(الصفحة 173)
له: إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات وحمل الثمن إليك، وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحت، وتعليمهنّ كفر، والاستماع منهنّ نفاق، وثمنهنّ سحت (1).
ورواية عنبسة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : استماع اللّهو والغناء ينبت النفاق، كما ينبت الماء الزرع(2) .
ومرسلة إبراهيم بن محمّد المدني ـ التي في طريقها سهل أيضاًـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سئل عن الغناء وأنا حاضر؟ فقال : لا تدخلوا بيوتاً الله مُعرض عن أهلها(3) . ودلالتها على حرمة الاستماع ممنوعة، كما لايخفى .
ورواية مسعدة بن زياد قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) ، فقال له رجل: بأبي أنت واُمّي إنّي أدخل كنيفاً لي ، ولي جيران عندهم جوار يتغنّين ويضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهنّ ، فقال : لا تفعل ، فقال الرجل : والله ما آتيهنّ إنّما هو سماع أسمعه باُذني ، فقال : لله أنت، أما سمعت الله يقول : {وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِى عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـلـِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُولاً}(4)؟ فقال : بلى والله لكأنّي لم أسمع بهذه الآية ـ إلى أن قال :ـ قم فاغتسل وصلِّ ما بدا لك; فإنّك
- (1) الكافي 5: 120 ح7، تهذيب الأحكام 6: 357 ح1021، الاستبصار 3: 61 ح204، وعنها وسائل الشيعة 17: 123، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب16 ح5، وفي الوافي 17: 208 ح17128 ومرآة العقول 19: 81 ح7 عن الكافي.
- (2) الكافي 6: 434 ح23، وعنه وسائل الشيعة 17: 316، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب101 ح1 والوافي 17: 216 ح17151 ومرآة العقول 22: 306 ح23.
- (3) الكافي 6: 434 ح18، وعنه وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح12 والوافي 17: 215 ح1746 ومرآة العقول 22: 305 ح18.
- (4) سورة الإسراء 17: 36.
(الصفحة 174)
كنت مقيماً على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك، الحديث(1) .
ومسعدة بن زياد ثقة على ما حكي عن النجاشي والعلاّمة(2)، وتعبير الإمام (عليه السلام) في الجواب يدلّ على أنّه لم يكن جاهلاً قاصراً، وأنّه لم يكن كأنّه لم يسمع بهذه الآية التي استشهد بها الإمام (عليه السلام) ; ضرورة أنّه لو كان جاهلاً قاصراً لم يكن مقيماً على أمر عظيم، ومتّصفاً بسوء الحال عند الموت .
ورواية أبي أيّوب الخزّاز ـ وفي سندها سهل بن زياد ـ قال : نزلنا بالمدينة فأتينا أبا عبدالله (عليه السلام) ، فقال لنا : أين نزلتم؟ فقلنا : على فلان صاحب القيان ، فقال : كونوا كراماً، فوالله ما علمنا ما أراد به، وظننا أنّه يقول: تفضّلوا عليه، فعدنا إليه فقلنا: لا ندري ما أردت بقولك: «كونوا كراماً»؟ فقال : أما سمعتم الله ـ عزّوجلّ ـ يقول : {وَ إِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَامًا}(3)،(4).
ورواية ياسر ـ وفي سندها سهل أيضاًـ عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : من نزّه نفسه عن الغناء فإنّ في الجنّة شجرة يأمر الله ـ عزّوجلّ ـ الرياح أن تحرّكها فيسمع منها صوتاً لم يسمع مثله ، ومن لم يتنزّه عنه لم يسمعه(5) .
- (1) الكافي 6: 432 ح10، الفقيه 1: 45 ح177، تهذيب الأحكام 1: 116 ح303، وعنها وسائل الشيعة 3: 331، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة ب18 ح1، وفي الوافي 17: 211 ح17138 ومرآة العقول 22: 303 ح10 عن الكافي.
- (2) رجال النجاشي: 415، الرقم 1109، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: 281، الرقم 1029، معجم رجال الحديث 18: 134، الرقم 12273.
- (3) سورة الفرقان 25: 72.
- (4) الكافي 6: 432 ح9، وعنه وسائل الشيعة 17: 316، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب101 ح2 والوافي 17: 211 ح17137 ومرآة العقول 22: 306 ح9.
- (5) الكافي 6: 434 ح19، وعنه وسائل الشيعة 17: 317، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب101 ح3 والوافي 17: 215 ح17147 ومرآة العقول 22: 306 ح19.
(الصفحة 175)
ورواية الحسين بن علي بن يقطين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدّي عن الله ـ عزّوجلّ ـ فقد عبد الله، وإن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عُبد الشيطان(1) .
فالإنصاف أنّ هذه الروايات مع كثرتها كافية للحكم بأصل الحرمة وإن كان كثير منها لو خلّي ونفسه غير خال عن المناقشة في السند أو المتن ، مضافاً إلى ما عرفت(2) من ادّعاء الإجماع القطعي عليها، وإلى ما هو الثابت عند المتشرّعة من الحرمة ، فتدبّر .
الأمر الثالث : صريح المتن أنّه لا فرق في حرمة الغناء بين أن يكون في كلام حقّ من قراءة القرآن أو الدعاء أو المرثية، أو غيرها من نثر أو شعر أو في غيره ، بل ربما يتضاعف عقابه لو استعمله فيما يُطاع به الله تعالى ، ولكنّ المحكي عن جماعة عدم ثبوت الحرمة في القرآن والدعاء والمرثية، كما عرفت حكايةً عن الفاضلين الكاشاني والسبزواري في الوافي والكفاية (3).
وحكى مثله الشيخ عن المحقّق الأردبيلي، حيث إنّه ـ بعدما وجّه استثناء المراثي وغيرها من الغناء; بأنّه ما ثبت الإجماع إلاّ في غيرها، والأخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقاً ـ أيّد استثناء المراثي بأنّ البكاء والتفجّع مطلوب مرغوب، وفيه ثواب عظيم، والغناء معين على ذلك، وأنّه متعارف دائماً في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلى زماننا هذا من غير نكير ، ثمّ أيّده بجواز النياحة
- (1) الكافي 6: 434 ح24، وعنه وسائل الشيعة 17: 317، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب101 ح5 والوافي 17: 216 ح17152 ومرآة العقول 22: 306 ح24.
- (2) في ص172.
- (3) في ص: 168 ـ 170.
(الصفحة 176)
وجواز أخذ الاُجرة عليها ، و الظاهر أنّها لاتكون إلاّ معه، وبأنّ تحريم الغناء للطرب على الظاهر، وليس في المراثي طرب، بل ليس إلاّ الحزن(1)،(2) انتهى .
وقد صرّح بعدم ثبوت الحرمة في الاُمور الثلاثة المتقدّمة من قراءة القرآن والدعاء والمرثية صاحب المستند(3) . والعمدة ملاحظة ما يدلّ بأنظارهم على الجواز بعد ثبوت الإطلاق في أدلّة حرمة الغناء، وعدم التقييد فيها، ووضوح أنّه لا يجدي في الحكم بجواز الحرام كونه مقدّمة لأمر مستحبّ أو مباح .
نعم ، هنا روايات ربما يستدلّ بها على الجواز، مثل :
مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرأوه بالحزن(4) .
ومثلها رواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ أوحى إلى موسى بن عمران (عليه السلام) : إذا وقفت بين يديّ فقف موقف الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراة فاسمعنيها بصوت حزين(5) .
- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 ـ 63.
- (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 311.
- (3) مستند الشيعة 14: 144 ـ 152.
- (4) الكافي 2: 614 ح2، وعنه وسائل الشيعة 6: 208، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب22 ح1.
- ورواه الطبراني في المعجم الأوسط 3: 427 ح2923، و السيوطي فى الجاجع الصغير 1: 83 ح1335 عن بريدة باختلاف يسير.
- ورواه الشيخ البهائي في الكشكول 2: 16 مرسلاً.
- (5) الكافي 2: 615 ح6، وعنه وسائل الشيعة 6: 208، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب22 ح2 وبحار الأنوار 13: 358 ح64، وفي ج92: 191 ح 3 ومستدرك الوسائل 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب19 ح4672 عن دعوات الراوندي 23 ح30.
(الصفحة 177)
وأيضاً مثلها رواية حفص قال : ما رأيت أحداً أشدّ خوفاً على نفسه من موسى ابن جعفر (عليه السلام) ، ولا أرجى للناس منه، وكانت قراءته حزناً، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنساناً(1) .
ورواية معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل لا يرى أنّه صنع شيئاً في الدعاء وفي القراءة حتّى يرفع صوته ، فقال : لا بأس، إنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان يرفع صوته حتّى يسمعه أهل الدار، وإنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان إذا قام من الليل وقرأ رفع صوته فيمرّ به مارّ الطريق من الساقين وغيرهم فيقومون فيستمعون إلى قراءته(2) .
ورواية اُخرى لعبد الله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال النبيّ(صلى الله عليه وآله) : لكلّ شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن(3) .
ورواية أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال : إنّما ترائي بهذا أهلك والناس ، قال : يا أبا محمّد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، ورجّع بالقرآن صوتك; فإنّ الله ـ عزّوجلّ ـ يحبّ
- (1) الكافي 2:606 ح10، وعنه وسائل الشيعة 6: 209، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب22 ح3 وبحار الأنوار 48: 111 ح18، وفي ج92: 191 ذ ح 3 ومستدرك الوسائل 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ذ ح 4672 عن دعوات الراوندي 23 ذ ح30.
- (2) مستطرفات السرائر: 97 ح17، وعنه وسائل الشيعة 6: 209، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب23 ح2 وبحار الأنوار 85 : 82 ح23 وج92: 194 ح9.
- (3) الكافي 2: 615 ح9، وعنه وسائل الشيعة 6: 211، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب24 ح3.
- ورواه في بحار الأنوار 92: 190 ضمن ح2 ومستدرك الوسائل 4: 273، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب20 ح4680 عن جامع الأخبار: 131 ح263 عن أنس، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله).