(الصفحة 188)
الجواب ظاهر في عدم ثبوت القصاص لَه أيضاً ، والروايات الدالّة على نفي الدية لمن قتله القصاص ، الظاهرة في عدم ثبوت القصاص له أيضاً ، بل بطريق أولى ، بل ربّما يستشعر منه مفروغية عدم القصاص كثيرة .
ولا إشكال أيضاً في عدم ثبوت القود لمن قتله الحدّ ، كما يدلّ عليه الصحيحة المزبورة والروايات الكثيرة الدالّة على أنّه أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له . وفي رواية أبي العبّاس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عمّن أُقيم عليه الحدّ ، أيقاد منه أو تؤدّى ديته؟ قال: لا إلاّ أن يزاد على القود(1) . ويستفاد من هذه الرواية عدم ثبوت القصاص ولا الدية لمن قتله الحدّ أو القصاص ، فتدبّر .
وكذا لا إشكال في أنّ الدافع القاتل للمهاجم الذي أراده لا يترتّب على قتله شيء من القصاص ولا الدية ، لدلالة الرّوايات الواردة فيه على أنّه لا شيء عليه ، وفي بعضها التعبير بأنّ دمه هدر(2) .
وكذا لا إشكال في عدم ثبوت القصاص لمن هلك بسراية القصاص أو الحدّ ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى إطلاق مثل قوله (عليه السلام) : أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له(3) ، لأنّه أعمّ ممّا إذا كان الحدّ أو القصاص موجباً للقتل ، أو كان القتل بالسراية ـ رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة(4) .
فإنّ قوله (عليه السلام) : «في قتل ولا جراحة» قرينة على عموم قوله : «من قتله
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح7 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 42 ـ 44 ، أبواب القصاص في النفس ب 22 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح9 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح8 .
(الصفحة 189)
القصاص» ، كما لايخفى .
هذه هي الموارد التي لا إشكال في عدم ثبوت القصاص فيها ، وهنا موارد لاينبغي الإشكال في ثبوت القصاص فيها . مثل ما إذا تعرّض لقتل القاتل الذي عليه القصاص غير ورثة المقتول من دون إذن ولا وكالة ، فإنّ الظاهر ثبوت القصاص بالإضافة إلى القاتل الأجنبي ، وإن كان المقتول مستحقّاً للقصاص بالنسبة إلى ورثة المقتول أوّلاً .
ومثل ما إذا تعرّض لقتل المهاجم في مسألة الدفع غير الدافع الذي وقع مورداً للتهاجم ، فإنّ المهاجم بالإضافة إلى غير الدافع لا يكون مهدور الدم بوجه ، ولا يشرع قتله كذلك ، وعليه فقتله موجب للقصاص .
إنّما الإشكال والكلام فيمن وجب قتله حدّاً كالزاني المحصن واللائط وغيرهما ، وأنّه هل يكون قتله من دون مراجعة الحاكم والإستئذان منه موجباً للقصاص أم لا؟ وفي الجواهر: ليس في شيء ممّا وصل إلينا من النصوص تعرّض لذلك ، فضلاً عن تواترها ، نعم ظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك بالنسبة للمسلم(1) . وقد أشار بذلك إلى الإشكال على صاحب الرياض ، حيث إنّه بعد الاستدلال بالإجماع الظاهر المصرَّح به في كثير من العبائر كالغنية(2) والسرائر(3) استدلّ بالاعتبار والمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر(4) ، وأورد منها رواية أبي الصباح الكناني المتقدّمة ، مع وضوح عدم تعرّضها لهذه المسألة .
- (1) جواهر الكلام: 42 / 192 .
- (2) غنية النزوع: 403 .
- (3) السرائر: 3 / 324 .
- (4) رياض المسائل: 10 / 301 ـ 302 .
(الصفحة 190)
وكيف كان فالعمدة في المسألة دعوى الإجماع من جماعة من الفقهاء العظام ، وفتوى مثل المحقِّق في الشرائع بأنّ المسلم لو قتله ـ يعني المرتد ـ لم يثبت القود(1) . ومقتضى إطلاق كلامه الشمول للمرتدّ الفطري ولو بعد التوبة وقبولها ، لأنّه مع عدم القبول يكون عدم القصاص لفقدان شرط التساوي في الدين المتقدّم ذكره ، فإنّ تحقّق إطمئنان من نقل هؤلاء ومن فتوى مثل المحقّق ، فاللاّزم الحكم بعدم ثبوت القصاص ، وإلاّ فلا دليل على نفيه . ومجرّد كون الحدّ هو القتل لا يستلزم نفي القصاص . وممّا ذكرنا ظهر وجه التأمّل والإشكال في المسألة كما في المتن .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 991 .
(الصفحة 191)القول
في
ما يثبت به القود
وهو أُمور:
الأوّل: الإقرار بالقتل
ويكفي فيه مرّة واحدة ، ومنهم من يشترط مرّتين ، وهو غير وجيه1..
1 ـ أمّا أصل الثبوت بالإقرار ، فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه أصلاً عموم : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز(1) ، وخصوص الروايات الواردة في المقام الدالّة على مفروغية ذلك .
وأمّا كفاية المرّة فعليه الأكثر(2)، والمحكي عن الشيخ(3) وابن إدريس(4) وابن
- (1) وسائل الشيعة : 19/111 ، كتاب الإقرار ب3 ح2 ، مستدرك الوسائل : 16/31 ، كتاب الإقرار ب2 ح1 .
- (2) مسالك الأفهام: 15 / 174 .
- (3) النهاية: 742 .
- (4) السرائر: 3 / 341 .
(الصفحة 192)مسألة 1 ـ يعتبر في المقِرّ: البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ، والحرية . فلا عبرة بإقرار الصبي وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون ولا المكرَه ولا الساهي والنائم والغافل والسكران الذي ذهب عقله واختياره1..
البراج(1) وابن سعيد(2) وبعض آخر(3) اشتراط مرّتين ، ويدلّ على الأوّل مضافاً إلى العموم المذكور خصوص بعض الروايات ، كالمرفوعة الآتية في المسألة الرابعة وغيرها.
وأمّا اعتبار التعدّد فلا وجه له سوى مسألة الاحتياط في الدماء التي لا يبقى لها مجال مع وجود الدليل على خلافها ، مضافاً إلى أنّها معارضة بمثلها ، لاحتمال تحقّق القتل العمدي من المقرّ .
نعم يمكن الاستدلال عليه بالأولوية ، بالإضافة إلى السرقة التي لا يثبتها الإقرار إلاّ مع التعدّد ، حيث إنّها مع عدم ترتّب الأثر عليها نوعاً إلاّ القطع يعتبر فيها التعدّد ، ففي المقام الذي يراد ترتيب أثر القصاص على الإقرار يكون اعتبار التعدّد بطريق أولى .
ويدفعه أنّ اعتبار التعدّد في السرقة إنّما هو بالإضافة إلى القطع الذي هو حقّ الله ، وأمّا بالإضافة إلى المال فيكفي فيه المرّة ، والمقام أيضاً من حقوق الناس ، فلا مجال للأولوية .
1 ـ قد مرّ البحث في اعتبار هذه الأُمور غير الحرية في الإقرار مراراً ، وأمّا
- (1) المهذّب: 2 / 502 .
- (2) الجامع للشرائع: 577 .
- (3) كالطبرسي ، حكى عنه في التنقيح الرائع: 4 / 432 .