(الصفحة 105)أحدهما وضربه الآخر يقتصّ منهما سواء ، والدية عليهما كذلك بعد كون السراية من فعلهما1..
1 ـ ظاهر المسألة ثبوت كيفيتين لتحقّق الشركة في القتل:
إحداهما: أن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد كالأمثلة المذكورة في المتن ، وكما لو اشتركوا في تقديم الطعام المسموم ، وهذه الكيفية هي الكيفية الواضحة للشركة .
ثانيتهما: ما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية ، ومرجعه إلى عدم تأثير فعل كلّ واحد منهم مع الانفراد والاستقلال ، وأنّ التأثير مستند إلى المجموع ، وحينئذ يقع الكلام في المرد من قصد الجناية الذي وقع التقييد به في المتن تبعاً للشرائع(1) ، وإن كان ظاهر الجواهر(2) بل صريحه إرجاعه إلى كلتا الكيفيتين على خلاف ظاهر العبارة .
وكيف كان فالظّاهر أنّ المراد من قصد الجناية هو قصد القتل ، والمراد من التقييد به أنّه حيث لا يكون عمل كل واحد منهم مؤثِّراً في القتل بنحو الاستقلال ، فاللاّزم أن ينضمّ إليه قصد القتل حتّى تتحقّق الضابطة الثانية لقتل العمد ، وهي قصد القتل فيما إذا لم يكن العمل مؤثِّراً فيه غالباً .
ولكنّ الظاهر خلاف ذلك ، فإنّ استناد القتل إلى مجموع الأعمال يكفي في تحقّق قتل العمد من جهة الضابطة الأولى ، ولا يلزم الاقتران بقصد القتل ، ويؤيّده التفريع المذكور في المتن ، الخالي عن وجود القصد .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 978 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 69 .
(الصفحة 106)مسألة 46 ـ لو اشترك اثنان أو جماعة في الجناية على الأطراف يقتصّ منهم كما يقتصّ في النفس ، فلو اجتمع رجلان على قطع يد رجل ، فإن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد يقتسمانها ثم يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد ، وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية ، وعلى هذا القياس اشتراك الجماعة1..
ويحتمل على بُعد أن يكون المراد من قصد الجناية هو قصد العمل غيرالمشروع ، وبعبارة أُخرى قصد تحقّق العدوان في مقابل ما إذا لم يكن المقصود هي الجناية ، بل شيئاً آخر غير محرَّم . ولعلّه منشأ ما عرفت من الجواهر من الإرجاع إلى كلتا الكيفيتين ، ولكنّه خلاف ظاهر الشرائع وصريح المتن .
1 ـ لا إشكال في أنّه كما يقتصّ من جميع الشركاء في القتل ، كذلك يقتصّ من الشركاء في الجناية على الأطراف . ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الأولويّة ـ صحيحة أبي مريم الأنصاري المتقدّمة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل ، قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثمّ يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد . قال: وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية(1) . والرواية تدلّ على حكم الفروض الثلاثة المذكورة في المتن ، والمراد بربع الدّية هو ربع الدّية الكاملة الذي هو نصف دية يد واحدة .
ثمَّ إنّ ظاهر الرواية كما مرّ سابقاً ترتّب القطع على أدائه إليهما دية يد واحدة ، وقد مرّ أنّه لا ملازمة بين هذه الجهة في المقام ، وبينها في الشركة في القتل(2) ، فراجع .
- (1 ، 2) تقدّمتا في ص102 ـ 103 .
(الصفحة 107)مسألة 47 ـ الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد المقتضي للقطع ، بأن يكرهوا شخصاً على قطع اليد أو يضعوا خنجراً على يده واعتمدوا عليه أجمع حتى تقطع ، وأمّا لو انفرد كلّ على قطع جزء من يده فلا قطع في يدهما ، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها فقطع كل جزء منها حتّى وصل الآلتان وقطعت اليد فلا شركة ولا قطع ، بل كلّ جنى جناية منفردة ، وعليه القصاص أو الدية في جنايته الخاصّة1..
1 ـ لا إشكال في تحقّق الشركة في الجناية على الطرف فيما لو اشتركوا في الفعل الواحد المقتضي للقطع ، كالمثالين المذكورين في المتن ، وكما لو شهدوا عليه بما يوجب القطع ثم يرجعوا ويكذِّبوا أنفسهم ، والظاهر تحقّقها بالكيفية الثانية المتقدّمة في الشركة في القتل ، كما لو قطع أحدهم بعض اليد من غير إبانة ، والثاني في موضع آخر كذلك ، والثّالث في موضع ثالث ، وسرى الجميع حتى سقطت اليد لعدم الفرق بين المقامين .
والملاك استناد القتل أو القطع إلى عمل المجموع وتأثيره فيه ، كما إذا لم يكن في البين إلاّ عمل واحد ، ومنه يظهر أنّه لا يكون من قبيل الشركة ما لو انفرد كلّ على قطع جزء من يده ، كما إذا قطع أحدهما يده من الزند ، والآخر من المرفق أو المنكب، فإنّه يكون حينئذ جنايتان مستقلّتان من دون أن تتحقّق الشركة ، ولكلّ جناية حكمها من القصاص أو الدّية ، وكذا لو وضع أحدهما آلته فوق اليد والآخر تحتها ، فقطع كلّ جزءاً منها حتّى وصل الآلتان وقطعت اليد ، فانّه حينئذ أيضاً يكون عمل كل واحد جناية مستقلّة من دون تحقّق الشركة في شيء منه ، حتّى الجزء الأخير الذي تحصّل به الإبانة التي هي من جملة القطع ، لا شيء خارج عنه كالموت.
وبالجملة: فالملاك في حصول الشركة وعدمها وحدة الجناية المتحقّقة من أزيد
(الصفحة 108)مسألة 48 ـ لو اشترك في قتل رجل امرأتان قتلتا به من غير ردّ شيء ، ولو كنّ أكثر فللوليّ قتلهنّ وردّ فاضل ديته يقسّم عليهنّ بالسوية ، فإن كنّ ثلاثاً وأراد قتلهنّ ردّ عليهنّ دية امرأة وهي بينهنّ بالسوية ، وإن كنّ أربعاً فدية امرأتين كذلك ، وهكذا ، وإن قتل بعضهنّ ردّ البعض الآخر ما فضل من جنايتها ، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت المتروكة ثلث ديّته على المقتولين (المقتولتين ـ ظ) بالسوية ، ولو اختار قتل واحدة ردّت المتروكتان على المقتولة ثلث ديتها ، وعلى الوليّ نصف دية الرجل1..
من واحد وتعدّدها ، فمع الوحدة تتحقّق الشركة لا محالة ، ومع التعدّد لا مجال لحصولها ، كما لايخفى .
1 ـ لا خلاف في أنّه لو اشترك في قتله امرأتان تقتلان به ولا ردّ ، إذ لا فضل لهما عن ديته . وفي صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أباجعفر (عليه السلام) عن امرأتين قتلتا رجلاً عمداً؟ قال: تقتلان به ، ما يختلف في هذا أحد(1) .
وعلى ما ذكر ، فلو كنّ أكثر من اثنتين يجوز للوليّ قتلهنّ أجمع ، وردّ فاضل ديته المساوية لاثنتين عليهنّ ، فإن كنّ ثلاثاً يردّ عليهنّ دية امرأة ، وإن كنّ أربعاً دية رجل ، وهكذا . وإن قتل بعضهنّ ردّ البعض غير المقتولة ما فضل من جنايتها ، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت الباقية غير المقتولة ثلث دية الرجل على المقتولتين بالسوية ، وإن اختار في الفرض قتل واحدة تردّ الباقيتان اللّتان على عهدة كلّ منهما ثلث دية الرجل على المقتولة ثلث دية المرأة ، وعلى الوليّ تمام ديتها التي هي نصف دية الرجل .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 15 .
(الصفحة 109)مسألة 49 ـ لو اشترك في قتل رجل رجلٌ وامرأةٌ فعلى كلّ منهما نصف الدية ، فلو قتلهما الوليّ فعليه ردّ نصف الدية على الرّجل ، ولا ردّ على المرأة ، ولو قتل المرأة فلا ردّ ، وعلى الرّجل نصف الدية ، ولو قتل الرّجل ردّت المرأة عليه نصف ديته لا ديتها1..
1 ـ ظاهر العبارة إنّ وليّ المقتول يتخيّر في مفروض المسألة بين أُمور أربعة:
أحدها: أخذ الدية من كلّ منهما بدلاً عن القصاص ، ومن الواضح أنّه لا يجوز أخذ الزائد من دية كاملة ، لعدم تحقّق قتل أزيد من واحد ، والدية بينهما على نحو التنصيف ، لاشتراك الجناية بينهما وإضافتها إليهما من دون ترجيح ، وكون دية المرأة نصف دية الرجل لا يقتضي عدم التنصيف بعد كون الدية في مقابل الجناية ، وهي مشتركة بينهما ، كما لا يخفى .
هذا ، مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ظاهراً ، ويدلّ عليه بعض النصوص الآتية .
ثانيها: قتل كلّ من الرجل والمرأة ، ولا شبهة بملاحظة ما تقدّم في مشروعيّته وجوازه ، وعليه يجب على وليّ المقتول ردّ نصف الدية على الرجل فقط ، ولا يشترك فيه المرأة وفاقاً للأكثر ، بل المشهور(1) ، وخلافاً للمحكيّ عن مقنعة المفيد (قدس سره)(2): من أنّه يقسّم النصف بينهما أثلاثاً . والقاعدة موافقة لما هو المشهور ، لما عرفت من اشتراكهما في الجناية بنحو يكون النصف بحسابه والنصف بحسابها ، ولذا يجب على كلّ منهما نصف الدية كما عرفت في الأمر الأوّل ، فإذا كان النصف بحساب الرّجل فاللاّزم ردّ نصف الدية إليه فقط جبراً للنصف ، والمرأة لا تستحقّ شيئاً بعد
- (1) النهاية: 745 ، المهذّب: 2 / 468 ، السرائر: 3 / 345 ، مسالك الأفهام: 15 / 104 .
- (2) المقنعة: 752 .