(الصفحة 190)
وكيف كان فالعمدة في المسألة دعوى الإجماع من جماعة من الفقهاء العظام ، وفتوى مثل المحقِّق في الشرائع بأنّ المسلم لو قتله ـ يعني المرتد ـ لم يثبت القود(1) . ومقتضى إطلاق كلامه الشمول للمرتدّ الفطري ولو بعد التوبة وقبولها ، لأنّه مع عدم القبول يكون عدم القصاص لفقدان شرط التساوي في الدين المتقدّم ذكره ، فإنّ تحقّق إطمئنان من نقل هؤلاء ومن فتوى مثل المحقّق ، فاللاّزم الحكم بعدم ثبوت القصاص ، وإلاّ فلا دليل على نفيه . ومجرّد كون الحدّ هو القتل لا يستلزم نفي القصاص . وممّا ذكرنا ظهر وجه التأمّل والإشكال في المسألة كما في المتن .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 991 .
(الصفحة 191)القول
في
ما يثبت به القود
وهو أُمور:
الأوّل: الإقرار بالقتل
ويكفي فيه مرّة واحدة ، ومنهم من يشترط مرّتين ، وهو غير وجيه1..
1 ـ أمّا أصل الثبوت بالإقرار ، فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه أصلاً عموم : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز(1) ، وخصوص الروايات الواردة في المقام الدالّة على مفروغية ذلك .
وأمّا كفاية المرّة فعليه الأكثر(2)، والمحكي عن الشيخ(3) وابن إدريس(4) وابن
- (1) وسائل الشيعة : 19/111 ، كتاب الإقرار ب3 ح2 ، مستدرك الوسائل : 16/31 ، كتاب الإقرار ب2 ح1 .
- (2) مسالك الأفهام: 15 / 174 .
- (3) النهاية: 742 .
- (4) السرائر: 3 / 341 .
(الصفحة 192)مسألة 1 ـ يعتبر في المقِرّ: البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ، والحرية . فلا عبرة بإقرار الصبي وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون ولا المكرَه ولا الساهي والنائم والغافل والسكران الذي ذهب عقله واختياره1..
البراج(1) وابن سعيد(2) وبعض آخر(3) اشتراط مرّتين ، ويدلّ على الأوّل مضافاً إلى العموم المذكور خصوص بعض الروايات ، كالمرفوعة الآتية في المسألة الرابعة وغيرها.
وأمّا اعتبار التعدّد فلا وجه له سوى مسألة الاحتياط في الدماء التي لا يبقى لها مجال مع وجود الدليل على خلافها ، مضافاً إلى أنّها معارضة بمثلها ، لاحتمال تحقّق القتل العمدي من المقرّ .
نعم يمكن الاستدلال عليه بالأولوية ، بالإضافة إلى السرقة التي لا يثبتها الإقرار إلاّ مع التعدّد ، حيث إنّها مع عدم ترتّب الأثر عليها نوعاً إلاّ القطع يعتبر فيها التعدّد ، ففي المقام الذي يراد ترتيب أثر القصاص على الإقرار يكون اعتبار التعدّد بطريق أولى .
ويدفعه أنّ اعتبار التعدّد في السرقة إنّما هو بالإضافة إلى القطع الذي هو حقّ الله ، وأمّا بالإضافة إلى المال فيكفي فيه المرّة ، والمقام أيضاً من حقوق الناس ، فلا مجال للأولوية .
1 ـ قد مرّ البحث في اعتبار هذه الأُمور غير الحرية في الإقرار مراراً ، وأمّا
- (1) المهذّب: 2 / 502 .
- (2) الجامع للشرائع: 577 .
- (3) كالطبرسي ، حكى عنه في التنقيح الرائع: 4 / 432 .
(الصفحة 193)مسألة 2 ـ يقبل إقرار المحجور عليه لسفه أو فلس بالقتل العمدي ، فيؤخذبإقراره ، ويقتصّ منه في الحال من غير انتظار لفكّ حجره1.
مسألة 3 ـ لو أقرّ شخص بقتله عمداً وآخر بقتله خطأً ، كان للولي الأخذ بقول صاحب العمد فيقتصّ منه ، والأخذ بقول صاحب الخطأ فيلزمه بالدية ، وليس له الأخذ بقولهما2..
اعتبار الحرّية فلأنّ إقرار العبد إنّما هو على المولى ، فلا يقبل ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه .
1 ـ الوجه فيه أنّ الحجر المالي للسفه أو الفلس لا يستلزم الحجر بالإضافة إلى مثل المقام ، فيؤثِّر إقراره في ثبوت القتل العمدي ، ويقتصّ منه من دون انتظار لزوال حجره ، ولا يبعد القول بجواز المصالحة مع وليّ المقتول على الدية ، غاية الأمر أنه لا يشترك مع الغرماء في المال ، بل يثبت في ذمّته ، كما إذا أقرّ بقتل غير العمد ، فتدبّر .
2 ـ الظاهرأنّ مقتضى القاعدة ـ فيماإذاكان هناك أزيدمن إقرارواحد متعلق بالقتل، سواء كان هو القتل عمداً أوالقتل خطأ أو على الاختلاف ـ هو التخيير ، أي تخيير وليّ المقتول في الرجوع ، ولا مجال للرجوع إلى الجميع بعد العلم الإجمالي بعدم ثبوت هذا الحقّ له، لأنّ المقرّ به هو القتل على سبيل الانفراد دون الاشتراك ، فالحقّ الثابت للوليّ إنّما هو بالإضافة إلى واحد دون أزيد ، فلا يجوز له الرجوع إلى الجميع.
كما أنّ الظاهر أنّه لا مجال في المقام لدعوى التساقط الذي هو الأصل الأولي في تعارض الأمارتين أو الأصلين ، لثبوت بناء العقلاء على التخيير ، دون رفع اليد عن
(الصفحة 194)مسألة 4 ـ لو اتّهم رجل بقتل وأقرّ المتّهم بقتله عمداً ، فجاء آخر وأقرّ أنّه هو الذي قتله ورجع المقِرّ الأوّل عن إقراره ، درأ عنهما القصاص والدية ، وتؤدّى .
الجميع . وكيف كان فإن كان مقتضى القاعدة في المقام هو التخيير ، فلا حاجة في مقام الاستدلال إلى أزيد منها ، وإن لم يكن كذلك فربّما يستدلّ على التخيير بدعوى الإجماع عليه ـ كما في محكيّ الانتصار(1) ـ وبما رواه الحسن بن محبوب ، عن الحسن ابن صالح قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وجد متقولاً فجاء رجلان إلى وليّه ، فقال أحدهما: أنا قتلته عمداً ، وقال الآخر: أنا قتلته خطأً؟ فقال: إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل ، وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل (شيء) . ورواه الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن حيّ(2) .
والظاهر أنّه هو الحسن بن صالح ، وأنّ حيّاً هو جدّه . ولكنّه على ما ذكره الشيخ (قدس سره)متروك العمل بما يختصّ بروايته ويتفرّد بها(3) ، كما في المقام . وابن محبوب وإن كان من أصحاب الإجماع إلاّ أنّه قد تقدّم في كتاب الحدود ، أنّ كون الراوي من أصحاب الإجماع لا يوجب أزيد من تسلّم وثاقته والإعتماد عليه ، ولا يقتضي بالنسبة إلى من يروي عنه شيئاً . فالرواية غير قابلة للاعتماد ، كما أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد لا حجّية فيه .
وعليه فلو فرض كون التخيير على خلاف القاعدة لا مجال للاستدلال عليه بالرواية والاجماع المذكورين ، خصوصاً بعد عدم موافقة شهرة محقّقة للرواية ،
- (1) الإنتصار: 543 مسألة 303 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 106 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 3 ح1 .
- (3) التهذيب: 1 / 408 .