(الصفحة 163)
الصادقين(عليهما السلام)(1)، والفصل بينهما، وبين زمان الجاهليّة يكون أزيد من مائة وخمسين سنة، فكيف يجوز حمل رواياتهما على ما ذكر ، فتدبّر جيّداً.
وإلى أنّ الأمر التعجيزي يوم القيامة بالنفخ لا يلائم ما ذكره .
- (1) راجع وسائل الشيعة 5: 303 ـ 308، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب3، وج17: 295ـ 298 كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب94.
(الصفحة 164)حرمة الغناء
مسألة 13 : الغناء حرام فعله وسماعه والتكسّب به، وليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه وترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو، ومحافل الطرب، وآلات اللهو والملاهي ، ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ; من قراءة القرآن والدعاء والمرثية، وغيره من شعر أو نثر ، بل يتضاعف عقابه لو استعمله فيما يُطاع به الله تعالى .
نعم ، قد يستثنى غناء المغنّيات في الأعراس، وهو غير بعيد، ولا يترك الاحتياط بالاقتصار على زفّ العرائس والمجلس المعدّ له مقدّماً ومؤخّراً، لا مطلق المجالس ، بل الأحوط الاجتناب مطلقاً1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات :
المقام الأوّل : في حكم الغناء من حيث حرمة الفعل، والسماع، والتكسّب به وعدمه ، ويدلّ على الحرمة ـ مضافاً إلى دعوى الإجماع عليها من أصحابنا الإماميّة وفقهائنا ، بل دعوى الضرورة الدينيّة من جملة من الأجلاّء(1)وإن نوقش(2) فيها بعدم دلالة مثلها على الكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) بعد وجود روايات مستفيضة في تفسير جملة من الآيات الكريمة الآتية ، بل ادّعاء التواتر من محكي الإيضاح(3) ـ طائفة من الآيات :
منها : قوله ـ تعالى ـ {وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ}(4)، حيث وردت في تفسيره
- (1) رياض المسائل 8 : 62 ، جواهر الكلام 22: 44، مستند الشيعة 14: 126.
- (2) المناقش هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 477.
- (3) إيضاح الفوائد 1: 405.
- (4) سورة الحجّ 22: 30.
(الصفحة 165)
روايات، مثل :
صحيحة زيد الشحّام قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوله ـ عزّوجلّ ـ : {وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ}قال : قول الزور: الغناء(1) .
ومرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله ـ تعالى ـ : {وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ} قال : قول الزور: الغناء(2) .
ورواية أبي بصير ـ التي في طريقها سهل بن زياد ـ قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله ـ عزّوجلّ ـ : {فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الاَْوْثَـنِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ} قال: الغناء(3).
وما عن تفسير علي بن إبراهيم ـ صحيحاً ـ عن هشام، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله ـ تعالى ـ : {فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الاَْوْثَـنِ وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ} قال : الرجس من الأوثان: الشطرنج ، وقول الزور: الغناء(4) .
وبعض آخر من الروايات الواردة في تفسير الآية (5) وإن كان الأمر بالاجتناب
- (1) الكافي 6: 435 ح2، الفقيه 4: 41 ح135، وعنهما وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح2 وص318 ب102 ح1.
- وفي بحارالأنوار 79: 244 ح17 عن أمالي الطوسي 294 ح575 بسند آخر عن الصادق (عليه السلام) .
- (2) الكافي 6: 436 ح7، وعنه وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح8 وص318 ب103 ح3، ومرآة العقول 22: 308 ح7، و رواه في بحار الأنوار 67: 135 مرسلاً.
- (3) الكافي 6: 431 ح1، وعنه وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح9، ومرآة العقول 22: 300 ح1.
- (4) تفسير القمّي 2: 84 ، وعنه وسائل الشيعة 17: 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح26.
- (5) وسائل الشيعة 17: 303 ـ 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ، وبحار الأنوار 79: 239ـ 247 ب99 وغيرهما.
(الصفحة 166)
لا دلالة له على الحرمة كما ذكرناه مراراً .
وقوله ـ تعالى ـ : {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}(1) فقد ورد في تفسيره روايات دالّة على أنّه الغناء، أو منه الغناء، مثل :
رواية مهران بن محمّد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : الغناء ممّا قال الله ـ عزّوجلّ ـ : {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم}(2) .
ورواية الوشاء قال : سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول : سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) (يسأل خ ل) عن الغناء ، فقال : هو قول الله ـ عزّوجلّ ـ : {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم}(3) .
وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : الغناء ممّا وعد الله عليه النار، وتلا هذه الآية {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم وَ يَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَـلـِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}(4) .
ويستفاد من هذه الرواية كون الغناء من المحرّمات الكبيرة; لوجود الضابطة المذكورة للمعاصي الكبيرة; وهو إيعادالله ـ تعالى ـ عليه في الكتاب النار فيها، كما لايخفى.
- (1) سورة لقمان 31: 6.
- (2) الكافي 6: 431 ح5، وعنه وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح7، ومرآة العقول 22: 301 ح5.
- (3) الكافي 6: 432 ح8، وعنه وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح11، ومرآة العقول 22: 302 ح8 .
- (4) الكافي 6: 431 ح4، وعنه وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح6، ومرآة العقول 22: 301 ح4.
(الصفحة 167)
ومنها: قوله ـ تعالى ـ : {وَ الَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ}(1).
فقد ورد في تفسيره صحيحة محمّد بن مسلم وأبي الصباح الكنائي، أو عن أبي الصباح الكناني عن أبى عبدالله (عليه السلام) في قول الله ـ عزّوجلّ ـ : {وَ الَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال : (هو خ ل) الغناء(2).
ومنها: قوله ـ تعالى ـ : {وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}(3).
فإنّه قد ورد في تفسير القمّي عن الصادق (عليه السلام) {وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}التفسير بالغناء والملاهي (4).
هذا كلّه بالإضافة إلى الكتاب .
وأمّا السنّة، فتدلّ على الحرمة روايات مستفيضة :
منها : صحيحة زيد الشحّام قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تُجاب فيه الدعوة، ولا يدخله الملك(5) .
ودلالتها على أزيد من الكراهة ممنوعة .
ومنها : رواية يونس ـ التي في طريقها سهل ـ قال : سألت الخراساني (عليه السلام) عن الغناء وقلت : إنّ العبّاسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء ؟ فقال : كذب الزنديق
- (1) سورة الفرقان 25: 72.
- (2) الكافي 6: 431 و433 ح6 و 13، وعنه وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح3 و 5، ومرآة العقول 22: 301 و 304 ح6 و 13، ورواه في بحار الأنوار 69: 262 مرسلاً، وفي ج79: 240 ح3 عن تفسير القمّي 2: 117 مرسلاً.
- (3) سورة المؤمنون 23: 3.
- (4) تفسير القمّي 2: 88 ، وعنه بحار الأنوار 69: 45 وج79: 240 ح2.
- (5) الكافي 6: 433 ح15، وعنه وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح 1، ومرآة العقول 22: 305 ح15.