(الصفحة 372)
الاعتبار ، كما لا يخفى .
هذا ، ولو قطع اليد اليسرى ولم يكن للقاطع اليد اليسرى فهل يقتصّ منه في اليد اليمنى أم لا؟ الظاهر نعم ، لأنّه مع عدم الاقتصاص في اليد اليمنى فاللاّزم أنّه إمّا أن يقال : بثبوت الدية ، وإمّا أن يقال : بالانتقال إلى الرجل ، وكلاهما مخالفان لظاهر رواية حبيب ; لدلالة ذيلها على أنّ الانتقال إلى الدية إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع جارحة يقاصّ منها ، ودلالة صدرها على أنّ الانتقال إلى الرجل إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع يد ، وعليه فلا مجال للإشكال كما في المتن ، خصوصاً مع قوله (عليه السلام) فيها: «اليد باليد إذا كان للقاطع يد» ، وما في بعض النسخ من قوله (عليه السلام) : «يدان»(1) لا دلالة له على شيء ، خصوصاً مع التصريح بعده بأنّ الانتقال إلى الرجل إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع يد . وممّا ذكرنا ظهر أنّ الانتقال إلى الرجل في هذه الصورة مع عدم اليدين لا شبهة فيه أصلاً .
ولو قطع الرِجل من لا رِجل له فهل تقطع يده بدل الرِجل؟ الظاهر هو القطع أيضاً لثبوت الجارحة التي يقاصّ منها في هذه الصورة ، مضافاً إلى دعوى الأولوية لكون آثار الرجل أكثر من آثار اليد ، فتدبّر .
ثم إنّه هل يتعدّى ما ذكر إلى سائر الأعضاء كالعين والأذن والحاجب ونحوها أم لا؟ والتحقيق أن يقال : إنّ المراد بالتعدّي إن كان هو التعدّي في هذه الأعضاء من كلّ من اليمنى إلى اليسرى وبالعكس ، بحيث تقلع العين اليسرى بالعين اليمنى مثلاً مع عدمها في القاطع . فالظاهر أنّ مقتضى مشروطية اعتبار التساوي في المحلّ بوجوده وإمكانه ذلك ، فإنّه مع عدم العين اليمنى لا يبقى مجال لاعتبار التساوي حينئذ ، إلاّ أن
- (1) التهذيب : 10 / 259 ح1022 .
(الصفحة 373)مسألة 7 ـ لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأوّل فالأوّل ، وعليه للباقين الدية ، ولو قطع فاقد اليدين والرجلين يد شخص أو رجله فعليه الدية1.
مسألة 8 ـ يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولاً وعرضاً ، قالوا: ولا يعتبر عمقاً ونزولاً ، بل يعتبر حصول إسم اشجّة ،وفيه تأمّل وإشكال . والوجه التساوي .
يقال بعدم الدليل عليه بالنحو الكلّي وفي جميع الأعضاء . لكن ظاهر الجواهر(1) نفي الخلاف فيه بهذا النحو . وتؤيده رواية السجستاني ، مضافاً إلى قوله تعالى:
{العَينَ بِالعَينِ}(2) وإن كان إطلاقه محل تأمّل وإشكال .
وإن كان المراد التعدّي إلى العضو الآخر بما أنّه ، كما يتحقّق الانتقال من اليد إلى الرجل كذلك ، يمكن دعوى الانتقال من العين إلى عضو آخر ، فالظاهر أنّه لم يقل به أحد من الأصحاب .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ جعل التعدّي بهذا النحو غير خال عن الوجه كما في المتن ممّا لا وجه له أصلاً .
1 ـ الوجه في الفرع الأوّل هي رواية حبيب المتقدّمة في المسألة الأُولى الدالّة على قطع اليد اليمنى أو اليسرى باليد المقطوعة أوّلاً ، والأُخرى باليد المقطوعة ثانياً ، والرِجل بالثالث ، والرجل الأُخرى بالرابع ، والانتقال إلى الدية في الباقي ، كما أنّ مقتضاها ثبوت الدية في الفرع الثاني .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 353 .
- (2) المائدة 5 : 45 .
(الصفحة 374)مع الإمكان ، ولو زاد من غير عمد فعليه الأرش ، ولو لم يمكن إلاّ بالنقص لا يبعد ثبوت الأرش في الزائد على تأمّل . هذا في الحارصة والدامية والمتلاحمة ، وأمّا في السمحاق والموضحة فالظاهر عدم اعتبار التساوي في العمق ، فيتقصّ المهزول من السمين إلى تحقّق السمحاق والموضحة1..
1 ـ قد ادّعي الإجماع(1) على عدم اعتبار العمق والنزول ، بل في محكيّ الرياض أنّ عليه الاتفاق على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر(2) ، واستدلّ عليه بتفاوت الرؤوس في السمن والهزال وغلظ الجلد ورقته على وجه لو اعتبر انتفى القصاص ، فقطع النظر عنه كما قطع عن الصغر والكبر في الأعضاء .
وظاهره كون الحكم على وفق القاعدة ، وعليه فلا تبقى أصالة للإجماع على تقدير تحقّقه وثبوته .
ولكنّ الظاهر ـ كما في المتن ـ هو التفصيل بين «الحارصة» وهي التي تقشر الجلد شبه الخدش من غير إدماء ، و«الدامية» وهي التي تدخل في اللحم يسيراً ويخرج معه الدم ، و«المتلاحمة» وهي التي تدخل في اللحم كثيراً ، ولكن لم تبلغ مرتبة السمحاق ، وبين «السمحاق» وهي التي تقطع اللّحم وتبلغ الجلدة الرقية المغشية للعظم ، و«الموضحة» وهي التي تكشف عن وضح العظم ، أي بياضه .
والوجه فيه أنّه في العناوين الثلاثة الأُولى يكون اعتبار الجناية من جهة شروعها وبدئها ، وفي العنوانين الآخرين من جهة انتهائها وآخرها ، وعليه فلا مجال لاعتبار التساوي في العمق فيهما بعد كون الملاك هو البلوغ إلى الجلدة الرقيقة
- (1) نسب الاجماع في جواهر الكلام: 42 / 354 إلى ظاهر كشف اللثام: 2 / 479 ومفاتيح الشرائع: 2/131 .
- (2) رياض المسائل: 10 / 354 .
(الصفحة 375)مسألة 9 ـ لا يثبت القصاص فيما فيه تغرير بنفس أو طرف ، وكذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة ولا نقيصة كالجائفة والمأمومة ، ويثبت في كلّ جرح لا تعزير في أخذه بالنفس وبالطرف وكانت السلامة معه غالبة ، فيثبت في الحارصة والمتلاحمة والسمحاق والموضحة ، ولا يثبت في الهاشمة ولا المنقلة ولا لكسر شيء من العظام ، وفي رواية صحيحة: إثبات القود في السنّ والذراع إذا كسرا عمداً ، والعامل بها قليل1..
أو الكشف عن بياض العظم ، وأمّا غيرهما من العناوين الثلاثة الأولى ففي صورة الإمكان لا مانع من اعتبار التساوي في العمق; لعدم كون تفاوت الرؤوس مانعاً عن رعايته ، ولو زاد من غير عمد فعليه الأرش .
ولو لم يمكن إلاّ بالنقص فلا يبعد ثبوت الأرش ، كما ذكروا نظيره في المساحة طولاً ، من أنّه لابدّ من اعتبار التساوي فيه وإن استلزم استيعاب رأس الجاني لصغره ، ولا يكمل الزائد من القفا ولا من الجبهة ، بل يقتصر على ما يحتمله العضو ، ويأخذ للزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح من الدية ، والتأمّل في الثبوت إنّما هو بلحاظ كون اعتبار التساوي في العمق إنّما هو في صورة الإمكان ، ومع عدمه يسقط الاعتبار رأساً ، فلا وجه لثبوت الأرش ، فتدبّر .
1 ـ لا خفاء في أنّ مقتضى قوله تعالى:
{وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ}(1) ثبوت القصاص في جميع موارد ثبوت الجراحة في الأعضاء ، ويدلّ عليه أيضاً موثقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما كان من جراحات الجسد
(الصفحة 376)
أنّ فيها القصاص ، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها(1) .
ورواها في الوسائل أيضاً بعنوان رواية اُخرى ، مع وضوح عدم تعدّدها كما هو واضح . والمصرِّح بثبوت القصاص كذلك ابن حمزة في الوسيلة(2) المصرِّح بثبوت القصاص في الهاشمة والمنقلة ، والمراد بالأولى ما تهشم العظم وتكسره ، وبالثانية على تفسير جماعة ما تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره .
ولكنّ الظاهر بملاحظة وجوب التحفّظ على النفس المحترمة وكذا الطرف عدم ثبوت القصاص فيما فيه تغرير بإحداهما وإلقائها في الخطر والتّلف ، لتعذّر استيفاء الحقّ حينئذ ، فاللاّزم الانتقال إلى الدية ، وكذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة ولا نقيصة ، كالجائفة التي تصل إلى الجوف من أيّ جهة ، سواء كانت بطناً أو صدراً أو ظهراً أو جنباً ، والمأمومة وهي التي تبلغ أمّ الرأس ـ أي الخريطة التي تجمع الدماغ ـ والوجه فيه مدخلية المماثلة في مفهوم القصاص ومعناه ، ومع تعذّر الاستيفاء بلا زيادة ولا نقيصة يتعذّر القصاص لا محالة ، فلا وجه لثبوته .
وقد ورد في مقطوعة أبان: الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلاّ الحكومة ، والمنقلة تنقل منها العظام وليس فيها قصاص إلاّ الحكومة ، وفي المأمومة ثلث الدية ليس فيها قصاص إلاّ الحكومة(3) .
نعم في صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن السنّ والذراع يكسران عمداً ، لهما أرش أو قود؟ فقال: قود ، قال : قلت: فإن أضعفوا الدية؟ قال:
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 132 ، أبواب قصاص الطرف ب 13 ح3 و5 .
- (2) الوسيلة: 444 ـ 445 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 135 ، أبواب قصاص الطرف ب 16 ح1 .