(الصفحة 376)
أنّ فيها القصاص ، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها(1) .
ورواها في الوسائل أيضاً بعنوان رواية اُخرى ، مع وضوح عدم تعدّدها كما هو واضح . والمصرِّح بثبوت القصاص كذلك ابن حمزة في الوسيلة(2) المصرِّح بثبوت القصاص في الهاشمة والمنقلة ، والمراد بالأولى ما تهشم العظم وتكسره ، وبالثانية على تفسير جماعة ما تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره .
ولكنّ الظاهر بملاحظة وجوب التحفّظ على النفس المحترمة وكذا الطرف عدم ثبوت القصاص فيما فيه تغرير بإحداهما وإلقائها في الخطر والتّلف ، لتعذّر استيفاء الحقّ حينئذ ، فاللاّزم الانتقال إلى الدية ، وكذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة ولا نقيصة ، كالجائفة التي تصل إلى الجوف من أيّ جهة ، سواء كانت بطناً أو صدراً أو ظهراً أو جنباً ، والمأمومة وهي التي تبلغ أمّ الرأس ـ أي الخريطة التي تجمع الدماغ ـ والوجه فيه مدخلية المماثلة في مفهوم القصاص ومعناه ، ومع تعذّر الاستيفاء بلا زيادة ولا نقيصة يتعذّر القصاص لا محالة ، فلا وجه لثبوته .
وقد ورد في مقطوعة أبان: الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلاّ الحكومة ، والمنقلة تنقل منها العظام وليس فيها قصاص إلاّ الحكومة ، وفي المأمومة ثلث الدية ليس فيها قصاص إلاّ الحكومة(3) .
نعم في صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن السنّ والذراع يكسران عمداً ، لهما أرش أو قود؟ فقال: قود ، قال : قلت: فإن أضعفوا الدية؟ قال:
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 132 ، أبواب قصاص الطرف ب 13 ح3 و5 .
- (2) الوسيلة: 444 ـ 445 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 135 ، أبواب قصاص الطرف ب 16 ح1 .
(الصفحة 377)مسألة 10 ـ هل يجوز الاقتصاص قبل اندمال الجناية؟ قيل: لا ، لعدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس ، والأشبه الجواز . وفي رواية : لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ ، وفي دلالتها نظر ، والأحوط الصبر سيّما فيما لا يؤمن من السراية ، فلو قطع عدّة من أعضائه خطأ هل يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النفس أو يقتصر على مقدار دية النفس حتّى يتّضح الحال ، فإن اندملت أخذ الباقي وإلاّ فيكون له ما أخذ لدخول الطرف في النفس؟ الأقوى جواز الأخذ ووجوب الإعطاء ، نعم لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس1..
إن أرضوه بما شاء فهو له(1) . ولكنّها لم يعمل بها غير الشيخين(2) .
1 ـ في هذه المسألة فرعان ، أحدهما وارد في القصاص ، والآخر في الدية ، وتفريع الثاني على الأوّل كما في المتن لا مجال له ، كما سيأتي .
أمّا القصاص فالقائل بعدم جوازه قبل الاندمال هو الشيخ (قدس سره) في محكي المبسوط(3) ، واستدلّ عليه باحتمال تحقّق السراية في المجنيّ عليه الموجبة لتلف النفس ، ويترتّب عليه دخول قصاص الطرف في قصاص النفس . وفي المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(4) أنّ الأشبه الجواز ، والوجه فيه إنّ مقتضى إطلاق قوله تعالى:
{وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ} عدم لزوم الانتظار إلى الاندمال ، ودخول قصاص الطرف في
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 132 ، أبواب قصاص الطرف ب 13 ح4 .
- (2) المقنعة: 761 ، النهاية: 772 ، وكذا ابن زهرة في غنية النزوع: 409 ، وظاهرهم العمل بهذه الرواية فيما إذا كان المكسور شيئاً لا يرجى صلاحه .
- (3) المبسوط : 7 / 75 .
- (4) شرائع الإسلام: 4 / 1008 .
(الصفحة 378)
قصاص النفس على ما تقتضيه الرواية ليس يرجع إلى كون السراية الموجبة لتلف النفس كاشفة عن عدم تأثير الجناية على الطرف في ثبوت القصاص ، بحيث كان مرجعه إلى تخصيص عموم
{وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ} بصورة السراية المذكورة . بل كان مرجعه إلى سقوط القصاص بالنسبة إلى الطرف بعد ثبوت قصاص النفس ، فقصاص النفس بمنزلة المسقط لذلك القصاص .
ومن الواضح إنّ احتمال تحقّق المسقط في الاستقبال لا يمنع عن استيفاء الحقّ في لحال ، بل العلم بذلك أيضاً لا يكون مسقطاً ، وعليه فمقتضى القاعدة الجواز ، وأمّا الرواية فهي معتبرة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر (عليه السلام) ، إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ(1) . ولكنّه تنظّر في دلالتها في المتن ، لأجل احتمال كون المراد منها انتظار حال البرء ، لأجل احتمال سعة دائرة الجناية لا لأجل احتمال السراية الموجبة لتلف النفس ، ولكن في أصل المسألة شيء ، وهو أنّ مسألة دخول قصاص الطرف في قصاص النفس مفروضة في غير مورد السراية ، وهو ما لو كانت هناك جنايات متعدّدة بعضها في الطرف ، وبعضها في النفس ، ولا يشمل ما إذا كان في البين جناية واحدة مسرية إلى النفس .
هذا في الفرع الأوّل ، وأمّا الفرع الثاني فكذلك أيضاً ، فلو قطع عدّة من أعضائه خطأً يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النّفس ، ولا يقتصر على مقدار دية النفس ، كما عن جماعة ، منهم : الشيخ في المبسوط(2) . وقال المحقّق في الشرائع : إنّه أولى ، لأنّ دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقاً(3) ، وذلك لأنّ الوفاق المذكور
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 211 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ب 42 ح2 .
- (2) المبسوط: 7 / 81 ـ 82 .
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 1008 .
(الصفحة 379)مسألة 11 ـ إذا أريد الاقتصاص حلق الشعر عن المحلّ إن كان يمنع عن الاستيفاء أو الاستيفاء بحدّه ، وربط الجاني على خشبة أو نحوها بحيث لا يتمكّن من الاضطراب ، ثم يقاس بخيط ونحوه ، ويعلم طرفاه في محلّ الاقتصاص ، ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الأُخرى ، ولو كان جرح الجاني ذا عرض يقاس العرض أيضاً ، وإذا شقّ على الجاني الاستيفاء دفعة يجوز الاستيفاء بدفعات ، وهل يجوز ذلك حتّى مع عدم رضا المجني عليه؟ فيه تأمّل1.
مسألة 12 ـ لو اضطرب الجاني فزاد المقتصّ في جرحه لذلك فلا شيء عليه، ولو زاد بلا اضطراب أو بلا استناد إلى ذلك ، فإن كان عن عمد يقتصّ منه وإلاّ فعليه الدية أو الأرش ، ولو ادّعى الجاني العمد وأنكره المباشر فالقول قوله ، ولو ادّعى المباشر الخطأ وأنكر الجاني قالوا: القول قول المباشر ، وفيه تأمّل2..
لا يقتضي الاقتصار لعين ما ذكرنا في الاقتصاص من عدم كونه كاشفاً بل مسقطاً ، وعليه فيجوز الأخذ ، نعم لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس ، كما هو ظاهر .
1 ـ كان اللاّزم التعرّض للعمق أيضاً لاعتباره في غير الشجاج بلا خلاف ، وفيه أيضاً على مختار المتن في صورة الإمكان ، وطريقه التعيين في الآلة ووضع العلامة فيها والنزول إلى حدّها ، والوجه في التأمّل في جواز الاستيفاء بدفعات مع عدم رضا المجنيّ عليه أنّ التأخير منوط بنظره ، والدفعات غير لازمة ، واستلزام الدفعة للمشقّة لا يمنع عنها بوجه ، كما لا يخفى .
2 ـ الوجه في عدم ثبوت شيء على المقتصّ مع استناد الزيادة إلى الاضطراب
(الصفحة 380)مسألة 13 ـ يؤخَّر القصاص في الطرف عن شدّة الحرّ والبرد وجوباً إذا خيف من السراية ، وإرفاقاً بالجاني في غير ذلك ، ولو لم يرض في هذا الفرض المجنيّ عليه ففي جواز التأخير نظر1.
مسألة 14 ـ لا يقتصّ إلاّ بحديدة حادّة غير مسمومة ولا كالّة مناسبة لاقتصاص مثله ، ولا يجوز تعذيبه أكثر ممّا عذبه . فلو قلع عينه بآلة كانت سهلة في القلع لا يجوز قلعها بآلة كانت أكثر تعذيباً ، وجاز القلع باليد إذا قلع الجاني بيده أو كان القلع بها أسهل ، والأولى للمجني عليه مراعاة السهولة وجاز له المماثلة . ولو تجاوز واقتصّ بما هو موجب للتعذيب وكان أصعب ممّا فعل به فللوالي تعزيره ولا شيء عليه ، ولو جاوز بما يوجب القصاص اقتصّ منه أو بما يوجب الأرش أو الدية أخذ منه2..
عدم إضافتها في هذا الفرض إلى المقتصّ ، فلا يقاس بالجناية الخطائية التي يكون الاستناد فيها إلى الجاني ، غاية الأمر صدورها خطأً .
والوجه في التأمّل في الذيل كون الأظهر في تشخيص عنواني المدّعي والمنكر المراجعة إلى العرف الذين هم المرجع في العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام ، وعليه فالظاهر كون المباشر في هذه الصورة مدّعياً وعليه البيّنة .
1 ـ أمّا وجوب التأخير مع خوف السراية فلأجل لزوم رعاية المماثلة في القصاص بحيث لا تتحقّق السراية ، فمع خوفها فاللاّزم هو التأخير ، ومع عدم الخوف لا مجال للوجوب بعد ثبوت الحقّ وإرادة المجنيّ عليه الاستيفاء ، خصوصاً مع أنّه ربّما يكون في التأخير آفة .
2 ـ قد مرّ في المسألة الحادية عشر من مسائل كيفية الاستيفاء في قصاص