(الصفحة 100)المتروكون دية جنايتهم إلى الذي اقتصّ منه ، ثم لو فضل للمقتول أو المقتولين فضل عمّا ردّه شركاؤهم قام الوليّ به ويردّه إليهم ، كما لو كان الشركاء ثلاثة فاقتصّ من اثنين فيردّ المتروك دية جنايته وهي الثلث إليهما ويردّ الوليّ البقية إليهما ، وهي دية كاملة ، فيكون لكلّ واحد ثلثا الدية1..
1 ـ يقع البحث في هذه المسألة من جهات:
الاُولى: في أنّه هل يكون للوليّ في صورة الشركة في القتل بحيث يكون القاتل متعدّداً ، ويسند القتل إلى أزيد من واحد أن يقتصّ من الجميع ، أو ليس له حقّ القصاص أصلاً ، أوليس له حقّ القصاص بالنسبة إلى أزيد من واحد؟ وجوه واحتمالات في بادئ النظر . وفي الجواهر نفى وجدان الخلاف في الأوّل ، قال: بل الإجماع بقسميه عليه(1) ، وحكي عن بعض العامّة(2) أنّه ليس للوليّ إلاّ قتل واحد منهم ويأخذ حصّة الآخرين ولا يقتل الجميع ، وعن بعضهم(3) فضّ القصاص عليهم ، على معنى استحقاق الوليّ عشر الدم في العشرة إلاّ أنّه لا يمكن استيفاؤه إلاّ باستيفاء الباقي ، وقد يستوفى من المتعدّي غير المستحق عليه ، كما إذا لم يمكن استيفاء المستحق إلاّ به ، كما لو أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيّق واحتيج في ردّه إلى هدم الجدار وقلع الباب .
ولابدّ أوّلاً من ملاحظة أن الأدلّة العامّة الواردة في القصاص هل يستفاد منها ثبوت حقّ القصاص بالإضافة إلى الجميع ، كما هو ظاهر الجواهر(4) أم لا؟
- (1) جواهر الكلام: 42 / 66 .
- (2) الخلاف: 5 / 156 مسألة 14 ، المغني لابن قدامة: 9 / 366 ـ 367 .
- (3) المغني لابن قدامة: 9 / 366 ، المجموع: 20 / 33 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 67 .
(الصفحة 101)
الظاهر هو الثاني; لأنّ قوله تعالى:
{وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلبَاب}(1) إنّما كان مسوقاً لبيان مشروعية القصاص وترتّب الحياة الاجتماعية عليه ، وأمّا ثبوته في مورد الشركة بالنسبة إلى أزيد من واحد فلا دلالة له عليه ، كما أنّ قوله تعالى:
{وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلطاناً فَلاَ يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّه كَانَ مَنصُوراً}(2) ربّما يدلّ على العدم على تقدير كون المراد بالإسراف المنهيّ عنه هو قتل أزيد من واحد ، كما ورد تفسيره به في رواية أبي العبّاس الآتية ، وعلى تقدير كون المراد به هو عدم قتل غير القاتل وعدم المثلة بالقاتل ، كما في بعض الروايات التي أُشير إليها في المسألة المتقدّمة ، فلا دلالة للآية على شيء من طرفي النفي والإثبات ، كما لايخفى .
وكذا قوله تعالى:
{وَكَتَبْنا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ}(3) إلى آخر الآية ، لا دلالة له على وقوع نفوس متعدّدة في مقابل نفس واحدة . وهكذا حديث نفي الضرر ، بناء على ارتباطه بالأحكام الكلّية الفقهيّة الإلهيّة ، كما لايخفى .
نعم ، يستفاد ذلك من الروايات الخاصّة الواردة في المقام:
منها: رواية الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) في عشرة قتلوا رجلاً ، قال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً وغرموا تسع ديات ، وإن شاؤوا تخيّروا رجلاً ، وأدّى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الآخر عشر الدية كلّ رجل منهم . قال: ثم الوالي بعد يلي أدبهم وحبسهم(4) .
- (1) البقرة 2 : 179 .
- (2) الإسراء 17: 33 .
- (3) المائدة 5 : 45 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 30 ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح6 .
(الصفحة 102)
ومنها: رواية عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجلين قتلا رجلاً ، قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة وقتلوهما ، وتكون الدية بين أولياء المقتولين ، فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه وأدّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول ، وإن لم يؤدّ دية أحدهما ولم يقتل أحدهما قبل الدية صاحبه من كليهما ، وإن قبل أولياؤه الدية كانت عليهما(1) .
وفي مقابلهما رواية أبي العبّاس وغيره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا اجتمع العدّة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيّهم شاؤا ، وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد ، إنّ الله عزّوجل يقول:
{وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلطاناً فَلاَ يُسرِف فِي القَتلِ}(2) .
ولكن حيث إنّ الشهرة بل الإجماع كما عرفت على خلافها ، فلا يبقى مجال للأخذ بها .
الثانية: إذا أراد الوليّ قتل الجميع فهل الواجب عليه أن يردّ الدية إليهم ، ثم يتصدّى للقصاص بحيث كان الأداء مقدَّماً على القصاص ، أو لا يجب عليه ذلك؟ مقتضى الروايتين المتقدّمتين العدم ، لوقوع العطف بالواو ، ولكن يدلّ على خلافه صحيحة أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل ، قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثم يقعطهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد . قال: وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية(3) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 30 ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح4 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 30 ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح7 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 140 ـ 141 ، أبواب قصاص الطرف ب 25 ح1 .
(الصفحة 103)
إلاّ أن يقال: بأنّه لا دليل على تساوي قصاص النفس وقصاص الطرف في هذه الجهة ، فمن المحتمل ثبوت الفرق مضافاً إلى عدم وجود الجملة المشتملة على كلمة «ثم» في بعض نسخ نقل الرواية ، وسيأتي البحث في هذه الجهة في مسألة خمسين الآتية إن شاء الله تعالى .
الثالثة: ظاهر الروايتين المتقدّمتين في الجهة الأولى أنّه في صورة اختيار قتل البعض يثبت على المتروك الباقي الدية بقدر جنايته ، ولا عهدة على الوليّ في ذلك المقدار ، فإذا أراد قتل واحد من الإثنين القاتلين لا يجب على الوليّ ردّ نصف الدية إلى من أراد قتله ، بل العهدة في ذلك على المتروك الباقي ، فإذا لم يؤدّ الدية بمقدار جنايته لا يستحق على الوليّ شيئاً .
ويدلّ عليه أيضاً صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في عشرة اشتركوا في قتل رجل ، قال: يخيّر أهل المقتول فأيّهم شاؤوا قتلوا ، ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدّية(1) .
الرابعة: ظاهر رواية الفضيل المتقدّمة وإن كان هو التخيير بين قصاص الجميع وبين قصاص الواحد ، إلاّ أنّ المتفاهم العرفي منه جواز اختيار أزيد من واحد ، ولو لم يكن هو الجميع ، فيجوز في مورد الرواية اختيار قصاص خمسة رجال . ودعوى عدم استفادة ذلك من الرواية لا ينبغي الإصغاء إليها .
كما أنّ المستفاد من الجمع بين ثبوت الدية على المتروك بقدر جنايته وبين ثبوت الزائد على الجناية على الوليّ إذا أراد قتل الجميع أنّه في صورة اختيار قصاص البعض ربّما يلزم على كليهما الأداء بالنسبة ، كما لو كان الشركاء ثلاثة فأراد
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 29 ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح3 .
(الصفحة 104)مسألة 45 ـ تتحقّق الشركة في القتل بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد ، كأن أخذوه جميعاً فألقوه في النار أو البحر أو من شاهق ، أو جرحوه بجراحات كلّ واحدة منها قاتلة لو انفردت ، وكذا تتحقّق بما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية ، فلو اجتمع عليه عدّة فجرحه كلّ واحد بما لا يقتل منفرداً ، لكن سرت الجميع فمات فعليهم القود بنحو ما مرّ . ولا يعتبر التساوي في عدد الجناية ، فلو ضربه أحدهم ضربة والآخر ضربات والثالث أكثر وهكذا ، فمات بالجميع فالقصاص عليهم بالسواء والدية عليهم سواء . وكذا لا يعتبر التساوي في جنس الجناية ، فلو جرحه أحدهما جائفة والآخر موضحة مثلاً ، أو جرحه.
اقتصاص الإثنين ، فإنّه يجب على المتروك أداء ثلث الدية ، وعلى الوليّ دية كاملة ، لاستحقاق كلّ منهما ثلثي الدية بعد كون الجناية بمقدار الثلث . فما عن كشف اللِّثام(1) في هذا الفرض من أنّه يؤدي الثالث ثلث الدية والوليّ ثلثي الدية ، فلعلّه لاشتباه في المحاسبة ، وإلاّ فقد عرفت استحقاق كلّ واحد ثلثي الدية ، فيصير المجموع دية كاملة وثلث ، وبعد استحقاق الثلث على المتروك يبقى على الولي دية كاملة ، كما لا يخفى .
ولا يخفى عليك أنّه لا يتصوّر هذا الفرض فيما لو كان المقتول قصاصاً واحداً ، فإنّه في هذه الصورة يكتفي بما أدّاه المتروك ، ولا يجب على الوليّ شيء في شيء من الموارد ، بل مورد هذا الفرض ما إذا كان المقتول كذلك أزيد من واحد ، كما في مثال شركة الثلاثة ، وعليه فما في المتن من قوله: لو فضل للمقتول أو المقتولين . . . مخدوش من هذه الجهة ، فتدبّر .
- (1) كشف اللثام: 2 / 447 .