(الصفحة 321)
عليه نصيب من فاداه(1) بل عن ظاهر المبسوط(2) وغاية المرام(3) وصريح الغنية(4)الإجماع عليه ، وأيّده في الجواهر بعدم العثور فيه على مخالف منّا(5) ، كما اعترف به غير واحد(6) ، والوجه فيه أنّه لا دليل على سقوط حقّ القصاص للآخرين بذلك ، وتوقّف الاستيفاء على إذن الجميع إنّما هو فيما لو أرادوا القصاص بأجمعهم ، وأمّا مع عدم إرادة البعض له فلا مجال للرجوع إليه .
وبالجملة: مقتضى الأصل بقاء حقّ القصاص للآخرين بعد عدم الدليل على السقوط، غاية الأمرلزوم الردّ إلى الجاني مقدار نصيب الذي اختار الدية ، من دون فرق بين كون ما وقع عليه التراضي وتسلّمه من القاتل بمقدار نصيبه أو أقلّ أو أكثر.
الثاني:هذا الفرض مع امتناع القاتل من البذل ، بمعنى وقوع العفو المشروط أو المصالحة مع التراضي ، غاية الأمر عدم التسلّم من القاتل لامتناعه من البذل ، والحكم فيه هو الحكم في الفرع الأوّل من دون تفاوت ، لعدم الفرق بين التسلّم خارجاً وعدمه كما لا يخفى ، غاية الأمر لزوم ردّ نصيب الشريك إليه لعدم وصول شيء إليه .
الثالث:ما لو كان في البين مجرّد مطالبة الدية ، وبعبارة أُخرى طرحها للجاني وامتناعه من أصل القبول ، في هذه الصورة لم يسقط حقّ القصاص من
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1003 .
- (2) المبسوط : 7 / 55 و 69 .
- (3) غاية المرام: 4 / 404 .
- (4) غنية النزوع: 405 ـ 406 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 306 .
- (6) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع: 4 / 446 والشهيد الثاني في الروضة البهيّة: 10/96 .
(الصفحة 322)
الطالب فضلاً عن الآخرين ، لعدم كون مجرّد المطالبة موجباً للسقوط . وعليه فيجري فيه حكم المسألة السابقة المتقدّمة من توقّف الاستيفاء على إذن الجميع .
الرابع:ما لو عفا بعض مجّاناً ، وقد استقرّ الفتاوى على عدم سقوط حقّ القصاص للباقين ، ونسبه في محكيّ المسالك(1) وغيرها(2) إلى الأصحاب ، وفي محكي الخلاف إلى إجماع الفرقة وأخبارها(3) ، بل في الجواهر: لم أجد من تأمّل أو تردّد فيها(4) . ويدلّ عليه من النصوص صحيحة أبي ولاّد الحنّاط ، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل وله أُمّ وأب وابن ، فقال الابن: أنا أُريد أن أقتل قاتل أبي ، وقال الأب: أنا أُريد أن أعفو ، وقالت الأُمّ: أنا أُريد أن آخذ الدية ، قال: فقال: فليعط الابنُ أُمَّ المقتول السدس من الدّية ، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حقّ الأب الذي عفا ، وليقتله(5) .
ورواية جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابه ، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل قتل وله وليّان ، فعفا أحدهما وأبى الآخر أن يعفو ، قال: إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل ، وردّ نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه(6) .
لكن في مقابلها روايات متعدّدة ظاهرة في سقوط حقّ القصاص مطلقاً مع عفو
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 241 .
- (2) رياض المسائل: 10 / 341 .
- (3) الخلاف: 5 / 181 مسألة 44 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 307 .
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 83 ، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح1 .
- (6) وسائل الشيعة: 19 / 84 ، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح2 .
(الصفحة 323)
بعض الأولياء:
مثل صحيحة أبي ولاّد أيضاً قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل وله أولاد صغار وكبار أرأيت إن عفا الأولاد الكبار؟ قال: فقال: لا يقتل ، ويجوز عفو الأولاد الكبار في حصصهم ، فإذا كبر الصغار كان لهم أن يطلبوا حصصهم من الدية(1) . وإن كان يحتمل فيها أن يكون المراد بالذيل عدم سقوط حقّ حصص الصغار من الدية بعفو الكبار ، لا عدم سقوط حقّهم مطلقاً حتّى من القصاص .
وصحيحة عبدالرحمن قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجلان قتلا رجلاً عمداً ، وله وليّان فعفا أحد الوليّين ، قال: فقال: إذا عفا بعض الأولياء درأ عنهما القتل وطرح عنهما من الدية بقدر حصة من عفا ، وأدّيا الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا(2) .
ورواية أبي مريم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن عفا من ذي سهم فإنّ عفوه جائز; وقضى في أربعة إخوة عفا أحدهم ، قال: يعطى بقيّتهم الدية ويرفع عنهم بحصّة الذي عفا(3) .
ورواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجلين قتلا رجلاً عمداً وله وليّان ، فعفا أحد الوليّين ، فقال: إذا عفا عنهما بعض الأولياء درأ عنهما القتل وطرح عنهما من الدّية بقدر حصة من عفا ، وأدّى الباقي من أموالهما إلى الذي لم يعف . وقال: عفو كلّ ذي سهم جائز(4) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 84 ، أبواب القصاص في النفس ب 53 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 85 ، أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 1 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 85 ، أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 2 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 86 ،أبواب القصاص في النفس ب 54 ح3 .
(الصفحة 324)
ورواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه ، أنّ عليّاً (عليهم السلام) كان يقول: من عفا عن الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز ، وسقط الدم وتصير دية ، ويرفع عنه حصّته الذي عفا(1) .
ومرسلة الصدوق قال: قد روي أنّه إذا عفا واحد من الأولياء ارتفع القود(2) .
ولو لم يمكن حمل هذه الروايات على التقية أو الندب أو بعض الوجوه الاُخر ، كحمل بعضها على سقوط القود بالإضافة إلى العافي ، نظراً إلى نفوذ عفوه وجوازه ، لكان اللاّزم طرحها بعد كون الشهرة الفتوائية المحقّقة بل الإجماع على خلافها(3) . وحينئذ لا إشكال في أصل الحكم والفتوى بعدم سقوط حقّ القصاص بالإضافة إلى غير العافي ، لكنّه ينبغي التنبيه على أمرين:
أحدهما: إنّ المحقّق في الشرائع(4) مع حكمه في هذا الفرع بما عليه المشهور جعل هذه الروايات الدالّة على سقوط حقّ القصاص بعفو البعض دليلاً على السقوط في الفرع الأوّل ، فإن كان نظره إلى اتّحاد حكم الفرعين وعدم الفرق فالظاهر لزوم الحكم بالسقوط في الفرع الأخير أيضاً ، وإن لم يكن نظره إلى ذلك فلا وجه لإيراد هذه الروايات والإشارة إليها في الفرع الأوّل أصلاً .
ثانيهما: إنّ ظاهر المتن تبعاً لظاهر كثير من العبائر لزوم كون القصاص عقيب ردّ نصيب العافي إلى القاتل أو ورثته ، والظاهر أنّ في صحيحة أبي ولاّد الحنّاط المتقدّمة إشعاراً بذلك ، وإن كان التعبير فيها بقوله (عليه السلام) : «ويعطي ورثة القاتل» يشعر بخلافه ،
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 86 ، أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 4 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 86 ، أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 5 .
- (3) مسالك الأفهام: 15 / 241 ، الخلاف: 5 / 181 مسألة 44 .
- (4) شرائع الإسلام: 4 / 1003 .
(الصفحة 325)مسألة 17 ـ إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل ولده أو المسلم والذّمي في قتل ذمّي ، فعلى الشريك القود لكن يردّ الشريك الآخر عليه نصف ديته أو يردّ الولي نصفها ويطالب الآخر به ، ولو كان أحدهما عامداً والآخر خاطئاً فالقود على العامد بعد ردّ نصف الدية على المقتصّ منه ، فإن كان القتل خطأً محضاً فالنصف على العاقلة ، وإن كان شبه عمد كان الردّ من الجاني ، ولو شارك العامد سبع ونحوه يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته1.
كما أنّ مرسلة جميل أيضاً كذلك ، وقد تقدّم الكلام في ذلك سابقاً فراجع(1) .
1 ـ والضابط لفروع هذه المسألة ونظائرها ما إذا كان القتل متحقّقاً بنحو الشركة ، ولكن كان الموجب للقصاص والشرائط المعتبرة فيه موجوداً في أحد الشريكين مثلاً دون الآخر ، بحيث لو كان الأوّل منفرداً ومستقلاًّ في القتل كان عليه القصاص ، كما أنّه لو كان الثاني كذلك لم يكن عليه قصاص ، وحينئذ وقع الكلام في أنّ عدم ثبوت القصاص على الآخر لكونه أباً أو مسلماً أو خاطئاً أو سبعاً مثلاً هل يوجب عدم الثبوت على الأوّل أم لا؟ والظاهر هو الثاني ، لأنّه لا وجه لعدم الثبوت بعد وجود الموجب وتحقّق الشرائط ، وعدم كون الشركة مانعة عن ذلك ، ولو تحقّق العفو عن أحد الشريكين كما عرفت ، مضافاً إلى أنّ الحكم بعدم الثبوت وسيلة للتهجم على الدماء بالتواطؤ على الشركة بواحد من الأنحاء المذكورة وإراقة دم الغير ، والظاهر أنّ الوجه في التعرّض لهذه الفروع مع وضوح عدم سقوط القصاص فيها لأجل مخالفة العامة ، حيث إنّه يظهر من الجواهر(2) مخالفة بعضهم في
- (1) تقدّم في ص301 ـ 302 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 311 .