(الصفحة 64)
والوجه في ثبوت القود في الفرضين وإن كانا مختلفين بالظهور والخفاء ، ما أفاده المحقّق من أنّ الإلقاء في البحر إتلاف بالعادة ، سيّما مع كون المقصود هو تحقّق القتل به ، كما هو المفروض في هذه الفروع ، ومجرّد تعلّق القصد بكيفية خاصة غير متحقّقة ـ لأنّ المقصود هو القتل بالغرق لا بالتقام الحوت ـ لا يوجب الخروج عن قتل العمد ، بعد كون التقام الحوت أحد طرق القتل بالبحر . فهو كما لو ألقى من علو يقتل مثله فأصابته سكّين مثلاً فقتلته ، ولا مجال لتنظير المقام بما لو رمى من شاهق فاستقبله غيره فقدّه نصفين ، الذي سيأتي ثبوت القود فيه على القادّ لا الرامي ، لأنّ المباشر للقتل فيه هو القادّ ، فالقود عليه ، وهذا بخلاف المقام الذي يستند القتل إلى الملقي ، وإن لم يتحقّق القتل بالكيفية المقصودة له .
وبالجملة: لا فرق بين ما إذا كان التقام الحوت له بعد الغرق أو كان قبله ، كما مرّ أنّه لا فرق بين ما إذا كان الالتقام بعد الوصول إلى البحر أو كان قبل الوصول إليه .
الثالث: ما لو ألقاه إلى البحر وقبل وصوله إليه وقع على حجر أو نحوه فقتل ، أو كما في الجواهر(1) اختطفه طير ونحوه ممّا لا مدخلية له في التلف بالألقاء في البحر . وقد حكم فيه في المتن بثبوت الدّية ، وظاهره أنّه لا مجال للإشكال فيه ، وأنّه لا وجه للحكم بثبوت القود في هذه الصورة ، ولعلّ الوجه فيه أنّ القتل الواقع بمثل الحجر أو اختطاف الطير لا يرتبط عادة بالبحر ، فإنّ القتل الواقع بسببه إمّا بطريق الغرق أو التقام الحوت أو نحوهما . وعليه فما قد تحقّق من القتل بمثل الحجر لم يكن مقصوداً بوجه .
ولكنّه يمكن الإيراد عليه بأنّه بعدما كان المقصود هو القتل وفعل ما يوجب
- (1) جواهر الكلام: 42 / 42 .
(الصفحة 65)مسألة 30 ـ لو جرحه ثم عضّه سبع وسرتا فعليه القود لكن مع ردّ نصف الدية ، ولو صالح الوليّ على الدية فعليها نصفها إلاّ أن يكون سبب عضّ السبع هو الجارح فعليه القود ، ومع العفو على الدية عليه تمام الدية1.
مسألة 31 ـ لو جرحه ثمّ عضّه سبع ثمّ نهشته حيّة فعليه القود مع ردّ ثلثي الدية ، ولو صالح بها فعليه ثلثها ، وهكذا . وممّا ذكر يظهر الحال في جميع موارد اشتراك الحيوان مع الإنسان في القتل2..
تحققه يثبت القود ، وإن كان سبب القتل أمراً آخر غير مقصود بل ولا غير مترقّب ، فهو شبيه بالقتل بالسكين في المثال المتقدّم الذي عرفت ثبوت القصاص فيه ، فتدبّر.
1 ـ الوجه في ثبوت القود كون الجرح مؤثِّراً في القتل بالسراية ولو لم يكن مستقلاًّ في التأثير ، وقد عرفت أنّ مقتضى ثبوت القصاص في مورد الشركة عدم اعتبار الاستقلال في التأثير فيه ، والمقام أيضاً من هذا القبيل ، غاية الأمر كون الشركة بين الإنسان والحيوان ، وعليه فإذا أراد الوليّ القصاص فاللاّزم عليه ردّ نصف الدية ، واحتمال كون اشتراك الحيوان مع الإنسان يوجب ثبوت تمام الضمان على الإنسان; لعدم كون الحيوان ضامناً مدفوع بأنّ عدم ضمانه لا يستلزم كون الضمان بتمامه على الإنسان ، فلو صالح الوليّ على الدية لا يجب عليه إلاّ نصفها لا تمامها . نعم يتحقق الاستقلال ويخرج من الاشتراك ما لو كان سبب العضّ هو الجارح ، كما لو ألقي المجروح إلى سبع عضّه ، فإنّ الحكم فيه ثبوت القود بلا ردّ ، ومع المصالحة على الدية يجب تمامها .
2 ـ يظهر حكمه ممّا ذكر في المسألة السابقة . نعم ينبغي التنبيه على أنّ تعدّد
(الصفحة 66)مسألة 32 ـ لو حفر بئراً ووقع فيها شخص بدفع ثالث فالقاتل الدافع لا الحافر ، وكذا لو ألقاه من شاهق وقبل وصوله إلى الأرض ضربه آخر بالسيف مثلاً فقدّه نصفين ، أو ألقاه في البحر وبعد وقوعه فيه قبل موته مع بقاء حياته المستقرّة قتله آخر ، فإنّ القاتل هو الضارب لا الملقي1..
الحيوان يوجب تعدّد الشركاء ، ولا مجال لحساب المجموع واحداً . نعم كما أنّه لا يلاحظ في موارد اشتراك أفراد الإنسان إلاّ عددهم ، ولا يحاسب مقدار تأثير أفعالهم قلّة وكثرة ، كذلك لا يلاحظ في المقام تعدّد العضّ والنهش ونحوهما ، بل الملاك أصل التأثير .
1 ـ ظاهر مسألة حفر البئر في كلمات الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ هو ما لو كان الحفر مأذوناً ومشروعاً ، ولم يكن غرض الحافر إلاّ مجرّد حفر البئر لبعض حوائجه ، لا قتل الغير ، كما أنّ المفروض صورة علم الدّافع بوجودها ، وأنّ دفعه دفع إلى البئر وموجب للوقوع فيها ، ولا شبهة فيه في أنّ القاتل هو الدافع لا الحافر، لأنّ عمله لاتأثير له إلاّ كتأثيرالشرط البعيدالذي لا يستند إليه الفعل بوجه.
هذا ، ولكن ظاهر المتن بملاحظة الفرعين المذكورين بعد فرع البئر ، أنّ المفروض ما لو كان قصد الحافر قتل المدفوع ، ولكنّه وقع الدفع بفعل الدافع فمات ، وكيف كان فلا خفاء في أنّ القود على الدافع العالم المختار; لاستناد القتل إليه ، والمفروض كون عمله قد أثّر في القتل ، وحفر البئر ولو كان مقروناً بقصد القتل ولكنّه لم يكن القتل مستنداً إلى الحافر ، فلا وجه لثبوت الضمان عليه . وقد مرّ في بعض المباحث السابقة(1) أنّه لو كان الدافع جاهلاً بوجود البئر وكان البئر محفورة
(الصفحة 67)مسألة 33 ـ لو أمسكه شخص وقتله آخر وكان ثالث عيناً لهم فالقود على القاتل لا الممسك ، لكنّ الممسك يحبس أبداً حتّى يموت ، والربيئة تسمل عيناه بميل محمى ونحوه1..
عدواناً وبنحو غير مشروع يكون الضمان على الحافر ، لقوّة السبب في هذا الفرض ، بخلاف المقام . وممّا ذكرنا يظهر وجه الحكم في الفرضين الآخرين .
ثمّ إنّ هذه المسألة شروع في عنوان رابع في الجناية الموجبة لتحقّق الموت ، وهو ما لو كانت متحقّقة بانضمام إنسان آخر ، واحد أو متعدّد ، غير المجنيّ عليه ، وبعبارة أُخرى كان عمل أزيد من إنسان واحدمؤثِّراً في تحقّق الجنايةوالموت،كالحفر والدفع في المثال الأوّل ، والإلقاء والضرب في المثال الثاني ، والإلقاء والقتل في المثال الثالث.
1 ـ وجه ثبوت القود على القاتل دون الممسك مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة لاستناد القتل إليه دونه ، ما ورد من الروايات الدالّة عليه وعلى أنّ الممسك يحبس أبداً حتى يموت ، مضافاً إلى ما في الجواهر من قوله: بلا خلاف أجده في شيء من ذلك بل عن الخلاف(1) والغنية(2) وغيرهما الإجماع عليه(3) .
وأمّا الرّوايات :
فمنها: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى علي (عليه السلام) في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر ، قال: يقتل القاتل ، ويحبس الآخر حتى يموت غمّاً ، كما حبسه
- (1) الخلاف: 5 / 174 مسألة 36 .
- (2) غنية النزوع: 407 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 46 .
(الصفحة 68)
حتّى مات غمّاً . الحديث(1) .
ومنها: رواية سماعة قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شدّ على رجل ليقتله ،
والرجل فارّ منه ، فاستقبله رجل آخر فأمسكه عليه حتّى جاء الرّجل فقتله ، فقتل الرجل الذي قتله ، وقضى على الآخر الذي أمسكه عليه أن يطرح في السجن أبداً حتى يموت فيه ، لأنّه أمسكه على الموت(2) .
والظاهر أنّ قتل الرجل القاتل إنّما كان بعنوان القصاص ، وعليه فالظّاهر اعتبار وجود الشرائط فيه التي منها اختيار وليّ المقتول .
وقد ورد في الممسك صحيحة حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يخلّد في السجن إلاّ ثلاثة: الذي يمسك على الموت ، والمرأة ترتدّ عن الإسلام ، والسارق بعد قطع اليد والرجل(3) .
وأمّا ما ورد في الربيئة التي معناها هو الناظر المراقب لأن يتحقّق القتل فهو رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) : واحد منهم أمسك رجلاً ، وأقبل الآخر فقتله ، والآخر يراهم ، فقضى في صاحب الرؤية أن تسمل عيناه ، وفي الذي أمسك أن يسجن حتّى يموت كما أمسكه ، وقضى في الذي قتل أن يقتل . ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) نحوه(4) ، وقد عمل بها الأصحاب ، بل في محكيّ الخلاف الإجماع عليه(5) ، والمراد من قوله:
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 35 ، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 1 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 35 ، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 2 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 550 ، أبواب حدّ المرتد ب 4 ح3 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 35 ، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 3 .
- (5) الخلاف : 5 / 174 مسألة 36 .