(الصفحة 247)
وأمّا السوم ما بين الطلوعين، فيدلّ على حكمه قول النبيّ(صلى الله عليه وآله) في مرفوعة علي ابن اسباط ونهيه عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس(1) .
وأمّا الدخول في السوق أوّلاً والخروج منه آخراً، فيدلّ على حكمه مثل مرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : جاء أعرابيّ من بني عامر إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فسأله عن شرّ بقاع الأرض وخير بقاع الأرض ؟
فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله) : شرّ بقاع الأرض الأسواق; وهي ميدان إبليس، يغدو برايته، ويضع كرسيّه، ويبثّ ذرّيته، فبين مطفّف في قفيز، أو سارق في ذراع، أو كاذب في سلعة ، فيقول: عليكم برجل مات أبوه وأبوكم حيّ، فلا يزال مع ذلك أوّل داخل وآخر خارج .
ثمّ قال (عليه السلام) : وخير البقاع المساجد، وأحبّهم إلى الله أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها(2) .
وأمّا كراهة مبايعة الأدنين، فلم أظفر فيها برواية دالّة عليها بعد الفحص بالمقدار اللازم في الوسائل، إلاّ أنّ الاعتبار يساعدها; لعدم الاعتماد على أقوالهم وتعهّداتهم بالنسبة إلى الثمن والمثمن، أو الجهات الاُخرى المتعلِّقة بالمبايعة، كما لايخفى .
- (1) الكافي 5: 152 ح13، الفقيه 3: 122 ح529، تهذيب الأحكام 7: 8 ح28، وعنها وسائل الشيعة 17: 399، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب12 ح2، والوافي 17: 445 ح17610، وروضة المتّقين 7: 22.
- (2) الفقيه 3: 124 ح539، معاني الأخبار: 168 ح1، وعنهما وسائل الشيعة 5: 293، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد: ب68 ح1، وج17: 468، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب60 ح1.
- وفي بحار الأنوار 84 : 11 ح87 وج103: 97 ح228 عن المعاني.
- وفي روضة المتّقين 7: 28 ـ 36 عن الفقيه.
(الصفحة 248)
وأمّا كراهية التعرّض للكيل أو الوزن أو مثلهما إذا لم يحسنه، فيدلّ عليه مرسلة مثنّى الحنّاط، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : رجل من نيّته الوفاء وهو إذا كال لم يحسن أن يكيل ، قال : فما يقول الذين حوله؟ قلت : يقولون: لا يوفي ، قال : هذا(1) لا ينبغي له أن يكيل(2) .
ويدلّ على كراهة الاستحطاط من الثمن بعد العقد رواية إبراهيم الكرخي (الكلابي خ ل) قال : اشتريت لأبي عبدالله (عليه السلام) جارية ، فلمّا ذهبت أنقدهم قلت : أستحطّهم؟ قال : لا ، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة(3) .
وأمّا الدخول في سوم المؤمن، فقد جعل الأظهر الكراهة ونسب الحرمة إلى القيل ، ومنشأ الخلاف ما ورد في حديث المناهي عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) قال : ونهى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم(4) .
- (1) في الفقيه: هو ممّن، بدل «هذا».
- (2) الكافي 5: 159 ح4، تهذيب الأحكام 7: 12 ح47، الفقيه 3: 123 ح533، وعنها وسائل الشيعة 17: 394، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب8 ح1، والوافي 17: 484 ح17683 و 17684، وروضة المتّقين 7: 24 ـ 25.
- (3) الكافي 5: 286 ح1، تهذيب الأحكام 7: 80 ح345 وص233 ح1017، الاستبصار 3: 73 ح343، الفقيه 3: 145 ح641، وعنها وسائل الشيعة 17: 452، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب44 ح1، وروضة المتّقين 7: 143.
- وفي الوافي 17: 471 ح17660 عن الكافي والتهذيب والفقيه.
- وفي مرآة العقول 19: 383 عن الكافي.
- وفي ملاذ الأخيار 11: 450 ـ 451 عن التهذيب.
- (4) الفقيه 4: 3 ح1، وعنه وسائل الشيعة 17: 459، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب49 ح3، وروضة المتّقين 9: 340.
- وفي بحارالأنوار76:329 قطعة منح1،وج103: 80 صدر ح1 عن أمالي الصدوق:510 قطعة من ح707.
- ورواه في مكارم الأخلاق 2: 307 قطعة من ح2655.
(الصفحة 249)
والنهي وإن كان ظاهراً في الحرمة، إلاّ أنّه حيث لا يكون حديث المناهي نقيّ السند، فلا مجال لأزيد من الحكم بالكراهة، كما لايخفى ، ثمّ إنّ مورد الحكم ما إذا لم يكن البيع بالمزايدة، وإلاّ فلا كراهة فضلاً عن الحرمة .
(الصفحة 250)
ومنها : تلقّي الركبان والقوافل واستقبالهم للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد . وقيل : يحرم وإن صحّ البيع والشراء، وهو الأحوط وإن كان الأظهر الكراهة، وإنّما يكره بشروط :
أحدها : كون الخروج بقصد ذلك .
ثانيها : تحقّق مسمّى الخروج من البلد .
ثالثها : أن يكون دون الأربعة فراسخ ، فلو تلقّى في الأربعة فصاعداً لم يثبت الحكم، بل هو سفر تجارة . والأقوى عدم اعتبار كون الركب جاهلاً بسعر البلد ، وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء، كالإجارة ونحوها ؟ وجهان1.
1 ـ قد نقل صاحب الوسائل في الباب الذي عقده لذلك روايات متعدّدة، أربعة منها عن منهال القصّاب، ومن الظاهر أنّ الجميع رواية واحدة، غاية الأمر الاكتفاء في البعض على البعض، ولم أجد المنهال المزبور في الموثّقين بالخصوص، أو بالعموم، كالوقوع في أسناد كامل الزيارات، أوتفسير علي بن إبراهيم ، وأجمعها من حيث المتن قوله : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا تلقّ، فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن التلقّي ، قال : وما حدّ التلقّي؟ قال: مادون غدوة أو روحة.قلت: وكم الغدوةوالرّوحة؟ قال: أربعة فراسخ.
قال ابن أبي عمير ـ الراوي عن المنهال بواسطة ـ : وما فوق ذلك فليس بتلقّ(1) .
وبعض الروايات الاُخرى(2) أيضاً فاقدة من حيث الاعتبار سنداً بل
- (1) الكافي 5: 169 ح4، تهذيب الأحكام 7: 158 ح699، وعنهما وسائل الشيعة 17: 442، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب36 ح1، والوافي 17: 401 ح17518.
- وفي مرآة العقول 19: 161 ح4 عن الكافي.
- وفي ملاذ الأخيار 11: 264 ـ 265 عن التهذيب.
- (2) وسائل الشيعة 17: 442 ـ 444، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب36، ومستدرك الوسائل 13: 280ـ281 ب29.
(الصفحة 251)
ودلالةً، فراجع.
ولأجل ما ذكرنا جعل الأظهر في المتن الكراهة وإن احتاط بالحرمة، ولكن لايخفى أنّ المعاملة مع تلقّي الركبان غير باطلة; سواء كان بيعاً أو شراءً ; لعدم دليل على البطلان مطلقاً ، مع أنّه لم يقل بالفساد إلاّ الإسكافي(1) ، وعن ظاهر المنتهى الاتّفاق على خلافه (2)، ويعتبر في ثبوت الحكم اُمور :
الأوّل : كون قصده من ذلك الخروج للاستفادة من التجارة معهم لأجل عدم اطّلاعهم نوعاً على قيمة الأشياء ، والوجه في اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى أنّه القدر المتيقّن ـ انصراف كلمة التلقّي المذكورة نصّاً وفتوى إلى هذه الصورة .
الثاني : أن يكون دون الأربعة فراسخ الموجب لعدم تحقّق السفر الشرعي ولو رجع ليومه كما هو المتعارف ، وقد صرّح باعتبار هذا الأمر في رواية المنهال المتقدّمة ، فإذا بلغ أربعة فراسخ فهو سفر، والسفر للتجارة لا كراهة فيه .
الثالث : كون الركب جاهلاً بسعر البلد، وقد قوّى في المتن عدم اعتباره ، والوجه فيه إطلاق الدليل وعدم ما يدلّ على التقييد ، وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء كالإجارة ونحوها ؟ فقد احتمل وجهين في هذه الجهة: من إطلاق التلقّي المنهيّ عنه كما في الرواية ، ومن أنّ الظاهر خصوص البيع والشراء; لإمكان وقوعهما نوعاً في خارج المصر بخلاف غيرهما ، فتدبّر .
نعم ، لا يبعد إلحاق غير البيع ممّا هو مثله به، كالصلح مع العوض بخلاف الإجارة .
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة 5: 74 مسألة 37.
- (2) منتهى المطلب 2: 1005 ـ 1006، الطبعة الحجريّة.