(الصفحة 440)
وعن جميع لوازمها . قال: وهذا يجري في الكفّ ، نعم لو قيل : إنّه لو علم أنّ المراد العفو عن الواقع فقط أو أنّ العفو عن السراية لم يصحّ، اتّجه ذلك ، وإلاّ ففيه تأمّل(1) .
ويرد عليه أنّه إن أراد شمول العفو للسراية أيضاً فمن الواضح خلافه ; لعدم وجه للشمول بعد عدم كون السراية متحقّقة في حال العفو ، والعفو عن الجناية الجزئية لا يستلزم العفو عن الجناية الكلّية وهي النفس . وإن أراد أنّ دليل ضمان السراية إنّما يكون موردها ما إذا كان أصل الجناية مضمونة ، فبعد العفو عنه لا مجال لشمول دليل ضمان السراية ، خصوصاً لو قلنا بأنّ الدليل عليه هو الإجماع الذي يقتصر فيه على القدر المتيقّن ، فيرد عليه وضوح كون أصل الجناية في المقام مضمونة ، غاية الأمر سقوط الضمان بالعفو ، وعليه فمقتضى كون السراية مضمونة ثبوت حقّ القصاص بالإضافة إلى النفس ، فتدبّر .
وبعد ثبوت حقّ الاقتصاص بالنسبة إليها هل يجب على المقتصّ ردّدية الإصبع المعفوّ عن قصاصها أوجنايتها كما صرّح به المحقّق في الشرائع(2) أو لا؟ وفي المتن تبعاً للقواعد(3) وفخر المحقّقين(4) والشهيد(5) والمقدس الأردبيلي(6) الإشكال فيه ، بل في المتن المنع ، ولعلّ الوجه فيه ما عرفت من دخول الطرف في النفس ، فهو كقتل كامل بمن قطع يده غيره أو تلف بآفة ، أو أنّه بعفوه عنه كانّه اقتصّ منه ، فكما لا
- (1) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 141 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 1014 .
- (3) قواعد الأحكام: 2 / 306 .
- (4) إيضاح الفوائد: 4 / 640 .
- (5) غاية المراد: 382 (مخطوط) .
- (6) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 141 .
(الصفحة 441)
يغرم لو سرى الجرح بعد اقتصاصه عوضه فيقتله بالسراية من غير ردّ لما استوفاه فكذا المقام . وفي الجواهر بعد ذكر الوجهين : إلاّ انّهما معاً كما ترى(1) .
والوجه فيه عدم كون الطرف داخلاً في النفس بصورة الإطلاق ، بل قد تقدّم فيه التفصيل(2) وعدم كون العفو بمنزلة القصاص في جميع الآثار ، والمسألة مشكلة ، ومقتضى الاحتياط هو الردّ .
بقي الكلام في هذا الفرع فيما لو عفا عن الجناية والسراية معاً ، فإن كان العفو في حال تحقّق السراية كما في السراية إلى الكفّ بعد تحقّقها ، فلا إشكال في صحّته وسقوط حكم الجناية والسراية معاً .
وإن كان في حال عدم تحقّقها فالمسألة خلافية . فعن الشيخ في الخلاف(3)الصحّة ، بل عن الشهيدين في غاية المراد(4) والروض(5) والمقدس الأردبيلي في مجمع البرهان(6) الميل أو القول إليها ، والمحكي عن أبي علي(7) والشيخ في المبسوط(8) والعلاّمة(9) وولده(10) وغيرهم(11) عدم الصحّة ، واختاره
- (1) جواهر الكلام: 42 /427 .
- (2) تقدّم في ص90 ـ 94 .
- (3) الخلاف : 5 / 208 مسألة 86 .
- (4) غاية المراد: 382 (مخطوط) .
- (5) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 157 .
- (6) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 142 ـ 143 .
- (7) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 456 مسألة 135 .
- (8) المبسوط : 7 / 110 .
- (9) إرشاد الأذهان: 2 / 212 ، مختلف الشيعة: 9 / 457 مسألة 135 .
- (10) إيضاح الفوائد: 4 / 641 .
- (11) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام: 15 / 309 .
(الصفحة 442)
صاحب الجواهر(1) .
وعمدة ما يستدلّ به عليه أنّه إبراء ممّا لا يجب ، وأنّه إسقاط لحقّ الغير وهو الوليّ ، نظراً إلى أنّ القصاص إنّما يكون مجعولاً للوارث ، كما هو ظاهر قوله تعالى:
{وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَد جَعَلنَا لِولِيِّهِ سُلطَاناً}(2) ، فإنّ ظاهره جعل السلطنة ابتداء للوارث من دون أن يكون منتقلاً إليه من المورِّث ، كسائر ما تركه من مال أو حقّ ، بل ومثل القصاص الدية وإن تعلّقت بها وصاياه وديونه ، للدليل .
وعليه فلا مجال لجعل العفو المفروض من مصاديق الوصيّة للقاتل ، وإن حكي عن الشيخ في الخلاف أنّه قال: يصحّ العفو عنها وعمّا يحدث عنها ، فلو سرت كان عفوه ماضياً من الثلث ، لأنّه بمنزلة الوصية(3) . وذلك لأنّ مورد الوصية إنّما هو مال الميّت أو حقّه ، وبعد عدم كون القصاص حقّاً له بوجه لا يبقى وجه للحكم بكونه وصية يترتّب عليه أحكامها .
هذا ، ولكنّ الظاهر الذي يساعد الاعتبار أنّ حقّ القصاص إنّما يكون للميّت ابتداء ، لأنّه عوض نفسه ، كما أنّ حقّ الاقتصاص في الطرف ثابت للمجنيّ عليه ، غاية الأمر إنّ الفرق بينهما هو إمكان استيفاء الحقّ في الثاني للمجنيّ عليه وعدم إمكانه في الأوّل له ، ولأجله ينتقل إلى الوارث خصوصاً مع ما ذكرنا من أنّ المراد بالوليّ هو الوارث ، وخروج الزوج والزوجة أو المتقرّب بالاُمّ مطلقاً أو خصوص الإخوة والأخوات ـ كما مرّ البحث فيه(4) ـ لا ينافي ذلك ، كخروج الزوجة عن إرث
- (1) جواهر الكلام: 42 / 430 .
- (2) الإسراء 17 : 33 .
- (3) الخلاف : 5 / 208 مسألة 86 .
- (4) مرّ في ص290 ـ 292 .
(الصفحة 443)التاسع : لو عفا الوارث الواحد أو المتعدّد عن القصاص سقط بلا بدل فلايستحقّ واحد منهم الدية رضي الجاني أو لا ، ولو قال: عفوت إلى شهر أو إلى سنة لم يسقط القصاص ، وكان له بعد ذلك القصاص . ولو قال : عفوت عن نصفك أو عن رجلك، فإن كنى عن العفو عن النفس صحّ وسقط القصاص ، وإلاّ ففي سقوطه إشكال بل منع . ولو قال: عفوت عن جميع أعضائك إلاّ رجلك مثلاً ، لا يجوز له قطع الرجل ولا يصحّ الإسقاط1..
بعض الأموال في كتاب الإرث . وعليه فلا يكون مرجع العفو إلى إسقاط حقّ الغير وهو الولي ، بل إسقاط لحقّ نفسه .
وأمّا كونه إبراء ممّا لا يجب ، فلا مانع منه بعد قيام الدليل على جوازه وصحّته في بعض الموارد ، كالإبراء عن الجناية للطبيب والبيطار ، بل في المقام يكون بطريق أولى ، لأنّه هناك كان الإبراء عن الجناية قبلها ، وهنا يكون بين الجناية وبين السراية كما هو المفروض . مضافاً إلى دلالة عموم مثل قوله(صلى الله عليه وآله): «المؤمنون عند شروطهم»(1) عليه ، وإلى ما ورد من الترغيب في العفو شرعاً الملازم للصحّة والتأثير ، ولعلّه لما ذكرنا جعل الأوجه في المتن الصحّة ، فتدبّر .
1 ـ في هذا الفرع فروض:
أحدها: ما لو عفا الوارث ـ واحداً كان أو متعدّداً ـ عن القصاص فهل يسقط بلا بدل أو تستحقّ الدية مع سقوط القصاص خصوصاً مع رضا الجاني بذلك؟ الظاهر هو الأوّل ، لما مرّ في المسألة الاُولى من مسائل كيفية الاستيفاء من أنّ الثابت في قتل العمد هو القصاص على سبيل التعيّن لا الدية ولا التخيير بينها وبينه ، وعليه فما هو
- (1) وسائل الشيعة: 15/30 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب20 ح4 .
(الصفحة 444)العاشر : لو قال: عفوت بشرط الدية ، ورضي الجاني وجبت دية المقتول لا دية القاتل1..
الثابت ليس إلاّ القصاص فقط ، والمفروض عفو الوارث عنه ، فلا مجال لثبوت البدل له ولو مع رضا الجاني بذلك .
ثانيها : ما لو قال الوارث : عفوت إلى شهر أو إلى سنة ، الظاهر بطلان العفو في هذا الفرض ، لأنّ القصاص الذي هو حقّ ثابت للولي لا يكون مرتبطاً بالزمان ومتفرّقاً على أجزائه ، فتقييده بالشهر أو السنة يوجب عدم وقوعه صحيحاً ، إلاّ أن يكون مراده تأخير إجرائه إلى ذلك الزمان ، ولا دليل على لزوم العمل به حينئذ أيضاً . أو يقال: إنّ التقييد بالزمان المذكور حيث يستلزم بطلان العفو فلِمَ لا يكون التقييد باطلاً ، وعليه فيبقى إطلاق العفو بحاله ، ولازمه سقوط القصاص ، فتدبّر .
ثالثها: ما لو قال الوارث : عفوت عن نصفك مثلاً أو عن رجلك ، فإن كان المراد هوالعفو عن قصاص النفس وقدوقع التعبيربذلك كناية عنه فالظاهرصحّته وسقوط القصاص ، وإلاّ ففي سقوط القصاص إشكال بل منع ، لعدم تبعّضه في النفس فالتقييد بالبعض لا يكاد يقع صحيحاً، فلا يترتّب عليه سقوط القصاص بوجه .
رابعها: ما لو قال الوارث: عفوت عن جميع أعضائك إلاّ رجلك مثلاً ، وظهر ممّا ذكرنا في الفرض الثالث عدم صحّة هذا النحو من الإسقاط ، ويترتّب عليه عدم سقوط حقّ القصاص بوجه ، كما أنّه لا يجوز له قطع الرجل في المثال ، سواء قلنا بعدم سقوط حقّ القصاص أو قلنا بالسقوط ، كما لا يخفى .
1 ـ الوجه في ثبوت دية المقتول دون القاتل إذا اختلفا في الدية كالرجل والمرأة، وضوح كون المراد وقوعها عوضاً عن المقتول بدلاً للقصاص الذي كان هو حق