(الصفحة 76)
الحكم في الصورة الاُولى ، لأنّ التوعيد بالقتل بمجرّده لا يوجب تحقّق الإكراه مع كون المُكرَه عليه هو قتل نفس المُكرِه ، لأنّه لا معنى للفرار عن القتل المتوعّد به بإيجاده نفسه ، ولا مجال لرفع الخوف عن القتل بسبب فعله .
الثالثة: ما إذا كان في البين إكراه ، وقد فرضها في محكيّ المسالك(1) وكشف اللّثام(2) بقولهما: «نعم لو كان التخويف بنوع من القتل أصعب من النوع الذي قتل به نفسه ، فدفعه به ، اتّجه حينئذ تحقّق الإكراه ، وترتّب القصاص حينئذ على المُكرِه الّذي هو أقوى من المباشر» .
ويمكن فرضها فيما إذا كان صدور القتل من المُكرِه مبغوضاً للمُكرَه زائداً على أصل القتل ، فيختار القتل لئلاّ يتحقّق من المُكرِه الآمر ، وقد احتمل فيها في المتن ثبوت الحبس أبداً بالنسبة إلى المُكرِه; لعدم الفرق بين هذه الصورة وبين صورة الإكراه على قتل الغير ، التي قد عرفت ثبوت الحبس كذلك فيها فيما تقدّم .
ويحتمل عدم الثبوت; لعدم شمول دليله لمثل هذه الصورة ، وإلغاء الخصوصية غير ظاهر .
وأمّا ترتّب القصاص كما في عبارتي المسالك والكشف فلا يظهر له وجه; لعدم صيرورة قتل النفس مشروعة بمجرّد ذلك ، فهو كقتل الغير الذي لا يسوغ بمجرّد الإكراه ، فأيّ فرق بين الصورتين . وكون القتل المتوعَّد به أصعب أو مبغوضاً لا يجوِّز صدور القتل الإكراهي ، وإلاّ لجاز ـ كما في الجواهر ـ للعالم بأنّه يموت عطشاً مثلاً أن يقتل نفسه بالأسهل من ذلك(3) . ولجاز للمريض الذي يعلم بأنّ مرضه
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 90 .
- (2) كشف اللثام: 2 / 444 .
- (3) جواهر الكلام : 42 / 54 .
(الصفحة 77)مسألة 37 ـ يصحّ الإكراه بما دون النفس ، فلو قال له: اقطع يد هذا وإلاّ قتلتك ، كان له قطعها وليس عليه قصاص ، بل القصاص على المُكرِه ، ولو أمره من دون إكراه فقطعها فالقصاص على المباشر ، ولو أكرهه على قطع إحدى اليدين فاختار إحداهما ، أو قطع يد أحد الرجلين فاختار إحداهما فليس عليه شيء ، وإنّما القصاص على المُكرِه الآمر1..
ينجرّ إلى موته أن يقتل نفسه تخلّصاً عن الوجع والألم الذي هو لازم المرض ، ومن المعلوم خلافه .
ثمّ إنّه على فرض جواز القتل ومشروعيته في هذه الصورة ، يكون ثبوت القصاص على المُكرِه غير معلوم أيضاً ، لأنّ جوازه للمُكرَه لا يوجب الإستناد إلى المُكرِه ، وسيأتي البحث في هذه الجهة في المسألة الآتية .
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: الإكراه بما دون النفس ، مثل ما إذا قال له: «اقطع يد هذا وإلاّ قتلتك» ، ولا شبهة في الجواز في هذا الفرض; لشمول إطلاق دليل رفع الإكراه له ، وعدم وجود ما يدلّ على استثنائه منه ، كاستثناء الإكراه على القتل على ما مرّ ، ومقتضى الشمول مضافاً إلى رفع الحرمة التي هي حكم تكليفي رفع الحكم الوضعي ، وهو ضمان القصاص أو الدية ، فلا شيء على المُكرَه القاطع في المثال .
وأمّا المُكرِه الآمر ، فظاهرهم كما في المتن ثبوت القصاص عليه ، والمحكيّ عن القواعد(1) الإشكال فيه ، نظراً إلى أقوائية السبب عن المباشر وإلى عدم المباشرة ، فتجب عليه الدية دون القصاص .
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 282 .
(الصفحة 78)
وأورد عليه في الجواهر ، بأنّ وجوب الدية ليس إلاّ لأجل قوّة السبب على المباشرة ، وهي مقتضية لثبوت القصاص دون الدية(1) .
أقول: أمّا القصاص ، فمنشأه الأقوائية ، والوجه فيها غير واضح ، فإنّ الأقوائية إن كانت مستندة إلى نفس الإكراه ، فاللاّزم الحكم بثبوت القصاص في جميع موارد الإكراه ولو كان المُكرَه عليه هو القتل ، وإن كانت مستندة إلى الإكراه الخاصّ المتحقّق في مثل المقام ، وهو ما لو كان الإكراه موجباً لرفع الحرمة عن العمل المكرَه عليه ، فنقول: إنّ مجرّد ذلك لا يوجب الأقوائية المستلزمة لاستناد الفعل إلى المُكرِه الآمر ، واللاّزم تحقّق هذا الاستناد حتّى يثبت القود .
والظاهر إنّ رفع الحرمة عن المُكرَه المأمور لا يوجب الاستناد إلى المُكرِه الآمر ، كما في مثل الإكراه على شرب الخمر ، فإنّ الإكراه فيه وإن كان موجباً لرفع الحرمة ، فلا يترتّب عليه حدّ شرب الخمر ، إلاّ أنّه لا يوجب الإستناد إلى المُكرِه الآمر ، حتّى يكون هو شارب الخمر فيترتّب على عمله المحرّم الحدّ ، كما لا يخفى .
نعم لايبعد الحكم بثبوت الدّية ، لئلاّ يذهب عضو المسلم هدراً ، وإن كان فيه تأمّل أيضاً ، لاحتمال ثبوت الدّية في بيت المال .
الثاني: الأمر بالقطع من دون إكراه واشتمال على التوعيد والتخويف ، ولا خفاء فيه في ثبوت القصاص على المباشر ، لعدم ارتفاع الحرمة بمجرّد الأمر ، وكون صدوره عن إرادة واختيار .
الثالث: الإكراه على قطع إحدى اليدين بنحو الابهام والتخيير ، أو قطع يد أحد الرجلين كذلك ، وقد تردّد في ثبوت القصاص فيه أوّلاً في الشرائع ، نظراً إلى أنّ
- (1) جواهر الكلام: 42 / 55 .
(الصفحة 79)مسألة 38 ـ لو أكرهه على صعود شاهق فزلقت رجله وسقط فمات ، فالظاهر أنّ عليه الدية لا القصاص ، بل الظاهر أنّ الآمر كذلك لو كان مثل الصعود موجباً ..
التعيين عري عن الإكراه . ثم قال: والأشبه القصاص على الآمر ، لأنّ الإكراه تحقّق ، والتخلّص غير ممكن إلاّ بأحدهما(1)
أقول: البحث فيه إنّما هو بعد الفراغ عن ثبوت القصاص على الآمر في الفرع الأوّل ، وإلاّ فبناء على المناقشة في ذلك كما ذكرنا لا يبقى مجال لهذا البحث ، وعلى تقدير الفراغ فالظّاهر أنّه لا فرق بين هذا الفرع والفرع الأوّل من جهة تحقّق الإكراه ، وحصول التعيين عن إختيار وترجيح لا ينافي الإكراه بوجه ، ضرورة أنّ الخصوصيات في جميع موارد الإكراه إنّما تنشأ عن اختيار المكرَه من دون أن يكون للإكراه دخل فيها ، ألا ترى أنّه في الإكراه على شرب الخمر مثلاً يكون المكرَه عليه هو نفس تحقّق هذا العنوان ، وأمّا وقوعه في زمان كذا ، أو مكان كذا ، أو في ظرف كذا ، أو في حالة كذا ، أو في غيرها من سائر الخصوصيات فهي خارجة عن دائرة الإكراه ، وغير منافية لتحقّقه الموجب لرفع ما استكرهوا عليه ، وقد ثبت في باب العبادات التي يعتبر فيها قصد القربة أنّ اختيار الخصوصيات لا يلزم أن يكون بداع إلهي ، بل لا مانع من اختيارها بالدواعي النفسانية .
وبالجملة: لا مجال للإشكال والترديد في المقام ، بل ما يختاره المكرَه من إحدى اليدين أو أحد الرجلين يكون مرفوعاً عنه ، والقصاص حينئذ على المكرِه ، بناء على ثبوته في الفرع الأوّل .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 976 .
(الصفحة 80)للسقوط غالباً على إشكال1.
مسألة 39 ـ لو شهد اثنان بما يوجب قتلاً كالارتداد مثلاً ، أو شهد أربعة بما يوجب رجماً كالزنا ، ثم ثبت أنّهم شهدوا زوراً بعد إجراء الحدّ أو القصاص لم .
1 ـ المهمّ في هذه المسألة ملاحظة أنّ ما ذكرنا من ضابطة قتل العمد الموجب للقصاص ، وهي ما لو كان العمل مؤثِّراً في القتل غالباً ، أو كان مقروناً بقصد القتل وإن لم يكن مؤثِّراً فيه كذلك ، هل يختصّ بما إذا كان هناك مباشرة الجاني ، أو يجري في صورة الإكراه أيضاً؟ فإذا كان العمل المكرَه عليه مؤثِّراً في القتل غالباً ، أو كان قصد المكرِه القتل وإن لم يكن المكرَه عليه كذلك ، يثبت القصاص على المكرِه ، لتحقّق قتل العمد منه . يظهر من صاحب الجواهر الوجه الثاني وان احتمل الأوّل أيضاً(1) .
والظاهر أنّه لا مجال للإحتمال الثاني ; لأنّ الإكراه لا يوجب الاستناد إلى المكرِه بحيث كان هو الفاعل بنظر العرف ، وإلاّ يلزم أن يكون في مورد الإكراه على القتل أن يثبت القود على المكرِه ، مع أنّك قد عرفت عدم ثبوته عليه في الإكراه على قتل الغير ، بل الثابت هو الحبس مؤبَّداً . وفي الإكراه على قتل النفس يحتمل ثبوت الحبس كذلك ، ويحتمل عدم ثبوت شيء عليه أصلاً . فمن ذلك يظهر أنّ الإكراه لا يصحّح الإستناد بوجه .
والفرق بين الإكراه على القتل والإكراه على غيره ، بعدم كون الإكراه موجباً للمشروعية في الأوّل دون الثاني ـ مضافاً إلى إمكان منعه فيما إذا كان الصعود على شاهق كالجبل والشجر ونحوهما مستلزماً للسقوط غالباً ـ لا يوجب الفرق من
- (1) جواهر الكلام: 42 / 56 .