(الصفحة 315)المقتصّ بيمينه على وجه ، ولو ادّعى حصول الزيادة باضطراب المقتصّ منه أو بشيء من جهته فالقول قول المقتصّ منه1..
1 ـ قد استدلّ في الجواهر(1) على عدم ضمان السراية في قصاص الطرف مع عدم التعدّي في الاقتصاص ـ بعد نفي الخلاف والإشكال فيه ـ بالأصل وجملة من الروايات التي احتمل دعوى تواترها أو القطع بمضمونها ، ولكنّ الظاهر أنّ عمدتها واردة في قصاص النفس ، مثل صحيحة أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد . وقال: من قتله الحدّ فلا دية له(2) .
فإنّ الظاهر أنّ المراد بقتل القصاص للرجل ليس هو قتله بالسراية بالقصاص في الطرف بل قتله بالقصاص الموجب للقتل ، والشاهد عليه الجواب ، فإنّه لو كان المراد منه هو الأوّل لا يستلزم ذلك سدّ باب الاقتصاص ، خصوصاً مع ندرة تحقّق السراية في قصاص الطرف . وهذا بخلاف ما لو كان المراد منه هو المعنى الثاني ، فإنّ اقتضاء قصاص النفس للدية يوجب سدّ باب الاقتصاص ، كما لا يخفى .
ورواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن(3). وظهورها فيما ذكرنا واضح ، والتعبير بقتيل القرآن إنّما هو في مقابل قتيل العدوان مثلاً.
نعم في خصوص رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قتله
- (1) جواهر الكلام: 42 / 246 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 46 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح1 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 46 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح2 .
(الصفحة 316)مسألة 14 ـ كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف ، ومن لا يقتصّ له في النفس لا يقتصّ له في الطرف ، فلا يقطع يد والد لقطع يد .
القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة(1) . ولكنّ الظاهر أنّه لا حاجة إلى الاستدلال بمثل هذه الروايات ، بعد كون ضمان السراية مفتقراً إلى قيام الدليل ، ولولا الإجماع عليه في صورة الجناية المحرّمة والتعدّي غير المشروع لم نقل به . وقد ظهر بما ذكرنا ثبوت الضمان مع التعدّي في الاقتصاص ، فإن كان متعمّداً وكان القصاص ممكناً كما إذا قطع إصبعاً زائدة مثلاً يقتصّ منه ، ومع عدم التعمّد أو عدم إمكان القصاص كما إذا قطع من المنكب مع كون الحق بالإضافة إلى القطع من المرفق يكون ضامناً للدية أو الأرش .
ثم إنّه لو وقع الاختلاف بين المقتصّ والمقتصّ منه في العمد والخطأ ، فتارة يقع الادّعاء من ناحية المقتصّ منه ، والإنكار من ناحية المقتصّ ، كما إذا ادّعى الأوّل التعمّد وأنكره الثاني ، فلا شبهة في أنّ القول قول المنكر بيمينه; لأنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، واُخرى يكون بالعكس كما إذا ادّعى المقتصّ الخطأ وأنكره الآخر ، فظاهر المحقّق في الشرائع(2) أنّ القول قول المقتصّ أيضاً ، نظراً إلى أنّه أعرف بنيّته وكون قوله موافقاً للظاهر أو الأصل .
وأمّا الفرع الأخير فهو ما لو ادّعى المقتصّ حصول الزيادة لشيء من ناحية المقتصّ منه وأنكره الآخر ، فالظاهر أنّ القول فيه قول المنكر ، خلافاً لكاشف اللثام(3) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح8 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 1002 .
- (3) كشف اللثام: 2 / 469 .
(الصفحة 317)ولده ، ولا يد مسلم لقطع يد كافر1.
مسألة 15 ـ إذا كان له أولياء شركاء في القصاص ، فإن حضر بعض وغاب بعض فعن الشيخ (قدس سره) للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ، والأشبه أن يقال: لو كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجيء الغائب ، والظاهر جواز حبس الجاني إلى مجيئه لو كان في معرض الفرار ، ولو كان غير (غيبته ـ ظ) منقطعة أو طويلة فأمر الغائب بيد الوالي ، فيعمل بما هو مصلحة عنده أو مصلحة الغائب ، ولو كان بعضهم مجنوناً فأمره إلى وليّه ، ولو كان صغيراً ففي رواية: انتظروا الذين قتل أبوهم أن يكبروا ، فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا2..
1 ـ الوجه في مساواة القصاص في الطرف مع القصاص في النفس في الشرائط المذكورة المتقدّمة مضافاً إلى الفتاوى ، إطلاق جملة من النصوص وصراحة بعضها في التعميم ، مثل صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم(1) .
وصحيحة أبي أيوب الخزاز ، عن حمران ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا يقاد والد بولده ، ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً(2) . وذكر القتل في الذيل لا دلالة فيه على اختصاص الصدر به ، كما لا يخفى ، وغير ذلك من الروايات .
2 ـ في هذه المسألة فرعان ، والظاهر وقوع الخلط بينهما في المتن:
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 80 ، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح5 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح1 .
(الصفحة 318)
الأوّل: ما إذا كان بعض الأولياء حاضراً كاملاً بالبلوغ والعقل ، والبعض الآخر غائباً أو فاقداً للكمال للصغر أو الجنون ، والمحكيّ عن الشيخ في الخلاف(1)والمبسوط(2) أنّه للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ، والظاهر عمومية كلامه للصغير والمجنون أيضاً .
والظاهر إنّ جواز استيفاء الحاضر الكامل لا يتوقّف على شيء إن قلنا في المسألة السابعة المتقدّمة بجواز المبادرة ، والاستبداد لكلّ واحد من الأولياء ، وعدم توقّف الاستيفاء على إذن الجميع ، لأنّه إذا جاز الاستيفاء من دون مراجعة مع اشتراك الجميع في الحضور والكمال ، فالجواز مع العدم ثابت بطريق أولى .
وأمّا إن قلنا في تلك المسألة بعدم جواز المبادرة ولزوم الاستئذان فيمكن أن يقال بما في المتن من أنّه إذا كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجيء الغائب ، ولا مانع من حبس الجاني مع خوف الفرار ، وإذا كانت منقطعة أو طويلة فأمره بيد الوالي ، ولا مجال للمناقشة في ثبوت الولاية في هذا الفرض بعد كون الاستيفاء بيد الحاضر الكامل ، خصوصاً مع ملاحظة أنّه لو اختار الوالي الدية لأجل المصلحة يجوز للحاضر أيضاً الاستيفاء ، وهكذا الحكم في المجنون والصغير . والرواية المنقولة في المتن واردة في الفرع الثاني الآتي ، وعليه فالحكم في الصغير في هذا الفرع أيضاً كالمجنون يكون أمره بيد وليّه ، ولا يلزم منه عمومية دائرة الولاية للقصاص حتّى يناقش فيها ، كما يأتي .
الثاني: ما إذا كان الولي المنحصر صغيراً مثلاً ، أو كان الوليّ المتعدّد كذلك . وقد
- (1) الخلاف: 5 / 179 مسألة 42 و 43 .
- (2) المبسوط : 7 / 54 .
(الصفحة 319)
أفتى الشيخ (قدس سره) في هذا الفرع في الكتابين المذكورين بأنّه لا يكون لأحد أن يستوفي القصاص حتّى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون أو يموتا ، سواء كان القصاص في الطرف أو النفس ، بل عن الكتابين الإجماع عليه(1) ، ويمكن الاستدلال عليه ـ مضافاً إلى ما أشرنا إليه من عدم ثبوت الولاية على مثل القصاص ـ بالرواية المشار إليها في المتن ، وهي رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه : إن عليّاً (عليهم السلام)قال: انتظروا بالصغار الذين قتل أبوهم أن يكبروا ، فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا(2) .
ولازم هذا القول جواز حبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون ، وقد يكون عشر سنين أو أزيد ، وعليه فربّما يستشكل فيه بأنّه تعذيب شديد وعقوبة كثيرة زائدة على القصاص ، خصوصاً مع استلزامه لصرف مؤونة كثيرة ، ولعلّه لذا حكي عن جماعة الأخذ بعموم الولاية وشمولها للقصاص ، كالعلاّمة في بعض كتبه(3) وولده في الإيضاح(4) والشهيدين في الحواشي(5) والروضة(6) والمسالك(7)والمحقّق الكركي في جامع المقاصد(8) والفيض الكاشاني في المفاتيح(9) ، وقال في
- (1) الخلاف: 5 / 179 ـ 181 مسألة 43 ، المبسوط: 7 / 54 ـ 55 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 85 ، أبواب القصاص في النفس ب 53 ح2 .
- (3) إرشاد الأذهان: 2 / 199 ، قواعد الأحكام: 1 / 168 .
- (4) إيضاح الفوائد: 4 / 623 ـ 624 .
- (5) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 91 .
- (6) الروضة البهية: 10 / 96 .
- (7) مسالك الأفهام: 15 / 239 .
- (8) جامع المقاصد: 5 / 187 .
- (9) مفاتيح الشرائع: 2 / 140 .