
والحقّ أن يقال: إنّه قد وقع في الروايتين من الروايات المتقدّمة التعبير بأنّه يجاز أو يجيز عليه بالسيف . يقال: أجاز عليه: أي أجهزه وأسرع في قتله . وقد وقع في رواية منها التعبير بأنّه يجاز عليه ، وحينئذ يحتمل أن يقال: بأنّ إطلاق الرواية الأخيرة مقيّد بالروايتين الآخرتين ، ويحتمل أن يقال : ببقاء الرواية على إطلاقها وحمل التقييد بالسيف على كونه لأجل تأثيره في تحقّق السرعة في الموت ، فلا خصوصية له بوجه .
فعلى الأوّل يتعيّن الاقتصاص بالسيف إلاّ أن يقال بشمول الجواز لما هو أسهل بتنقيح المناط أو بالأولويّة ، وعليه يمكن منع هذا القول ، فتدبّر .
وعلى الثاني يكون الجواز في السيف وما هو أسهل بنحو واحد ، لفرض إطلاق الدليل واقتضائه مجرّد الإسراع في القتل بأيّة آلة تحقّق ، كما لا يخفى . وعليه فما في المتن يبتنى على الأوّل .
الجهة الرابعة: في أنّه إذا أُريد الاقتصاص بالسيف تعييناً أو تخييراً فلا إشكال في عدم جواز التمثيل به وقطع الأعضاء متعاقباً ، وذلك للنّهي في أخبار كثيرة عن
- (1) كالمقنعة: 736 والمراسم العلوية: 237 وشرائع الإسلام: 4 / 1002 واللمعة الدمشقية: 179 وإرشاد الأذهان: 2 / 198 وقواعد الأحكام: 2 / 301 .
- (2) كالمبسوط : 7 / 72 والمختصر النافع: 316 .
- (3) كالنهاية: 734 والخلاف: 5 / 189 مسألة 55 والغنية: 408 وإصباح الشيعة: 494 .
(الصفحة 312)
المثلة به وأنّه لا تجوز ولو في الكلب العقور(1) ، وقد وقع تفسير قوله تعالى:
{فَلاَيُسرِف فِي القَتلِ}(2) به مع ظهوره فيه في نفسه أيضاً ، لأنّ الظاهر أنّ المراد بالإسراف هو الإسراف في الكيفية أو الأعم منها ومن الكمّية ، وعلى التقديرين يدلّ على عدم جواز المثلة كما هو ظاهر .
والظاهر أنّ الاقتصاص بالسيف لا يجوز بمثل قطع العنق وقطع الأوداج كما في مقام الذبح ، بل يتعيّن بمثل الضرب بالعنق ، كما هو الموجود في عبارات الأصحاب من المقنعة إلى الرياض(3) كما في الجواهر(4) ، ولعلّ الوجه فيه ـ مضافاً إلى كونه مسرعاً في قتله نوعاً وعدم تحقّق الإسراع بدونه ـ تعارف هذا النحو من القتل في الجناياتوقصاصها، فالأدلّة تنصرف إلى ما هو المتعارف من قطع العنق كانصرافها إلى عدم إيقاع السيف على المخّ أو البطن أو نحوهما . فالظاهر ـ ولو بملاحظة ما ذكرنا من عدم الاستفادة من أدلّة القصاص إلاّ مجرّد مشروعيته ـ عدم التعدّي عمّا هو المتعارف من ضرب السيف بالعنق إذا تحقّق بالسيف كما في المتن، فتدبّر.
ثمّ إنّه استثنى في الجواهر على القول بجواز المماثلة المطلقة مثل القتل بالسحر والقتل بالجماع قبلا ودبراً والقتل بإيجار الخمر ونحوه ممّا هو مذكور في الجواهر(5) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 95 ، أبواب القصاص في النفس ب 62 .
- (2) الإسراء 17 : 33 .
- (3) المقنعة: 737 ، الكافي في الفقه: 390 ، الجامع للشرائع: 572 ، شرائع الإسلام: 4 /1002 ، إرشاد الأذهان: 2 / 198 ، مسالك الأفهام: 15 / 235 ، رياض المسائل: 10 / 337 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 298 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 299 .
(الصفحة 313)مسألة 12 ـ اُجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال ، واُجرة المقتصّ على ولي الدم لو كان الاقتصاص في النفس ، وعلى المجنيّ عليه لو كان في الطرف ، ومع إعسارهما استدين عليهما ، ومع عدم الإمكان فمن بيت المال ، ويحتمل أن تكون ابتداء على بيت المال ، ومع فقده أو كان هناك ما هو أهمّ فعلى الولي أو المجنيّ عليه ، وقيل: هي على الجاني1..
1 ـ وقع الخلاف ـ بعد أنّه لا شبهة في أنّ أُجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال المعدّ للمصالح الراجعة إلى الإسلام والمسلمين ـ في أجرة من يستوفي القصاص على أقوال ثلاثة:
أحدها: ما في المتن من ثبوتها أوّلاً على من يكون له القصاص من الوليّ أو المجنيّ عليه ، وثانياً على بيت المال . والوجه فيه أنّ الحق إنّما يكون ثابتاً له ، وتوقّف استيفاؤه على الأجرة لا يلزم ثبوتها على بيت المال ، أو على الجاني ، كما في سائر موارد توقّف استيفاء الحقّ على مؤونة . فإذا توقّف استيفاء الدّين مثلاً على بذل مؤونة لا يستلزم ذلك ثبوت تلك المؤونة على بيت المال أو على المديون ، مع عدم مخالفته لما وجب عليه في هذا الأمر ، فالقصاص مثله ، لكن يمكن الإيراد عليه بأنّ الحكم بالثبوت على بيت المال ثانياً لا يستقيم على إطلاقه ، فإنّه يمكن القول بالاستدانة من بيت المال عليهما والأداء بعد ذلك إذا حصل اليسار ، فتدبّر .
ثانيها: عكس القول الأوّلوهوالثبوت ابتداءعلى بيت المال ، ومع الفقد أو وجود ما هو أهم كالجهاد مثلاً يثبت على من له القصاص ، وهو ظاهر المحقّق في الشرائع حيث قال: وأُجرة من يقيم الحدود من بيت المال ، فإن لم يكن بيت المال أو كان هناك
(الصفحة 314)مسألة 13 ـ لا يضمن المقتصّ في الطرف سراية القصاص إلاّ مع التعدّي في اقتصاصه ، فلو كان متعمّداً اقتصّ منه في الزائد إن أمكن ، ومع عدمه يضمن الدية أو الأرش ، ولو ادّعى المقتصّ منه تعمّد المقتصّ وأنكره فالقول قول المقتصّ بيمينه ، بل لو ادّعى الخطأ وأنكر المقتصّ منه فالظاهر أنّ القول قول .
ماهو أهمّ كانت الأُجرة على المجني عليه(1).والتعبيرعن القصاص بالحدود ـ كالتعبير عن من له القصاص بخصوص المجنيّ عليه ، مع أنّه يكون تارة هو الولي ـ لا يخلو عن المسامحة . والدليل على هذا القول دعوى اتّحاد حكم المقام مع سائر الموارد التي يرجع إلى بيت المال ، لكونه أيضاً من المصالح التي أعدّ لها بيت المال.
ولكنّه يندفع بأنّ استيفاء الحقّ الشخصي إذا كان متوقّفاً على مؤونة لا مجال لأخذ تلك المؤونة من بيت المال ، كاستيفاء الدين في المثال المتقدّم .
ثالثها: ثبوت الأُجرة على الجاني ، والوجه فيه دعوى اتحاد حكم المقام مع اُجرة الكيال الواجبة على البائع ، ولكنّها مندفعة بأنّ ثبوت الأُجرة على البائع إنّما هو فيما إذا توقّف القبض الواجب عليه على التعيين بالكيل الذي يتوقّف على الاُجرة ، وأمّا لو كان البيع موجباً لتحقّق شركة المشتري مع البائع في المبيع مثلاً فلا يكون هناك شيء على البائع ، وفي المقام الواجب على الجاني هو التمكين ، وجعل نفسه باختيار من له القصاص ، ولا ترتبط الأُجرة به بوجه .
ثمّ الظاهر أنّه على هذا القول لو أراد الوليّ مثلاً المباشرة وأخذ الأُجرة من الجاني كان له ذلك ، لعدم الفرق ، بل الظاهر أنّه على القول الثاني أيضاً يجوز له الأخذ من بيت المال .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1002 .
(الصفحة 315)المقتصّ بيمينه على وجه ، ولو ادّعى حصول الزيادة باضطراب المقتصّ منه أو بشيء من جهته فالقول قول المقتصّ منه1..
1 ـ قد استدلّ في الجواهر(1) على عدم ضمان السراية في قصاص الطرف مع عدم التعدّي في الاقتصاص ـ بعد نفي الخلاف والإشكال فيه ـ بالأصل وجملة من الروايات التي احتمل دعوى تواترها أو القطع بمضمونها ، ولكنّ الظاهر أنّ عمدتها واردة في قصاص النفس ، مثل صحيحة أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد . وقال: من قتله الحدّ فلا دية له(2) .
فإنّ الظاهر أنّ المراد بقتل القصاص للرجل ليس هو قتله بالسراية بالقصاص في الطرف بل قتله بالقصاص الموجب للقتل ، والشاهد عليه الجواب ، فإنّه لو كان المراد منه هو الأوّل لا يستلزم ذلك سدّ باب الاقتصاص ، خصوصاً مع ندرة تحقّق السراية في قصاص الطرف . وهذا بخلاف ما لو كان المراد منه هو المعنى الثاني ، فإنّ اقتضاء قصاص النفس للدية يوجب سدّ باب الاقتصاص ، كما لا يخفى .
ورواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن(3). وظهورها فيما ذكرنا واضح ، والتعبير بقتيل القرآن إنّما هو في مقابل قتيل العدوان مثلاً.
نعم في خصوص رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قتله
- (1) جواهر الكلام: 42 / 246 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 46 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح1 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 46 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح2 .