(الصفحة 50)
الجهة الثالثة : أنّه بعد ثبوت حقّ الاختصاص والأولويّة وإن كان لا تجوز المعاوضة بالمال; لما مرّ من عدم كونه مالاً شرعاً أو مطلقاً، إلاّ أنّه يجوز بذل المال لرفع اليد والإعراض عن مثل الميتة والخمر ليحوزه الباذل فيصرفه في غذاء كلبه أو تقوية أشجار بستانه، أو رشّ الخمر على الأرض لحصول الرطوبة والخروج عن اليبوسة وإن كانا لا يصلحان للأكل والشرب.
وهذا كما في الأمكنة العامّة المشتركة; فإنّه يجوز بذل المال للسابق ليرفع اليد عن ذلك المكان المشترك كالمسجد والمدرسة، ثمّ بعد الرفع والإعراض يجوز للباذل الحيازة والسبقة، كما نراه في صفوف الجماعات المهمّة من سبقة أشخاص إلى الحيازة ثمّ رفع اليد مع بذل المال .
وأمّا إيقاع المعاوضة الماليّة فغير جائز، كما أنّ المزاحمة مع السابق من دون أن يرفع اليد عن مكانه من المدرسة أو المسجد فكذلك . نعم، الظاهر أنّه لو رفع المالك يده عنه وأعرض مطلقاً من دون أن يفوّضه إلى شخص خاصّ يكون الجميع فيه شرع سواء، والسابق أولى من غيره وأحقّ به، كما لو فرض أنّه أعرض عن المدرسة وانتقل إلى دار شخصيّه; فإنّه يجوز للسابق الحيازة وهو أحقّ به، كما لا يخفى.
(الصفحة 51)
مسألة 3 : لا إشكال في جواز بيع ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة، كشعرها وصوفها، بل ولبنها إن قلنا بطهارته ، وفي جواز بيع الميتة الطاهرة ـ كالسمك ونحوه ـ إذا كانت له منفعة ولو من دهنه، إشكال لا يترك الاحتياط1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في موردين :
أحدهما : بيع ما لا تحلّه الحياة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة كالشعر والصوف، وقد تقدّم في مبحث النجاسات الاختلاف بعد الاتّفاق على طهارة تلك الأجزاء، في أنّه هل يكون خروجها عن أدلّة نجاسة الميتة بنحو التخصّص، وأنّ تلك الأدلّة لا تشمل الأجزاء التي لا تحلّها الحياة، فيكون مقتضى القاعدة الطهارة كما اختاره سيّدنا الماتن (قدس سره) (1)، أو يكون بنحو التخصيص لدلالة الأخبار الكثيرة(2)على الطهارة على خلاف القاعدة، كما اخترناه وحقّقناه(3) ؟ وعلى أيّ حال تكون تلك الأجزاء طاهرة لا نجسة، ومع هذا الفرض لا مجال للحكم بعدم جواز البيع بعد ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة، كما هو المفروض .
ثمّ إنّه لو فرض الحكم بالنجاسة فالظاهر أنّه لا دليل على مجرّد كون النجاسة مانعة عن صحّة البيع، وذلك لما عرفت(4) في بحث الدم من جواز بيعه مع ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة له، كالتزريق إلى بعض المرضى، وأنّه لا دليل على عدم الجواز من حيث هو دم نجس .
- (1) كتاب الطهارة للإمام الخميني(رحمه الله) 3: 138.
- (2) وسائل الشيعة 3: 513 ـ 515، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب68.
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 68 ـ 87 .
- (4) في ص 28.
(الصفحة 52)
ثانيهما : بيع الميتة الطاهرة ـ كالسمك ونحوه ـ إذا كانت له منفعة ولو من دهنه، وقد استشكل في المتن في الجواز، بل نهى عن ترك الاحتياط ، ولكنّ الشيخ الأعظم استظهر أنّه لا خلاف في جوازه، وعلّله بوجود المقتضى وعدم المانع; لأنّ أدلّة عدم الانتفاع بالميتة مختصّة بالنجسة، وقال : صرّح بما ذكرنا جماعة(1)،(2)
ولعلّ وجه الإشكال فيه في المتن ; إمّا دعوى عدم الاختصاص، وإمّا عدم كون المنفعة المذكورة مقصودة، وكلاهما ممنوعان .
- (1) منهم: المحدّث البحراني في الحدائق الناضرة 18: 77، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة 12: 58 ـ 64، وصاحب الجواهر فيه: 22: 17.
- (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 40.
(الصفحة 53)
مسألة 4 : لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة . وأمّا الأبوال الطاهرة فلا إشكال في جواز بيع بول الإبل ، وأمّا غيره ففيه إشكال، لا يبعد الجواز لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة1.
1 ـ الكلام في المسألة في أمرين :
الأوّل : بيع الأرواث الطاهرة والعذرات غير النجسة كروث الأنعام الثلاثة; لما أفاده الشيخ في عبارته المتقدّمة من وجود المقتضى و عدم المانع; لأنّ المفروض أوّلاً: الطهارة وعدم النجاسة ، وثانياً: ثبوت المنفعة العقلائيّة المقصودة لها كالاستفادة منها في مقام إيجاد الحرارة في الشتاء في مثل الكرسي ونحوه .
الثاني : بيع الأبوال الطاهرة كأبوال الأنعام الثلاثة، والتقييد بالطهارة فيها دون الأرواث ; إمّا لأجل أنّ الأرواث لا تشمل غير الطاهرة، بل يطلق عليه العذرة ومثلها، وعلى هذا التقدير يكون الحكم بجواز البيع ظاهراً ، وإمّا لعدم اختصاص الحكم بالأرواث الطاهرة، بل الأرواث النجسة إذا كانت لها منفعة محلّلة مقصودة كذلك، كما عرفت في مثل الدم(1) . والّذي يخطر بالبال استعمال كلمة «الروث» في موثّقة ابن بكير المفصّلة المعروفة الدالّة على فساد الصلاة في أجزاء الحيوان غير المأكول في رديف سائر أجزائه كشعره و وبره(2) .
ولكنّ الذي يساعده النظر عدم شمول الأرواث لغير الطاهرة، خصوصاً مع ملاحظة ما تقدّم من(3) البحث في عذرة الإنسان وغيرها .
- (1) في ص28.
- (2) الكافي 3: 397 ح1، تهذيب الأحكام 2: 209 ح818 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب2 ح1.
- (3) في ص16 ـ 34.
(الصفحة 54)
وكيف كان ، فالكلام في الأبوال الطاهرة تارةً: يقع بالإضافة إلى الإبل، واُخرى:بالنسبة إلى غيره; كالبقر والغنم والحمار ومثلها .
أمّا الكلام بالنسبة إلى الأوّل، فنقول : قد نقل الشيخ في أوّل البحث وجود الإجماع على الجواز(1) وإن ناقش فيه في ذيل كلامه; لمخالفة العلاّمة في بعض كتبه(2)وابن سعيد في النزهة(3)، واستدلّ على الجواز ـ مضافاً إلى الإجماع المذكور بجواز شربه اختياراً ـ لما ورد في بعض الروايات من أنّ «أبوال الإبل خير من ألبانها»(4)وبروايتين واردتين في هذا المجال :
إحداهما: موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سُئل عن بول البقر يشربه الرجل ، قال : إن كان محتاجاً إليه يتداوى به يشربه، وكذلك أبوال الإبل والغنم(5) .
ثانيتهما : رواية سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم تنعت له من الوجع، هل يجوز له أن يشرب؟ قال : نعم، لابأس به(6)،(7).
- (1) جامع المقاصد 4: 14.
- (2) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2: 463.
- (3) نزهة الناظر: 78.
- (4) الكافي 6: 338 ح1، تهذيب الأحكام 9: 100 ح437، وعنهما وسائل الشيعة 25: 114، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب59 ح3.
- (5) تهذيب الأحكام 1: 284 ح832 ، وعنه وسائل الشيعة 25: 113، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب60 ح1.
- (6) طب الأئمّة (عليهم السلام) : 62 ـ 63، وعنه وسائل الشيعة 25: 115، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب59 ح7.
- (7) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 21 ـ 22.