(الصفحة 396)ولو لم يكن إذهاب الضوء إلاّ بإيقاع جناية أخرى كالتسميل ونحوه سقط القصاص وعليه الدية1..
1 ـ الوجه في لزوم الاقتصاص بالمماثل ـ أي بالنحو الذي يوجب ذهاب الضوء فقط مع بقاء الحدقة وعدم التعدّي ـ اعتبار المماثلة في مفهومه على ما عرفت . وعليه فمقتضى القاعدة الرجوع إلى الطبيب الحاذق واستعلام الكيفية المذكورة ، أو توكيله في أن يفعل به ما ذكر . ولكن ورد في المسألة رواية ، وهي ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن سليمان الدهان ، عن رفاعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ عثمان (عمر) أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه ، فأنزل الماء فيها ، وهي قائمة ليس يبصر بها شيئاً ، فقال له: أعطيك الدية ، فأبى ، قال: فأرسل بهما إلى علي (عليه السلام) وقال: احكم بين هذين ، فأعطاه الدية ، فأبى ، قال: فلم يزالوا يعطونه حتّى أعطوه ديتين ، قال: فقال: ليس اُريد إلاّ القصاص ، قال: فدعا علي (عليه السلام) بمرآة فحماها ثم دعا بكرسف فبلّه ، ثم جعله على أشفار عينيه وعلى حواليها ثم استقبل بعينه عين الشمس ، قال : وجاء بالمرآة فقال: انظر ، فنظر فذاب الشحم وبقيت عينه قائمة وذهب البصر(1) .
ولم يثبت وثاقة سليمان الدهّان ، لكن عن الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارهم(2) . وعن الروضة: القول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور(3) . ولكن التعبير عن هذا القول بمثل «قيل» كما في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(4)
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 129 ، أبواب قصاص الطرف ب 11 ح1 .
- (2) الخلاف: 5 / 175 مسألة 38 .
- (3) الروضة البهية: 10 / 84 .
- (4) شرائع الإسلام: 4 / 1009 .
(الصفحة 397)مسألة 25 ـ تقتصّ العين الصحيحة بالعمشاء والحولاء والخفشاء والجهراء والعشياء1..
يشعر بل يدلّ على عدم ثبوت الشهرة .
وكيف كان ، فإن كان المراد تعيّن الاستيفاء بهذا الوجه كما أشار إليه في المتن ، فيرد عيه أنّه لا دلالة في الرواية على التعيّن بوجه ، بل غايته الدلالة على مشروعية هذه الكيفية ، وإن كان المراد مجرّد المشروعية ، فيمكن أن يقال: انّ المشروعية في تلك الأزمنة لعلّها كانت بلحاظ أنّها أسهل الطرق إلى الوصول بالغرض المذكور ، وأمّا في زماننا هذا مع تكامل العلوم المختلفة إذا كان للوصول إليه طريق أسهل لايستلزم تعذيب الجاني بالمقدارالموجود في هذه الكيفية، فلادليل على مشروعيتها بوجه ، بل تتعيّن الاستفادة من الأدوية المؤثِّرة والتزريقات كذلك ومثلهما .
وبالجملة: يتعيّن الرجوع إلى الطبيب الحاذق كما في المتن ، وإن كان فيه إشارة إلى أنّه لا مانع من الأخذ بها للاكتفاء على النقل من دون إشعار إلى تضعيفه ، فتدبر .
ثم إنّ الظاهر أنّ المراد من استقبال عين الشمس في الرواية هي عينها المنعكسة في المرآة ، وإلاّ لاخصوصية في المرأة لو كان الغرض منها مجرّد الحرارة دون شعاع الشمس ، وعليه فلا فرق بين ما في المتن وما في الرواية .
كما أنّه من الواضح أنّه مع عدم إمكان القصاص إلاّ بإيقاع جناية اُخرى كالتسميل ونحوه يسقط القصاص ، ويتحقّق الانتقال إلى الدية ، كما لا يخفى .
1 ـ الوجه في الاقتصاص بها دون العمياء كون التفاوت بالنفع ، إذ العمش كما في الجواهر(1) خلل في الأجفان يقتضي سيلان الدمع غالباً ، والحول الإعوجاج ،
- (1) جواهر الكلام: 42 /371 .
(الصفحة 398)مسألة 26 ـ في ثبوت القصاص لشعر الحاجب والرأس واللّحية والأهداب ونحوها تأمّل ، وإن لا يخلو من وجه . نعم لو جنى على المحلّ بجرح ونحوه يقتصّ منه مع الإمكان1..
والخفش عدم حدّة في البصر بحيث يرى من بعد ، أو بعض الإحتمالات الاُخر مثل صغر العين . والجهر عدم البصر نهاراً ضد العشاء الّذي هو عدم البصر ليلاً . ومن الواضح أنّ التفاوت بالصحّة والعيب لا يمنع عن القصاص ، كما في سائر الأعضاء .
1 ـ صرّح المحقّق في الشرائع بثبوت القصاص في الحاجبين وشعر الرأس واللّحية(1) ، نعم عن القواعد بعد الحكم بثبوت القصاص في الأهداب والأجفان : وفي شعر الرأس واللحية والحاجبين على إشكال ينشأ من أنّه إن لم يفسد المنبت فالشعر يعود ، وإن أفسده فالجناية على البشرة ، والشعر تابع(2) ، أي فان كان إفساده بما يمكن الاقتصاص له اقتصّ وهو قصاص للبشرة لا الشعر ، وإلاّ تعيّنت دية الشعر على التفصيل الآتي في محلّه وأرش البشرة إن جرحت(3) .
ومقتضى التحقيق هو التفصيل بين ما إذا كانت الجناية موجبة لزوال الشعر فقط ، من دون أن تكون مفسدة للمنبت ، فالظاهر ثبوت الاقتصاص ، لأنّه لا مانع من ثبوته بعد عموم أدلّة القصاص وإمكان الاقتصاص . وأمّا إذا أفسدت المنبت فحيث أنّ الجناية واحدة وأصلها واقع على البشرة والشعر تابع ، فإن أمكن الاقتصاص كما هو الظاهر في زماننا هذا فالظاهر ثبوته ، وإن لم يمكن فيسقط
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1009 .
- (2) قواعد الأحكام: 2 / 307 .
- (3) كشف اللثام: 2 / 477 .
(الصفحة 399)
وينتقل إلى الدية . كما أنّه لو جنى على المحلّ بمثل الجرح يتحقّق القصاص مع الإمكان .
هذا هو مقتضى القاعدة ، ولكن ورد في المسألة بعض الروايات مثل صحيحة سليمان بن خالد التي هي متّحدة مع مرسلة علي بن خالد (حديد) عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت : الرجل يدخل الحمّام فيصبّ عليه صاحب الحمّام ماءً حارّاً فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت ، فقال: عليه الدية كاملة(1) .
ويمكن أن يكون الوجه لثبوت الدية دون القصاص عدم إمكان الاقتصاص ، كما لعلّه الظاهر في تلك الأزمنة ، ويمكن أن يكون الوجه أن الجناية لم تكن عمدية موجبة للقصاص بل شبه عمد موجبة للدّية ، وعلى التقدير الثاني تخرج الرواية عن باب القصاص .
ورواية سلمة بن تمام قال: أهرق رجل قدراً فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره ، فاختصموا في ذلك إلى علي (عليه السلام) فأجّله سنة ، فجاء فلم ينبت شعره ، فقضى عليه بالدية(2) .
وهذه الرواية مضافاً إلى ضعفها ، لعدم توثيق سلمة الذي هو من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، لا دلالة لها على نفي القصاص مع إمكانه وإيجاد مماثل الجناية ، والتأجيل لا دلالة له على عدم ثبوت القصاص في الشعر المجرّد عن فساد المنبت ، لما عرفت من أنّه مع الإفساد يكون الشعر تابعاً ، وليس جناية مستقلّة .
ورواية مسمع ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في اللّحية إذا
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 261 ، أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح2 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 261 ، أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح3 .
(الصفحة 400)مسألة 27 ـ يثبت القصاص في الأجفان مع التساوي في المحلّ ، ولو خلت أجفان المجنيّ عليه عن الأهداب ففي القصاص وجهان ، لا يبعد عدم ثبوته ، فعليه الدية1.
مسألة 28 ـ في الأنف قصاص ، ويقتصّ الأنف الشام بعادمه ، والصحيح .
حلقت فلم تنبت الدية كاملة ، فإذا نبتت فثلث الدية(1) .
وهذه الرواية وإن كانت ظاهرة في عدم القصاص في حلق اللحية مع النبات إلاّ أنّه لأجل ضعفها لا يمكن الاعتماد عليها في مقابل العمومات . ثمّ إنّ ظاهر المتن باعتبار إضافة الشعر إلى الحاجب كون الحاجب غير الشعر ، كما في محكي القاموس حيث قال: الحاجبان العظمان فوق العينين بلحمهما وشعرهما(2) . ولكن ظاهر المحقّق في الشرائع(3) أنّ المراد به هو الشعر كما في اللحية .
1 ـ أمّا ثبوت القصاص في الأجفان فلإمكانه وشمول الأدلّة ، لكن مع رعاية التساوي في المحلّ من جهة اليمينية والشمالية والأسفلية والأعلائية ، وأمّا مع خلوّ أجفان المجنيّ عليه عن الأهداب واشتمال أجفان الجاني عليها ففي القصاص وجهان: من تبعية الأهداب للأجفان ، كالشعور النابتة على اليد غير المانعة عن القصاص ، كما في المرأة والرجل; ومن أنّ الأهداب لها أصالة باعتبار ترتّب آثار كثيرة عليها ، ولها وحدها دية ، فلا يقاس بتلك الشعور . وهذا الوجه هو الأقرب ، فالظاهر حينئذ أنّ فيه الدية دون القصاص .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 260 ، أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح1 .
- (2) القاموس المحيط: 1 / 54 .
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 1009 .