(الصفحة 82)
الجواز مع زوال الصفة، وهو حسن، والأكثر أطلقوا المنع (1)، انتهى .
وظاهر هذه العبارة اعتبار كلا الأمرين من الاشتراط والوثوق بالكسر لا أحدهما على سبيل المنفصلة مانعة الخلوّ، ولعلّه الظاهر لا ما أفاده الماتن من كفاية أحدهما .
وقال الشيخ الأعظم : إن أراد بزوال الصفة زوال الهيئة; فلاينبغي الإشكال في الجواز، ولا ينبغي جعله محلاًّ للخلاف بين العلاّمة والأكثر(2) .
وعن السيّد في الحاشية: لعلّه أراد بزوال الصفة عدم مقامرة الناس به وتركهم له; بحيث خرج عن كونه آلة القمار وإن كانت الهيئة باقية(3) .
وبعض الأعلام بعد أن أورد على التوجيهين ببعدهما عن مساق كلام العلاّمة ـ لأنّ ظاهر عبارته أنّ الحرمة الفعليّة تدور مدار عدم صدق الماليّة على إكسارهاـ احتمل وقوع التحريف في كلامه بالتقديم والتأخير، بأن تكون العبارة: وإن عدّ مالاً مع زوال الصفة المحرّمة، فالأقوى عندي الجواز(4) .
أقول : من المستبعد جدّاً جواز المعاملة على الآلات المحرّمة ـ وإن فرض صدق الماليّة على اكسارها ـ بدون أحد الأمرين المذكورين في المتن: من الاشتراط، أوالثقة بالكسر في بيع المادّة فضلاً عن بيعها صحيحة، كما هو المفروض في عبارة المسالك المتقدّمة وإن كانت الهيئة لا ماليّة لها ، مضافاً إلى أنّ لازم ما أفاده بعض الأعلام أن يكون القيد توضيحيّاً، وهو خلاف الظاهر من كلام العلاّمة، وإلى أنّ
- (1) مسالك الأفهام 3: 122.
- (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 117.
- (3) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 48.
- (4) مصباح الفقاهة 1: 252.
(الصفحة 83)
إيراد الشيخ باق على هذا الاحتمال أيضاً، كما لا يخفى .
واحتمل بعض الأعلام (قدس سره) أيضاً(1) حذف كلمة «الاشتراط» بعد كلمة «مع»; أي بشرط تغيير الهيئة من قبل البائع، ثمّ اعترف بعدم الوصول إلى مراده، ووجه استحسان صاحب المسالك تفصيل العلاّمة في مقابل المشهور القائلين بالمنع مطلقاً.
أقول : ولايبعد أن يقال بقرينة كلمة الإطلاق المقابلة للاشتراط بهذا الاحتمال. وعليه: فمراد العلاّمة في صورة بيع الآلات صحيحة الجواز بشرط تغيير الهيئة ، ومراد الأكثر المنع ولو مع الشرط . وأمّا صورة البيع بعد الكسر فلا إشكال ولا خلاف في الصحّة، فتدبّر .
وأمّا أواني الذهب والفضّة، فحيث إنّ منفعتها لا تنحصر بالأكل والشرب فيها، بل يجوز الاستفادة منها للتزيين والاقتناء، وهما لايعدّان من المنفعة العقلائيّة المحلّلة غير المقصودة ، بل كما نشاهد بالوجدان وجود تلك الاستفادة منها للمتموّلين، فلامانع من جواز البيع والشراء بالإضافة إليها لهذا الغرض والمقصد غير النادر وإن كان الوضع الأوّل في باب الأواني هي الاستعمال في الأكل والشرب، وقد فصّلنا في باب المطهّرات(2) بين التزيين والاقتناء بحرمة الأوّل كالاستعمال، دون الثاني، فراجع .
وكلام المتن يدلّ على عدم التفصيل وجواز كلا العنوانين، بل ربما يشعر بعدم الفرق بينهما بلحاظ العطف بالواو لا بـ «أو»، كما لايخفى ، ومن الواضح اختلافهما كما أفاده في بحث الأواني من كتاب الطهارة(3) .
- (1) مصباح الفقاهة 1: 252.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المطهّرات: 686 ـ 688.
- (3) كتاب الطهارة للإمام الخميني(رحمه الله) 4: 208.
(الصفحة 84)بيع الدراهم الخارجة عن الاعتبار، أو المغشوشة
مسألة 9 : الدراهم الخارجة عن الاعتبار، أو المغشوشة المعمولة لأجل غشّ الناس تحرم المعاملة بها وجعلها عوضاً أو معوّضاً في المعاملات مع جهل مَنْ تدفع إليه ، بل مع علمه واطّلاعه أيضاً على الأحوط لو لم يكن الأقوى، إلاّ إذا وقعت المعاملة على مادّتها واشترط على المتعامل كسرها، أو كان موثوقاً به في الكسر; إذ لايبعد وجوب إتلافها ولو بكسرها دفعاً لمادّة الفساد1.
1 ـ الدراهم التي أصلها من فضّة، إذا خرجت عن الاعتبار الحكومي، أو كانت مغشوشة معمولة لأجل غشّ الناس، فيها مقامان :
وينبغي قبل البحث عن المقامين ملاحظة أنّ الماليّة الموجبة لصحّة جعلها عوضاً أو معوّضاً بالنسبة إلى الدراهم ومثلها ـ ولاسيّما بالإضافة إلى مثل الورق المتداول في كثير من الممالك في زماننا هذا، مكان الدرهم والدينار المتداولين في السابق ـ بماذا يتقوّم وبِمَ تتحقّق، خصوصاً مع ملاحظة بعض التشكيلات التقنينيّة اليوم، من ملاحظة المهريّة المجعولة في الزمان السابق بقيمة اليوم، المعادلة لأضعاف ذلك الزمان، وسمعت هذه الملاحظة بالنسبة إلى سائر الديون أيضاً.
والتحقيق أنّ ماليّة مثل الورق متقوّمة بالاعتبار من ناحية الحاكم المستولي على المملكة وبيده زمام اُمورها، ولايلزم أن يكون له ما يسمّى بـ «پشتوانه»، كالذهب والنفط والاُمور الاُخر; لعدم العلم بوجودها، فضلاً عن العلم بالمقدار المساوي للورق الخاصّ، بل ماليّة مثله أمر اعتباري تدوم ما دام بقاء ذلك الاعتبار.
وممّا اشتهر من بعض من يدّعي التنوّر الفكريّ من الروحانيّين، ومن بعض المتجدّدين غير المطّلعين على المباني; من أنّ مقدار ماليّته إنّما هو بملاحظة القدرة على الشراء ، ومن المعلوم أنّ ما كان يشترى بألف تومان (درهم) مثلاً، لعلّه كان
(الصفحة 85)
أزيد ممّا يشترى بمائة ألف في هذا الزمان .
يرد عليه: منع ذلك، وأنّ الماليّة ومقدارها ليست دائرة مدار ذلك، بل هي أمر اعتباريّ لا يختلف بحسب الأزمنة والأعصار، وإلاّ فيمكن أن يقال: إنّ الأشياء التي يمكن أن يشترى بالاسكناس(بالورق) مختلفة بحسب الأزمنة، بل يختلف بحسب اليوم فضلاً عن الأيّام، ولا معنى لأن يقال بأنّ الدين يختلف بحسب اختلاف القيم في الأيّام، فدين واحد في يوم أضعافه بحسب اليوم الآخر، وأقلّ من الدين الواقعي كذلك .
وهذا الاعتبار إنّما هو كسائر الاُمور الاعتباريّة المتداولة بيننا، كالبيع والزوجيّة والحريّة والرقيّة وأشباهها، ولا يكون معناه هو الأمر التخيّلي والوهمي، كما لايخفى .
بل التحقيق الدقيق يحكم بأنّ ماليّة الذهب والفضّة الخالصين إنّما هي بحسب الاعتبار; لأنّهما ليسا إلاّ من الفلزات ، غاية الأمر أنّ الاعتبار فيهما عمومي سار في جميع أقطار العالم، بخلاف الورق الذي له اعتبار من ناحية الحكومة التي يكون رائجاً في مملكته ، فالفرق إنّما هو من هذه الجهة لا في الاعتبار والذاتيّة، كما ربما يتخيّل في بادئ النظر، فافهم .
المقام الأوّل: في اتّصافها بالفساد المحض، كآلات القمار وغيرها المذكورة في المسألة السابقة، فيجب إتلافها ولو بكسرها دفعاً لمادّة الفساد، كما نفى عنه البُعد في المتن، أو يجوز اقتناؤها والتزيين بها ودفعها إلى العشّار ومثله، كالظالم؟ فيه وجهان ربما يمكن أن يقال باستفادة الوجه الأوّل من بعض الروايات، مثل :
رواية المفضل بن عمر الجعفي قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فألقى بين يديه دراهم، فألقى إليَّ درهماً منها، فقال : ايش هذا؟ فقلت : ستوق ، فقال : وما الستوق؟ فقلت : طبقتين فضّة وطبقة من نحاس، وطبقة من فضّة ، فقال : اكسرها; فإنّه
(الصفحة 86)
لايحلّ بيع هذا ولا إنفاقه(1) .
وفي محكي الوافي «الستّوق» بالضمّ والفتح معاً وتشديد التاء، وتُستوق بضمّ التاء، الزيف البهرج الملبّس بالفضّة، طبقتين فضّة(2). والظاهر أنّ الصواب طبقة من فضّة، وإلاّ كان اللازم ذكر الألف والنون، لا الياء والنون كما لايخفى .
والظاهر أنّ المفضّل بن عمر الجعفي ثقة، والراوي عنه هو علي الصيرفي; وهو ممّن روى عنه ابن أبي عمير، وقد تقدّم البحث عن الحكم بوثاقته وعدمها(3) .
وربما يقال : إنّ الأمر فيها ليس تكليفيّاً ليجب كسره ويحرم تركه، بل هو إرشاد إلى عدم صحّة المعاوضة عليها، وعدم جواز أداء الحقوق الواجبة منها، بقرينة قوله (عليه السلام) : «لايحلّ بيع هذا ولا إنفاقه»; لأنّ الصدّ عنهما لا ينحصر في الكسر ، بل يحصل بغيره أيضاً (4).
ويمكن الجواب عنه بأنّ عطف الإنفاق على البيع دليل على أنّ المراد من عدم الحلّية هو عدم الحلّية التكليفيّة، لا الوضعيّة كما في قوله ـ تعالى ـ : {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}(5) إلخ ، حيث إنّ ظاهره هو الحلّية الوضعيّة الشرعيّة بالإضافة إلى البيع العرفي العقلائي، وذلك لأنّه لا معنى لبطلان الإنفاق، خصوصاً مع ثبوت الماليّة للمادّة قطعاً، كما هو المفروض .
وعليه: فظاهر الرواية هو بيان الحكم التكليفي كما هو ظاهرها، ولعلّه لأجل
- (1) تهذيب الأحكام 7: 109 ح466، الاستبصار 3: 97 ح333، وعنهما وسائل الشيعة 18: 186، كتاب التجارة، أبواب الصرف ب10 ح5.
- (2) الوافي 18: 647 ب101 ح18037.
- (3) في ص76 ـ 77.
- (4) القائل هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 257.
- (5) سورة البقرة 2: 275.