(الصفحة 422)
طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي ، قال: وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً ، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة . قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي (عليه السلام) (1) .
ولكنّ الرواية ـ مضافاً إلى ضعف سندها لعدم توثيق سورة بن كليب ـ واردة في القتلولادليل على الجريان في الطرف أيضاً . مع أنّ موردها كون المجنيّ عليه ناقصاً، ومحلّ الكلام في المقام ما إذا كان الجاني كذلك ، فلا يمكن الاستدلال بها لما نحن فيه .
ثالثها: عدم استحقاق الدية مطلقاً ، وهو الذي اختاره بعض متأخري المتأخّرين(2) ، وربّما يستدلّ له أنّه لا دليل على ثبوتها بعد صدق اليد باليد ، كما ورد في بعض الروايات(3) .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى عدم كون مثل اليد باليد وارداً في مقام البيان من هذه الجهة ـ عدم تحقّق المقاصّة المعتبرة في مفهومها المماثلة بدون الدية، فالأشبه كما في المتن هو القول الأوّل .
الأمر الثاني: مالو قطع الصحيح الناقص عكس الأمر الأوّل، وفيه أيضاً وجوه ثلاثة:
أحدها: ما عن القواعد(4) والتحرير(5) والمسالك(6) من أنّه لا تقطع يد الجاني بل
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 82 ، أبواب القصاص في النفس ب 50 ح1 .
- (2) راجع مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 81 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 131 ، أبواب قصاص الطرف ب 12 ح2 .
- (4) قواعد الأحكام: 2 / 304 .
- (5) تحرير الأحكام: 2 / 260 .
- (6) مسالك الأفهام: 15 / 293 .
(الصفحة 423)الثاني : لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه بحيث قطعت ثمّ اندملت ثبت القصاص فيهما ، فتقطع كفّه من المفصل ، ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص ، ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ من مفصل الكوع، وفي الزائد يحتمل الحكومة ويحتمل الحساب بالمسافة (حة ـ ظ)، ولو قطعها من المرفق فالقصاص ، وفي الزيادة ما مرّ ، وحكم الرجل حكم اليد، ففي القطع من المفصل قصاص ، وفي الزيادة ما مرّ1..
يقطع منها الأصابع التي قطعها ، ويؤخذ منه حكومة الكفّ .
ثانيها: المنع عن القصاص على هذا الوجه لعدم المماثلة . قال في الجواهر: ولعلّ هذاالقول هو المحكي عن ابن إدريس(1) بل هو الذي فهمه بعض من عبارة الإرشاد: يقتصّ للكامل من الناقص ولا يضمّ أرش ، ولا يجوز العكس فتثبت الدية(2)(3) .
ثالثها: قطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجنيّ عليه ، وهذا القول هو المشهور ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه(4) ، وقد تقدّم البحث في نظير هذه المسألة، فراجع ما هناك(5) .
1 ـ في هذا الفرع أُمور:
الأوّل: ما لو قطع إصبع رجل مثلاً فسرت إلى كفّه بحيث قطعت ثم اندملت . وفي الشرائع بعد الحكم بثبوت القصاص فيهما قال: وهل له القصاص في الاصبع وأخذ
- (1) لاحظ السرائر: 3 / 416 .
- (2) إرشاد الأذهان: 2 / 207 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 398 .
- (4) غنية النزوع: 410 .
- (5) تقدّم في ص357 ـ 360 .
(الصفحة 424)
الدية في الباقي؟ الوجه لا ، لإمكان القصاص فيهما(1) . وعليه ففيه احتمالان:
أحدهما: ثبوت القصاص في كلّ من الأصبع والكفّ وإن تحقّق الاندمال ، والوجه فيه يظهر بعد وضوح ضمان السراية وكونها من توابع جنايته، وإن كانت الجناية المتبوعة صادرة بالمباشرة والجناية التابعة مستندة إليه لأجل أقوائية السبب . وبعد إمكان جريان القصاص في كلّ من الأمرين بقطع يد الجاني من الكفّ فهو كما إذا قطعت الكفّ ابتداء عمداً بضربة واحدة، حيث لا يجري فيه غير القصاص إلاّ مع التراضي ، بل كما لو جنى عليه باليد فسرت إلى النفس فإنّه ليس للوليّ الاقتصاص في اليد وأخذ الدية من النفس ، بل يثبت قصاص النفس .
ثانيهما: ما أشار إليه المحقّق في الشرائع(2) من ثبوت حقّ القصاص في الاصبع وجواز أخذ الدية في الباقي ولو مع عدم التراضي ، وظاهره جواز القصاص أيضاً . والوجه فيه تعدّد الجناية وثبوت حكم كلّ واحدة عليها مستقلاًّ ، فبالإضافة إلى الاصبع القصاص وبالإضافة إلى الكفّ الدية ; لعدم إمكان قصاصها مستقلّة .
وفيه : مضافاً إلى وضوح بطلان التعدّد وكون السراية من آثار الجناية الأولى وتوابعها ، إنّ لازمه حينئذ تعيّن أخذ الدية في الكفّ لا التخيير بينه وبين القصاص ، كما هو ظاهر هذا الاحتمال .
الثاني: لو قطع يده من مفصل الكوع، فالظاهر ثبوت القصاص لعموم أدلّته وإمكان تحقّق المماثلة ; لفرض كونه مفصلاً ، والمراد من مفصل الكوع هو طرف الزند الذي يلي الابهام .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1011 ـ 1012 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 1012 .
(الصفحة 425)
الثالث: الفرض الثاني مع إضافة قطع بعض الذراع معه ، وفيه احتمالات:
أحدها: ما في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع من ثبوت الاقتصاص في اليد من مفصل الكوع لامكانه وانضباطه والحكومة في الزائد دون القصاص ، لعدم المفصل واختلاف أوضاع العروق والأعصاب وعدم القصاص في كسر العظام ، والمراد بالحكومة التفاوت على تقدير هذا النقص لو فرض كونه عبداً ، كما في سائر الموارد .
ثانيها: ما عن ابن إدريس(1) من الحكم باعتبار المساحة بدل الحكومة ، والمراد بالمساحة ملاحظة النسبة ، إن كان المقطوع نصف الذراع كان عليه نصف دية الذراع ، وإن كان ثلثاً فثلث ، وهكذا . واحتمل صاحب الجواهر(2) أن يكون المراد بالحكومة في القول الأوّل هي المساحة في هذا القول ، مع أنّه خلاف الظاهر جدّاً .
ثالثها: ما عن أبي علي(3) من أنّ له القصاص من المرفق بعد ردّ الفاصل .
رابعها: ما احتمله صاحب الجواهر، حيث قال: لولا ظهور الاتّفاق أمكن القول بالانتقال إلى الدية ; لتعذّر القصاص من محلّ الجناية، ولا دليل على ثبوته في غيرها(4) .
والظاهر هو الاحتمال الأوّل الذي اختاره في المتن تبعاً للشرائع ، وذلك لأنّ الحكم بثبوت القصاص في مقدار الجناية فقط لا مجال له بعد عدم إمكان تحقّق المماثلة غالباً ، وبثبوته في المرفق الذي هو زائد على مقدار الجناية لا مجال له أيضاً ،
- (1) السرائر: 3 / 395 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 401 .
- (3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 458 مسألة 136 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 401 .
(الصفحة 426)الثالث: يشترط في القصاص التساوي في الأصالة والزيادة ، فلا تقطع أصلية بزائدة ولو مع اتّحاد المحلّ ، ولا زائدة بأصلية مع اختلاف المحلّ ، وتقطع الأصلية بالأصلية مع اتّحاد المحلّ ، والزائدة بالزائدة كذلك ، وكذا الزائدة بالأصلية مع اتّحاد المحلّ وفقدان الأصلية ، ولا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى وبالعكس ، ولا الزائدة اليمنى بالأصلية اليسرى ، وكذا العكس1..
لكونه زائداً على الحق ، ولا دليل على جريان القصاص فيه . والانتقال إلى الدية في المجموع كما في الاحتمال الأخير لا سبيل له ، لأنّ التفكيك في القصاص بين قطع المفصل وبين قطع الزائد عنه في غاية الغرابة ، مع أنّ العرف يعبّر عن الثاني بقطع المفصل والزيادة ، ولازمه كون الزيادة مانعة عن القصاص ، فالظاهر حينئذ هو الجمع بين القصاص من مفصل الكوع وبين الدية بالإضافة إلى الزائد الذي لا يجري فيه القصاص .
كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الحكومة ما ذكرنا ، لا ما هو المحكي عن ابن إدريس من حساب المساحة ، لأنّ ثبوت الدية للعضو لا يقتضي التوزيع إن نصفاً فنصف وإن ثلثاً فثلث ، وإن كان فيه كلام سيأتي في كتاب الديات إن شاء الله تعالى .
الرابع: ما لو قطع من المرفق أو الزائد عنه ، فيجري القصاص في المرفق لما ذكر ، ويجري في الزيادة الحكومة بنحو ما مرّ .
الخامس: يجري جميع الفروض المذكورة في اليد في الرجل ، ويترتّب عليه الأحكام المذكورة هناك من دون فرق أصلاً .
1 ـ لا خلاف في اعتبار التساوي في الأصالة والزيادة في القصاص ، بل