(الصفحة 389)
نجاسة فلا تصحّ الصلاة مع ذلك(1) .
وكيف كان فالحكم في هذا الفرض هو القطع ثانياً ، سواء كان بالعنوان المذكور في المتن أو بما هو مذكور في الشرائع ، غاية الأمر كون أحد العنوانين مورداً للرواية والآخر مستفاداً من العلّة المذكورة فيها .
كما أنّ المستفاد من العلّة هو القطع ثانياً ، ولو كان الالتصاق موجباً لصيرورتها حيّة مترتّبة عليها آثار الحياة من الإحساس وغيره ، لعدم الفرق في جريان العلّة بين ما إذا لم تصر حيّة ، وبين ما إذا صارت كذلك ، بل يمكن أن يقال بظهور موردها في هذه الصورة ، فتدبّر . هذا كلّه على تقدير القول باعتبار الرواية .
وأمّا على تقدير القول بالعدم ، فمقتضى القاعدة عدم سقوط القصاص في الفرض الأوّل ; لعدم الدليل على سقوطه بعد اقتضاء الإطلاقات للثبوت . كما أنّه لا دليل على جواز القطع والإزالة ثانياً في الفرض الثاني بعد تحقّق القصاص ، كما هو المفروض ، وعدم الدليل على كون الالتصاق موجباً للقصاص ثانياً ، أو لثبوت حق الإزالة للجاني على العنوانين في هذا الفرض .
نعم يدخل ذلك في مسألة النهي عن المنكر باعتبار كونه قطعة مبانة من حيّ ومحكومة بالنجاسة ، فلا تصحّ الصلاة معها ، فلا يرتبط بالجاني بما هو كذلك ، ولا بالمجنيّ عليه أيضاً ، بل لابدّ من رعاية شرائط تلك المسألة ، وعليه فلا يبقى مجال لجواز القطع والإزالة فيما لو صار الالتصاق موجباً لثبوت وصف الحياة وترتّب آثارها عليها ، فإنّها حينئذ تخرج عن عنوان الميتة والنجاسة ، فلا مجال للنهيّ عن المنكر أيضاً .
- (1) التنقيح الرائع: 4 / 454 .
(الصفحة 390)مسألة 20 ـ لو قطع أُذنه فأزال سمعه فهما جنايتان ، ولو قطع أذناً مستحشفة شلاّء ففي القصاص إشكال ، بل لا يبعد ثبوت ثلث الدية1..
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ مستند المتن هو الوجه الثاني الذي يبتنى على عدم اعتبار الرواية ، وقال في الجواهر : والتحقيق الالتفات إليهما (يعني كلا الوجهين من الرواية والوجه الآخر) فمع العضو يبقى حقّ النجاسة ، ومع سقوط النجاسة إمّا لعدم انفصالها تماماً فلا تكون مبانة من حيّ ، أو لحصول ضرر يسقط وجوب الإزالة بالنسبة إلى الصلاة دون غيرها ، يبقى حق المساواة في الشين(1) . وإن كان يرد عليه أنّه مع الإلتزام بالرواية لا مجال للحكم بعدم سقوط القصاص في الفرض الأوّل ، كما لايخفى . نعم الظاهر تمامية ما حقّقه من الإلتفات إلى كلا الوجهين .
ثمّ إنّه يجري في قطع بعض الاُذن حكم قطع الكلّ ، بل مورد الرواية المتقدّمة هو قطع بعض الاُذن . وأمّا التعبير عنه في المتن بما لو قطع بعض الاُذن ولم يبنها فالظاهر وجود الخدشة فيه ، لأنّ المراد صورة القطع بالنحو المذكور في قطع الكلّ ، فتدبّر .
1 ـ في هذه المسألة فرعان:
الأول: ما إذا قطع اُذنه فأزال سمعه ، والظاهر كما في المتن أنّهما جنايتان . والوجه فيه وجود الانفكاك بينهما وثبوت ديتين فيهما ، وعليه فيترتّب على كلّ واحدة منهما حكمه ، فيقتصّ لقطع الاُذن ، وكذا لإزالة السمع بالنحو الذي يأتي في إذهاب ضوء البصر ، وعلى تقدير الانتقال إلى الدية تثبت الدية بالإضافة إليها ، كما لايخفى .
الثاني: ما لو قطع اُذناً مستحشفة عادمة للحسّ والحركة ، وقد تقدّم أنّ مقتضى النصّ والفتوى أنّه لا تقطع اليد الصحيحة باليد الشلاّء ، وأمّا هنا فالمحكي عن
- (1) جواهر الكلام: 42 / 366 .
(الصفحة 391)مسألة 21 ـ يثبت القصاص في العين وتقتصّ مع مساواة المحلّ ، فلا تقطع اليمنى باليسرى ولا بالعكس ، ولو كان الجاني أعور اقتصّ منه وإن عمي فإن الحقّ أعماه ، ولا يردّ شيء إليه ولو كان ديتها دية النفس إذا كان العور خلقة أو بآفة من الله تعالى ، ولا فرق بين كونه أعور خلقة أو بجناية أو آفة أو قصاص ، ولو قلع أعور العين الصحيحة من أعور يقتصّ منه1..
ظاهر ديات المبسوط الإجماع على أنّه يجب على قاطعها ثلث الدية(1) ، وعن حواشي الشهيد المنقول عدم القصاص(2) ، وعن القواعد الإشكال في ثبوت القصاص في الاُذن المستحشفة(3) . ويؤيّد عدم القصاص ـ مضافاً إلى إلغاء الخصوصية من النصّ الوارد في اليد ـ كون ديتها الثلث ، مع أنّ دية الاُذن الصحيحة النصف ، فالاختلاف في مقدار الدية كاشف عن عدم المماثلة ، وعليه فينتفى القصاص كما نفى عنه البعد في المتن .
1 ـ أمّا أصل ثبوت القصاص في العين فيدلّ عليه قوله تعالى:
{وَالعَينَ بِالعَينِ}(4) ، والروايات ، كما انّ اعتبار مساواة المحلّ ورعاية خصوصية اليمينية واليسارية قد تقدّم في بعض المسائل المتقدّمة .
وأمّا لو كان الجاني أعور الذي ذهبت واحدة من عينيه فيقتصّ منه ، وإن كان ذلك موجباً لصيرورته أعمى ، فإنّ الحقّ أعماه كما في الرّواية . ففي رواية محمّد بن
- (1) المبسوط: 7 / 125 .
- (2) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 173 .
- (3) قواعد الأحكام: 2 / 307 ـ 308 .
- (4) المائدة 5 : 45 .
(الصفحة 392)مسألة 22 ـ لو قلع ذو عينين عين أعور اقتصّ له بعين واحدة ، فهل له مع ذلك الردّ بنصف الدية؟ قيل : لا ، والأقوى ثبوته ، والظاهر تخيير المجني عليه بين أخذ الدية كاملة وبين الاقتصاص وأخذ نصفها ، كما أنّ الظاهر أنّ الحكم ثابت فيما تكون لعين الأعور دية كاملة ، كما كان خلقة أو بآفة من الله ، لا في غيره مثل ما إذا قلع عينه قصاصاً1..
قيس قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أعور فقأ عين صحيح ، فقال: تفقأ عينه ، قال: قلت: يبقى أعمى ، قال: الحقّ أعماه(1) ، ومثلها مرسلة أبان التي هي رواية اُخرى ، وإن كان ظاهر الوسائل عدم التعدّد ، والفتوى على وفقهما جابرة للضعف والإرسال ، فلا مجال للإشكال . وعليه فيقتصّ من غير أن يردّ شيء إليه ، ولو كان ديتها دية النفس فيما إذا كان العور خلقة أو بآفة من الله ، كما سيأتي في الديات ، ومنه يظهر أنّه لو كان المجنيّ عليه أعور مثل الجاني ، وكانت الجناية قلع العين الصحيحة يقتصّ بطريق أولى .
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام:
الاُولى:ثبوت الاقتصاص للمجنيّ عليه بعين واحدة دون العينين ، ولا خلاف فيه إلاّ من أبي عليّ الإسكافي(2) ، حيث خيّر المجنيّ عليه بين قلع عيني صاحبه ودفع خمسمائة دينار ، وبين قلع إحداهما وأخذ ذلك ، وهو كما في الجواهر(3) مع شذوذه وعدم وضوح مستنده ومخالفته لظاهر النصّ غريب ، فإنّ العينين إمّا أن تساويا
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 134 ، أبواب قصاص الطرف ب 15 ح1 .
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 458 ـ 459 مسألة 137 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 370 .
(الصفحة 393)
عينه فلا ردّ وإلاّ فلاقلع .
الثانية:أنّه مع الاقتصاص بعين واحدة هل يثبت للمجنيّ عليه نصف الدية أيضاً، أو أنّ الثابت مجرّد الاقتصاص من غير ردّ ، فيه قولاً . الظاهر ثبوت الشهرة للقول الأوّل(1)،وقدحكي الثاني عن المفيد(2)، ـ وإن حكي عنه القول الآخر أيضاً(3)ـ والحلّي(4)، وقوّاه في التحرير(5) والمسالك(6) ، وجعله المحقّق في الشرائع أولى(7) ، واستدلّ عليه بقوله تعالى:
{وَالعَينَ بِالعَينِ} .
مع أنّه يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ مثله إنّما هو في مقام بيان مصداق القصاص الذي يعتبر في مفهومه المماثلة ، والغرض منه إنّما هو وقوع العين في مقابل العين لا في مقابل الأعضاء الاُخر ، وأمّا اعتبار الانحصار وعدم ثبوت شيء آخر فلا يكون في مقام بيانه وإفادته ـ أنّه مع وجود الروايات الدالّة على ثبوت الردّ يقيَّد إطلاق الآية وتصير تلك الروايات بمنزلة القرينة على خلاف الظاهر ، وهي عبارة عن صحيحة محمد بن قيس قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أعور أُصيبت عينه الصحيحة ، ففقئت أن تفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف
- (1) المقنع: 517 ، المبسوط: 7 / 146 ، النهاية: 765 ـ 766 ، الوسيلة: 446 ـ 447 ، مختلف الشيعة: 9/459 مسألة 137 ، إيضاح الفوائد: 4 / 644 ، الروضة البهية: 10 / 82 .
- (2) المقنعة: 761 .
- (3) راجع مفتاح الكرامة: 11 / 164 .
- (4) السرائر: 3 / 381 .
- (5) تحرير الأحكام: 2 / 259 .
- (6) مسالك الأفهام: 15 / 282 ، لكنّه قوّى القول الأوّل .
- (7) شرائع الإسلام: 4 / 1009 .