(الصفحة 318)
الأوّل: ما إذا كان بعض الأولياء حاضراً كاملاً بالبلوغ والعقل ، والبعض الآخر غائباً أو فاقداً للكمال للصغر أو الجنون ، والمحكيّ عن الشيخ في الخلاف(1)والمبسوط(2) أنّه للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ، والظاهر عمومية كلامه للصغير والمجنون أيضاً .
والظاهر إنّ جواز استيفاء الحاضر الكامل لا يتوقّف على شيء إن قلنا في المسألة السابعة المتقدّمة بجواز المبادرة ، والاستبداد لكلّ واحد من الأولياء ، وعدم توقّف الاستيفاء على إذن الجميع ، لأنّه إذا جاز الاستيفاء من دون مراجعة مع اشتراك الجميع في الحضور والكمال ، فالجواز مع العدم ثابت بطريق أولى .
وأمّا إن قلنا في تلك المسألة بعدم جواز المبادرة ولزوم الاستئذان فيمكن أن يقال بما في المتن من أنّه إذا كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجيء الغائب ، ولا مانع من حبس الجاني مع خوف الفرار ، وإذا كانت منقطعة أو طويلة فأمره بيد الوالي ، ولا مجال للمناقشة في ثبوت الولاية في هذا الفرض بعد كون الاستيفاء بيد الحاضر الكامل ، خصوصاً مع ملاحظة أنّه لو اختار الوالي الدية لأجل المصلحة يجوز للحاضر أيضاً الاستيفاء ، وهكذا الحكم في المجنون والصغير . والرواية المنقولة في المتن واردة في الفرع الثاني الآتي ، وعليه فالحكم في الصغير في هذا الفرع أيضاً كالمجنون يكون أمره بيد وليّه ، ولا يلزم منه عمومية دائرة الولاية للقصاص حتّى يناقش فيها ، كما يأتي .
الثاني: ما إذا كان الولي المنحصر صغيراً مثلاً ، أو كان الوليّ المتعدّد كذلك . وقد
- (1) الخلاف: 5 / 179 مسألة 42 و 43 .
- (2) المبسوط : 7 / 54 .
(الصفحة 319)
أفتى الشيخ (قدس سره) في هذا الفرع في الكتابين المذكورين بأنّه لا يكون لأحد أن يستوفي القصاص حتّى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون أو يموتا ، سواء كان القصاص في الطرف أو النفس ، بل عن الكتابين الإجماع عليه(1) ، ويمكن الاستدلال عليه ـ مضافاً إلى ما أشرنا إليه من عدم ثبوت الولاية على مثل القصاص ـ بالرواية المشار إليها في المتن ، وهي رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه : إن عليّاً (عليهم السلام)قال: انتظروا بالصغار الذين قتل أبوهم أن يكبروا ، فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا(2) .
ولازم هذا القول جواز حبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون ، وقد يكون عشر سنين أو أزيد ، وعليه فربّما يستشكل فيه بأنّه تعذيب شديد وعقوبة كثيرة زائدة على القصاص ، خصوصاً مع استلزامه لصرف مؤونة كثيرة ، ولعلّه لذا حكي عن جماعة الأخذ بعموم الولاية وشمولها للقصاص ، كالعلاّمة في بعض كتبه(3) وولده في الإيضاح(4) والشهيدين في الحواشي(5) والروضة(6) والمسالك(7)والمحقّق الكركي في جامع المقاصد(8) والفيض الكاشاني في المفاتيح(9) ، وقال في
- (1) الخلاف: 5 / 179 ـ 181 مسألة 43 ، المبسوط: 7 / 54 ـ 55 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 85 ، أبواب القصاص في النفس ب 53 ح2 .
- (3) إرشاد الأذهان: 2 / 199 ، قواعد الأحكام: 1 / 168 .
- (4) إيضاح الفوائد: 4 / 623 ـ 624 .
- (5) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 91 .
- (6) الروضة البهية: 10 / 96 .
- (7) مسالك الأفهام: 15 / 239 .
- (8) جامع المقاصد: 5 / 187 .
- (9) مفاتيح الشرائع: 2 / 140 .
(الصفحة 320)مسألة 16 ـ لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها القاتل لم يسقط القود لو أراد غيره ذلك ، فللآخرين القصاص بعد أن يردّوا على الجاني نصيب من فاداه من الدية ، من غير فرق بين كون ما دفعه أو صالح عليه بمقدار الدية أو أقلّ أو أكثر ، ففي جميع الصور يردّ إليه مقدار نصيبه ، فلو كان نصيبه الثلث يردّ إليه الثلث ، ولو دفع الجاني أقلّ أو أكثر ، ولو عفا أو صالح بمقدار وامتنع الجاني من البذل جاز لمن أراد القود أن يقتصّ بعد ردّ نصيب شريكه ، نعم لو اقتصر على مطالبة الدية وامتنع الجاني لا يجوز الاقتصاص إلاّ بإذن الجميع ، ولو عفا بعض مجّاناً لم يسقط القصاص ، فللباقين القصاص بعد ردّ نصيب من عفا على الجاني1..
الجواهر أنّه هو الأقوى في النظر(1) .
والانصاف أنّ المسألة مشكلة من جهة عدم وضوح شمول أدلّة الولاية لمثل القصاص ، وكون لازم القول المزبور الحبس المستلزم للاُمور المذكورة ، ومن جهة أنّه لا وجه لرفع اليد عن مقتضى الرواية الظاهرة في وجوب الإنتظار حتى يكبروا ، وكأن الاستناد في المتن إلى الرواية يشعر بالتردّد . والذي يؤيّد الإشكال أنّه لم يقع في كلام صاحب الجواهر الإشارة إلى الرواية بوجه .
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: ما لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود وتسلّمها من القاتل ، ففي الشرائع: المشهور أنّه لا يسقط ـ أي القصاص ـ وللآخرين القصاص بعد أن يردّوا
- (1) جواهر الكلام: 42 / 304 .
(الصفحة 321)
عليه نصيب من فاداه(1) بل عن ظاهر المبسوط(2) وغاية المرام(3) وصريح الغنية(4)الإجماع عليه ، وأيّده في الجواهر بعدم العثور فيه على مخالف منّا(5) ، كما اعترف به غير واحد(6) ، والوجه فيه أنّه لا دليل على سقوط حقّ القصاص للآخرين بذلك ، وتوقّف الاستيفاء على إذن الجميع إنّما هو فيما لو أرادوا القصاص بأجمعهم ، وأمّا مع عدم إرادة البعض له فلا مجال للرجوع إليه .
وبالجملة: مقتضى الأصل بقاء حقّ القصاص للآخرين بعد عدم الدليل على السقوط، غاية الأمرلزوم الردّ إلى الجاني مقدار نصيب الذي اختار الدية ، من دون فرق بين كون ما وقع عليه التراضي وتسلّمه من القاتل بمقدار نصيبه أو أقلّ أو أكثر.
الثاني:هذا الفرض مع امتناع القاتل من البذل ، بمعنى وقوع العفو المشروط أو المصالحة مع التراضي ، غاية الأمر عدم التسلّم من القاتل لامتناعه من البذل ، والحكم فيه هو الحكم في الفرع الأوّل من دون تفاوت ، لعدم الفرق بين التسلّم خارجاً وعدمه كما لا يخفى ، غاية الأمر لزوم ردّ نصيب الشريك إليه لعدم وصول شيء إليه .
الثالث:ما لو كان في البين مجرّد مطالبة الدية ، وبعبارة أُخرى طرحها للجاني وامتناعه من أصل القبول ، في هذه الصورة لم يسقط حقّ القصاص من
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1003 .
- (2) المبسوط : 7 / 55 و 69 .
- (3) غاية المرام: 4 / 404 .
- (4) غنية النزوع: 405 ـ 406 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 306 .
- (6) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع: 4 / 446 والشهيد الثاني في الروضة البهيّة: 10/96 .
(الصفحة 322)
الطالب فضلاً عن الآخرين ، لعدم كون مجرّد المطالبة موجباً للسقوط . وعليه فيجري فيه حكم المسألة السابقة المتقدّمة من توقّف الاستيفاء على إذن الجميع .
الرابع:ما لو عفا بعض مجّاناً ، وقد استقرّ الفتاوى على عدم سقوط حقّ القصاص للباقين ، ونسبه في محكيّ المسالك(1) وغيرها(2) إلى الأصحاب ، وفي محكي الخلاف إلى إجماع الفرقة وأخبارها(3) ، بل في الجواهر: لم أجد من تأمّل أو تردّد فيها(4) . ويدلّ عليه من النصوص صحيحة أبي ولاّد الحنّاط ، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل وله أُمّ وأب وابن ، فقال الابن: أنا أُريد أن أقتل قاتل أبي ، وقال الأب: أنا أُريد أن أعفو ، وقالت الأُمّ: أنا أُريد أن آخذ الدية ، قال: فقال: فليعط الابنُ أُمَّ المقتول السدس من الدّية ، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حقّ الأب الذي عفا ، وليقتله(5) .
ورواية جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابه ، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل قتل وله وليّان ، فعفا أحدهما وأبى الآخر أن يعفو ، قال: إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل ، وردّ نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه(6) .
لكن في مقابلها روايات متعدّدة ظاهرة في سقوط حقّ القصاص مطلقاً مع عفو
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 241 .
- (2) رياض المسائل: 10 / 341 .
- (3) الخلاف: 5 / 181 مسألة 44 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 307 .
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 83 ، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح1 .
- (6) وسائل الشيعة: 19 / 84 ، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح2 .