(الصفحة 260)في النفس وغيرها؟ فيه خلاف ، والوجه عدم القبول1..
1 ـ هذه المسألة خلافية ، فعن الشيخ في بعض كتبه(1) والعلاّمة(2) وفخر المحقّقين(3) أنّه لا تقبل ، وجعله المحقّق في الشرائع أظهر(4) ، لكن حكي عن مبسوط الشيخ(5) وجمع من الأصحاب(6) القبول ، وقوّاه صاحب الجواهر (قدس سره)(7) .
واستدلّ للأوّل بأنّ القسامة على خلاف الأصل ، ومورد الروايات قسامة المسلم ، فيقتصر على القدر المتيقّن ، وبأنّه قد صرّح في بعض الروايات المتقدّمة بأنّه إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة ، وفي بعضها إنّما جعلت القسامة احتياطاً لدماء المسلمين ، فيستفاد منه أنّ مشروعية القسامة لأجل التحفّظ على دم المسلم فقط ، وبأنّه إن أُريد بالقسامة إثبات القصاص في القتل عمداً فمن الواضح أنّ الكافر لا يستحقّ القصاص على المسلم ، وإن أُريد بها إثبات الدية فاللاّزم الحكم بثبوت مال للكافر على المسلم باليمين الابتدائية من الكافر ، مع أنّا نعلم بأنّهم يستحلّون دماء المسلمين وأموالهم .
وبأنّها سبيل منفيّ للكافر على المسلم ، وبتقرير النبيّ(صلى الله عليه وآله) الأنصار على إبائهم وامتناعهم قبول قسامة اليهود ، ولذا أدّاه هو(صلى الله عليه وآله) من بيت المال .
ويمكن المناقشة في الجميع .
- (1) الخلاف: 5 / 311 مسألة 10 .
- (2) قواعد الأحكام: 2 / 297 ، تحرير الأحكام: 2 / 254 .
- (3) إيضاح الفوائد: 4 / 618 .
- (4) شرائع الإسلام: 4 / 999 .
- (5) المبسوط: 7 / 216 .
- (6) مختلف الشيعة: 9 / 476 مسألة 172 ، مسالك الأفهام: 15 / 209 ـ 210 .
- (7) جواهر الكلام: 42 / 258 .
(الصفحة 261)
أمّا تقرير النبيّ(صلى الله عليه وآله) فهو مسبوق بأمر النبي(صلى الله عليه وآله) بقسامة اليهود ، وهو صريح في مشروعية قسامتهم مع كونهم كافرين بل مشركين ، وعليه فلابدّ من توجيهه بنحو ، لأنّه لا مجال لجعل الوجه فيه هو عدم المشروعية بعد صراحة القول فيها .
ويمكن أن يكون الوجه فيه هو علم النبي(صلى الله عليه وآله) بصدور القسامة من اليهود بعد أمرهم بها ، وعليه فكان يترتّب عليها براءتهم ولزوم أداء الدية من بيت المال ، ويبقى في نفوس الأنصار الاعتراض على قبول قسامتهم ، فرأى(صلى الله عليه وآله)المصلحة في صرف النظر عن قسامتهم وأداء الدية من بيت المال ابتداءً ، وعليه فالوجه في التقرير خصوصيّة المورد لا عدم مشروعيّة القسامة ، ولو سلّمنا عدم تبين وجه التقرير لنا لكن ذلك لا يستلزم رفع اليد عن القول الصريح في المشروعية .
نعم مقتضاها مشروعية القسامة من الكافر في جانب المدّعى عليه ، وهو وإن لم يكن ملازماً للمشروعية في ناحية المدّعي ، خصوصاً بملاحظة بعض الأدلّة المذكورة مثل نفي السبيل ، إلاّ أنّ الظاهر عدم الفرق بين القسامتين من هذه الجهة عند الأصحاب (قدس سرهم) فالإنصاف أنّ الرواية دليل قويّ على المشروعية مطلقاً .
وأمّا نفي السبيل فيمكن المناقشة في الاستدلال به بعد وضوح أنّ ثبوت دعوى الكافر بسبب قسامته لا يستتبع القصاص بوجه ، لأنّ المفروض كون المدّعي كافراً وهو يستلزم كون المقتول كذلك ، لعدم إرث الكافر من المسلم ، وقد سبق أنّ من شرائط القصاص التساوي في الدين ، وأنّه لا يقتل مسلم بذمّي ، وعليه فثبوت دعوى الكافر بالقسامة في المقام لا يترتّب عليه إلاّ الدية التي هي حقّ مالي ، ومن الواضح أنّ ثبوت مال للكافر على المسلم لا يكون سبيلاً له عليه ، وإلاّ يلزم عدم جواز افتراض المسلم من الذمّي ، ويلزم أن لا يثبت القتل ولو بالبيّنة ، لأنّ مقتضاها ثبوت الدية على القاتل المسلم ، مع أنّ صريح النصّ والفتوى خلافه .
(الصفحة 262)مسألة 10 ـ لابدّ في اليمين من ذكر قيود يخرج الموضوع ومورد الحلف عن الإبهام والاحتمال ، من ذكر القاتل والمقتول ونسبهما ووصفهما بما يزيل الابهام والاحتمال ، وذكر نوع القتل من كونه عمداً أو خطأً أو شبه عمد ، وذكر الانفراد أو الشركة ونحو ذلك من القيود1..
ومنه يظهر الجواب عن الدليل المتقدّم على هذا الدليل ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الشاهد واليمين الابتدائية من الكافر يكفي في إثبات المال على المسلم .
وأمّا ما ورد في مشروعية القسامة فلا دلالة فيها على الحصر ، بل ولا مفهوم له إلاّ مفهوم اللّقب الذي قد حقّق في الأصول عدم ثبوت المفهوم له . نعم لا يستفاد منه المشروعية في غير المسلمين ، لكن هنا بعض ما تدلّ على المشروعية ، مثل قوله (عليه السلام) في بعض الروايات: هي (القسامة) حقّ ، ولولا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً(1) . وفي البعض الآخر: وإنّما القسامة نجاة للناس(2) .
ولا منافاة بين الطائفتين حتى بالإطلاق والتقييد ، بل الطائفة الثانية متعرّضة لما لم تتعرّض له الأولى ، كما لا يخفى .
ومنه يظهر أنّه لا مجال للأخذ بالقدر المتيقّن بعد وجود الروايات المطلقة ، خصوصاً مع صراحة الرواية الواردة في قصة الأنصار في مشروعية قسامة الكفّار كما مرّ ، وعليه فالوجه هو القبول خلافاً للمتن .
1 ـ لا شبهة في أنّه لابدّ في اليمين من أن يكون منطبقة على الدعوى في جانب المدّعي ، وعلى ما أنكره في جانب المدّعى عليه ، وحيث إنّ الظاهر أنّه يعتبر في
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 116 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 9 ح8 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 114 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 9 ح2 .
(الصفحة 263)
سماع الدّعوى أن لا تكون مطلقة مجرّدة بل مشتملة على بيان الخصوصيات ، بنحو يزيل الإبهام والاحتمال من جهة القاتل والمقتول ونوع القتل والانفراد أو الشركة وغير ذلك ، فالظاهر حينئذ كفاية اليمين على طبق الدعوى من دون اعتبار ذكر الخصوصيات في اليمين أيضاً ، إلاّ أنّه حكي عن مبسوط الشيخ أنّه تحتاج يمين المدّعي إلى تربعة أشياء ، وهي المذكورة في المتن ، ويمين المدّعى عليه إلى ستّة أشياء يقول: ما قتل فلاناً ، ولا أعان على قتله ، ولا ناله من فعله ، ولا بسبب فعله شيء ، ولا وصل بشيء إلى بدنه ، ولا أحدث شيئاً مات منه(1) .
وظاهره لزوم التعرّض في اليمين لهذه الخصوصيات وعدم الاكتفاء بالفاقدة لذكر بعضها ، وإن كان يظهر من ذيل كلامه أنّ هذا فيما إذا كانت الدعوى مطلقة وقلنا بسماعها . وقد وقع التصريح باعتبار الأمور الأربعة في يمين المدّعي في عبارة الشرائع(2) ، وحكي عن بعض كتب العلاّمة(3) وبعض متأخّري المتأخّرين(4) .
وكيف كان فالظاهر أنّه لا دليل على خصوص اليمين في قسامة القتل من هذه الجهة ، بل الظاهر أنّ حكمها حكم اليمين في سائر المقامات ، وإن اختلف معها من حيث الكمّية . نعم ورد في بعض روايات المقام التعبير بأنّ فلاناً قتل فلاناً .
كما أنّه ورد في بعضها في ناحية المدّعى عليه التعبير بأنّه «ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً» ، مع أنّه لم يقع التعرّض لهذه الجهة الأخيرة في شيء من الكلمات حتّى عبارة المبسوط ، فإنّ مرجع الأمور الستّة المذكورة فيه إلى عدم دخالة المدّعى عليه في
- (1) المبسوط: 7 / 237 ـ 239 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 999 .
- (3) تحرير الأحكام: 2 / 253 ، إرشاد الأذهان: 2 / 219 .
- (4) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 198 .
(الصفحة 264)المقصد الثالث : في أحكامها
مسألة 1 ـ يثبت القصاص بالقسامة في قتل العمد ، والدية على القاتل في الخطأ شبيه العمد ، وعلى العاقلة في الخطأ المحض ، وقيل: تثبت في الخطأ المحض على القاتل لا العاقلة وهو غير مرضيّ1..
القتل بوجه . وأمّا عدم علمه بالقاتل ولو كان هو غير المدّعى عليه فليس فيها التعرّض له أصلاً .
هذا ، ومقتضى القاعدة وإن كان ما ذكرنا من كفاية الانطباق على الدعوى ، وبعد اشتمالها على الخصوصيات لا يكون ذكرها في اليمين ثانياً وثالثاً وهكذا بلازم ، إلاّ أنّ رعاية الاحتياط في الدماء من ناحية ، وظواهر الروايات الواردة في كيفية يمين المدّعي والمدّعى عليه مثل ما عرفت من ناحية أخرى تقتضي التعرّض في اليمين لتلك الخصوصيات أيضاً ، كما أنّه ينبغي التعرّض لعدم العلم بالقاتل في ناحية المدّعى عليه أيضاً .
1 ـ لا شبهة ولا خلاف عندنا نصّاً وفتوى في أنّه يترتّب على القسامة في قتل العمد ثبوت قتل العمد وترتّب القصاص عليه ، كما فيما إذا ثبت بالإقرار أو بالبيّنة . وحكي عن أبي حنيفة(1) والشافعي في الجديد(2) ثبوت الدية مغلظة في مال الجاني دون القصاص، وفي الجواهر بعد نقله: وهو اجتهاد في مقابلة النصّ النبوي وغيره(3).
ويدلّ على ما ذكرنا صريح جملة من الروايات المتقدّمة مثل صحيحة بريد بن
- (1) الخلاف: 5 / 306 مسألة 2 ، المبسوط للسرخسي: 26 / 108 ، بدائع الصنائع: 6/352 .
- (2) الخلاف: 5 / 306 مسألة 2 ، مغني المحتاج: 4 / 117 ، الأم: 6 / 96 ـ 97 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 265 .