(الصفحة 39)
الصيود، حيث حكم بنفي البأس فيه .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ظاهر لفظ الصيود باعتبار كون هذا الوزن من صيغ المبالغة، كالأكول والعنود واللجوج وأمثالها ، إلاّ أنّه بملاحظة وقوعه جواباً عن السؤال عن الكلب الذي لا يصيد أو ليس بكلب الصيد(1)، يكون المراد به وجود ملكة الاصطياد فيه والقدرة عليه وإن لم يكن موضوعه موجوداً بالفعل بعد وضوح عدم كون المراد هو الاشتغال بالفعل بالاصطياد في الخارج ، كما أنّ الظاهر اعتبار وجود الملكة بالفعل، فلا يكفي وجوده فيما انقضى حتّى يجري فيه النزاع الجاري في مسألة المشتقّ من كونه حقيقة فيما يكون متلبّساً بالمبدأ في الحال أو الأعمّ منه وممّن تلبّس به في الماضي، فلو زالت عنه القدرة لهرم أو مرض أو كسر أو غيرها يكون خارجاً عن هذا العنوان.
ثمّ إنّ احتمال كون المراد بالصيود الكلب السلوقي، يدفعه ـ مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر، ولا مجال لدعوى الانصراف; سواء قلنا بأنّ منشأه غلبة الوجود أو غلبة الاستعمال، وإلى ما عرفت في بعض المقدّمات ـ عدم كون السائل (ظاهراً) والإمام (عليه السلام) من أهل تلك القرية التي ربما لا يستمع مملكتها في طول السنة فضلاً عن تلك القرية . نعم ، ربما انعكس الأمر وقيل: إنّ المراد بالسلوقي في بعض كلمات الفقهاء هو خصوص الصيود مطلقاً، لكنّه أيضاً خلاف الظاهر ، وعلى أيّ لا يرتبط بالرواية الواردة فيها هذا العنوان .
هذا كلّه بالإضافة إلى كلب الصيد .
وأمّا الكلاب الاُخر التي استثناها في الذيل، فالظاهر عدم وجود دليل خاصّ
- (1) الفقيه 3: 105 ح435، وعنه وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح8.
(الصفحة 40)
بالإضافة إليها يدلّ على الجواز، ولأجله حكي عن الأشهر بين القدماء كما في مكاسب الشيخ الأعظم المنع(1); لعدم دلالة الأخبار على الجواز وإن حكي عن المشهور بين الشيخ ومن تأخّر عنه الجواز(2)، خصوصاً مع التصريح بصحّة استئجارها عليه وتعلّق الدية بإتلافها .
والذي يسهّل الخطب أنّ الحكم بالجواز لايحتاج إلى دليل خاصّ; لعدم ثبوت الإطلاق في الروايات المانعة كما عرفت(3)، وعدم قيام الدليل على مجرّد كون نجاسة المبيع مانعة عن صحّة البيع وجواز التجارة والتكسّب ، فعدم شمول الروايات المجوّزة لهذه الكلاب لعدم ظهور دليل جواز البيع بالإضافة إلى كلب الصيد في الاختصاص، لايقدح في الحكم بالجواز بعد ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة العقلائيّة لها، ومنها ما أشرنا إليه(4) من الكلاب المعلَّمة للتجسّس واستكشاف الموادّ المخدّرة أو الأسلحة المخرّبة، كما لايخفى .
بقي الكلام من الموارد المستثناة في ذيل المسألة من الاُمور الثلاثة أمران :
أحدهما : بيع العبد الكافر، وحيث إنّا قد حقّقنا في بحث النجاسات عدم نجاسة الكافر بمجرّد كفره ما لم يكن مشركاً(5)، مع أنّ بناء الماتن (قدس سره) على عدم التعرّض لمسائل العبيد والإماء، ولذا لم يتعرّض فيه لمثل كتاب العتق والتدبير ومثلهما; لعدم
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 54، مستند الشيعة 14: 85 ، المناهل: 276، رياض المسائل 8 : 45، وغيرها من الكتب.
- (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 55 ـ 56، مفتاح الكرامة: 12 / 93 ـ 94.
- (3) في ص: 36.
- (4) في ص35.
- (5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 207 ـ 233، المقام الثاني.
(الصفحة 41)
وجود العبيد والإماء في هذه الأزمنة، أو عدم إمكان الوصول إليهما على فرض الوجود، فالمناسب الإعراض عن البحث المتعلّق بهذا الأمر .
ثانيهما : عصير العنبي بعد صيرورته مغليّاً قبل أن يذهب ثلثاه، بناءً على نجاسته كما مرّ البحث فيها في كتاب النجاسات(1) ، والكلام فيه يقع في مقامين :
الأوّل : فيما هو مقتضى القواعد والضوابط الأوّلية، وأنّها هل تقتضي حرمة التكسّب والتجارة به أم لا ؟
فنقول : الظاهر عدم اقتضاء القاعدة ذلك; لأنّ مجرّد النجاسة من حيث هي لاتكون موجبة للفساد، والماليّة والملكيّة محفوظتان . غاية الأمر أنّه قبل ذهاب الثلثين كالبيع المعيوب القابل لزوال عيبه بذهاب الثلثين، فإذا كان المشتري جاهلاً به يكون ـ كسائر الموارد التي يكون المبيع معيوباًـ مخيّراً بين الردّ والأرش، وليس ذلك مثل ما إذا كان المبيع خمراً ولو فرض إمكان استحالتها بالخلّ; لأنّ ذلك متوقّف على تبدّل الموضوع بخلاف زوال العيب في العصير بذهاب الثلثين.
ولذا حكى الشيخ عن صريح التذكرة بأنّه لو غصب عصيراً فأغلاه حتّى حرم ونجس لم يكن في حكم التالف، بل وجب عليه ردّه، ووجب عليه غرامة الثلثين واُجرة العمل فيه حتّى يذهب الثلثان، معلّلاً بأنّه ردّه معيباً ويحتاج زوال العيب إلى خسارة، والعيب من فعله، فكانت الخسارة عليه(2) ، وأورد على جامع المقاصد الذي لم يفرّق بينه وبين ما لو غصبه عصيراً فصار خمراً، حيث حكم فيه بوجوب
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 154 ـ 172، المقام الثالث.
- (2) تذكرة الفقهاء 2: 387، الطبعة الحجرية.
(الصفحة 42)
غرامة مثل العصير ; لأنّ الماليّة قد فاتت تحت يده فكان عليه ضمانها كما لو تلفت(1)بالفرق الواضح بين الأمرين; لأنّ العصير بعد الغليان مال عرفاً وشرعاً، وطهارته لاتحتاج إلى زوال موضوعه، نظير طهارة ماء البئر بالنزح(2) .
الثاني : الروايات الواردة في مثل المقام، وهي :
رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ثمن العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمراً؟ قال : إذا بعته قبل أن يكون خمراً وهو حلال فلابأس(3) . والمحكي عن نسخة من التهذيب، وعن الوافي عنه وعن الكافي قوله : فهو حلال مكان «و»(4)، والرواية وإن لم تكن معتبرة بعلي بن أبي حمزة الراوي عن أبي بصير، وبقاسم بن محمّد الراوي عن علي بن أبي حمزة، إلاّ أنّ البحث في مفادها لايكون خالياً عن الفائدة العلميّة .
قال الإمام الماتن (قدس سره) في هذا المجال بعد الاعتراف بالقصور من حيث السند واغتشاش متنها، ما ترجع خلاصته إلى أنّ الشرطيّة لا مفهوم لها; لأنّها سيقت لبيان تحقّق الموضوع; فإنّ مفهوم «إذا بعته كذا» هو إذا لم تبعه ، وأمّا مفهوم القيد فهو من مفهوم اللقب الذي لا يقال به. ولو قيل به في الشرط وعلى فرض المفهوم ـ أي للقيد ـ فإن قلنا بتعدّد الشرط واتّحاد الجزاء كقوله : «إذا خفي الأذان فقصّر، وإذا خفي الجدران فقصّر»، فإن لوحظ حال الاضطرار المسوّغ لشرب الخمر تكون
- (1) جامع المقاصد 6: 293.
- (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 61 ـ 62.
- (3) الكافي 5: 231 ح3، تهذيب الأحكام 7: 136 ح602، الاستبصار 3: 105 ح369، وعنها وسائل الشيعة 17: 229، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب59 ح2.
- (4) الوافي 17: 250 ح17208 و 17209.
(الصفحة 43)
هذه المسألة عين المثال المذكور، وقد رجّح في محلّه إجمال الدليل والرجوع إلى الاُصول العمليّة(1).
وإن لم يلحظ حال الاضطرار يكون المنطوق في الثانية أخصّ من الاُولى، فتقيّد به فيقع إشكال في المتن; لأنّ مرجعه إلى أنّ الدخيل هو قيد الحلّية، وإن قلنا بوحدة المنطوق وكون الشرط أمراً واحداً مركّباً، فقد يقال بأنّ المفهوم ثابت مع ارتفاع كلّ قيد، فيدلّ على أنّ العصير إذا حرم ففيه بأس; سواء قلنا بنجاسته أم لا(2).
ولكن يرد عليه: أنّه وإن كانت غاية تقريب دلالتها على حرمة بيع العصير المغلي مطلقاً، إلاّ أنّ فيه ـ مضافاً إلى أنّها بصدد بيان المنطوق لا المفهوم، فلا إطلاق فيه، والمتيقّن منه ما إذا باعه ممّن يجعله خمراً، أو يطبخه ويجعله بختجاً; فإنّ البختج على ما يظهر من الروايات مسكر يصطنعه الفسّاق(3); وهو على ما قيل: يسمّى «مى پخته»(4) أو «باده».
وكيف كان، لا إطلاق في المفهوم، بل من المحتمل أن يكون المراد بقوله: «ليطبخه»; أي يجعله بختجاً; لبُعد السؤال عن جواز بيع العصير للشيرج، خصوصاً من مثل أبي بصير ـ : أنّ في المنطوق نفي البأس عن بيعه ليطبخه أو يجعله خمراً، ولا يثبت في المفهوم إلاّ نفي البأس المطلق، وهو صادق مع ثبوت البأس لأحد طرفي الترديد .
وبعبارة اُخرى: لا يدلّ المفهوم إلاّ على سلب التسوية بين طرفي الترديد
- (1) راجع تهذيب الاُصول 1: 448.
- (2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 124 ـ 126.
- (3) وسائل الشيعة 25: 292 ـ 294، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب7.
- (4) النهاية في غريب الحديث 1: 101، لسان العرب 1: 168.