(الصفحة 265)
معاوية المتقدّمة المشتملة على قوله(صلى الله عليه وآله) : لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكفّ عن قتله(1) . ورواية ابن سنان المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله (عليه السلام) : لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص(2) ورواية زرارة المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله(صلى الله عليه وآله) : فليقسم خمسون رجلاً منكم على رجل ندفعه إليكم(3) . وغير ذلك من الروايات .
مع أنّ ظاهر الروايات الواردة في مشروعية القسامة أنّها بحكم البيّنة والإقرار في ترتّب القصاص ، وإلاّ لكان اللاّزم التصريح بالاختلاف وعدم ثبوت القصاص هنا . ولا شبهة أيضاً في ثبوت الدية على القاتل في الخطأ شبه العمد هنا ; وأمّا الخطأ المحض فالمشهور فيه ثبوت الدية على العاقلة(4) ، كما إذا ثبت بالبيّنة ، ولكنّ المحكيّ عن تحرير العلاّمة(5) وحواشي الشهيد(6) ثبوت الدية على القاتل في الخطأ أيضاً ، ولعلّ مستندهما رواية زيد بن عليّ ، عن آبائه (عليهم السلام) قال: لا تعقل العاقلة إلاّ ما قامت عليه البيّنة . قال: وأتاه رجل فاعترف عنده ، فجعله في ماله خاصّة ولم يجعل على العاقلة شيئاً(7) . ولكن الرواية مضافاً إلى ضعف السند قاصرة من حيث الدلالة ، لأنّ الظاهر بقرينة الذيل أنّ الحصر فيها إضافي في مقابل الإقرار لا حقيقي ، شامل للقسامة أيضاً ، خصوصاً مع ظهور روايات القسامة في خلافه .
- (1) تقدّمت في ص219 .
- (2) تقدّمت في ص223 .
- (3) تقدّمت في ص221 .
- (4) كشف اللثام: 2 / 464 .
- (5) تحرير الأحكام: 2 / 254 .
- (6) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 79 .
- (7) وسائل الشيعة: 19 / 306 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب 9 ح1 .
(الصفحة 266)مسألة 2 ـ لو ادّعى على اثنين وله على أحدهما لوث فبالنسبة إلى ذي اللّوث كان الحكم كما تقدّم من إثباته بخمسين قسامة ، وبالنسبة إلى غيره كانت الدعوى كسائر الدّعاوي ، اليمين على المدّعى عليه ولا قسامة . فلو حلف سقطت دعواه بالنسبة إليه ، وإن ردّ اليمين على المدّعي حلف ، وهذا الحلف لا يدخل في الخمسين ، بل لابدّ في اللوث من خمسين غير هذا الحلف على الأقوى1.
مسألة 3 ـ لو أراد قتل ذي اللّوث بعد الثبوت عليه بالقسامة يردّ عليه نصف .
1 ـ مورد هذه المسألة ما إذا ادّعى القتل على اثنين بنحو الشركة ، وكان اللّوث متحقّقاً بالإضافة إلى أحدهما فقط ، وعليه فالحكم فيها هو ما في المتن من ملاحظة اللّوث وعدمه ، فبالنسبة إلى ذي اللّوث يتوقّف إثبات دعوى القتل على القسامة ، ويترتّب عليها شركة المدّعى عليه في القتل ، وأمّا بالنسبة إلى غير ذي اللّوث فلا مجال للقسامة ; لعدم وجود شرطها الذي هو اللّوث كما عرفت . وعليه فتجري الضابطة الجارية في سائر الموارد ، وهي أنّه مع عدم البيّنة للمدّعي تصل النوبة إلى يمين المدّعى عليه ، فإذا حلف سقطت دعواه بالإضافة إليه ، وإن ردّ اليمين على المدّعي حلف وتثبت دعواه على الآخر أيضاً ، وهي شركته في القتل .
والظاهر أنّ هذا الحلف لا يرتبط بالقسامة ولا يدخل في الخمسين ; لأنّه مضافاً إلى مغايرة طرفه مع طرفها يكون مقتضاهما مختلفاً ، فإنّ القسامة إنّما تثبت شركة ذي اللّوث في القتل ، ولا تثبت بها شركة غيره بوجه . وعليه فلابدّ في إثباتها من حلف مربوط به ، ولا يبتني الدخول وعدمه على القولين فيما إذا تعدّد المدّعى عليه ، وكان لوث بالإضافة إلى الجميع ، فإنّ المفروض في المقام عدم اللّوث بالإضافة إلى الثاني ، وكون اليمين هي اليمين المردودة ، ولا ربط له بتلك المسألة .
(الصفحة 267)ديته ، وكذا لو ثبت على الآخر باليمين المردودة وأراد قتله يردّ عليه نصف الدية1.
مسألة 4 ـ لو كان لوث وبعض الأولياء غائب ورفع الحاضر الدّعوى إلى الحاكم تسمع دعواه ويطالبه خمسين قسامة ، ومع الفقد يحلفه خمسين يميناً في العمد ، وفي غيره نصفها حسب ما عرفت ، ويثبت حقّه ولم يجب انتظار سائر الأولياء ، وله الاستيفاء ولو قوداً ، ثم لو حضر الغائب وأراد استيفاء حقّه قالوا: حلف بقدر نصيبه ، فإذا كان واحداً ففي العمد خمس وعشرون ، وإن كان اثنين فلكلّ ثلث وهكذا ، وفي الكسور يجبر بواحدة ، ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بقسامة الحاضر أو يمينه . ويحتمل التفصيل بين قسامة الحاضر ، فيقال بثبوت حقّ الغائب بها ويمينه خمسين يميناً مع فقد القسامة . فيقال بعدم ثبوته بها . ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بضمّ يمين واحدة إلى عدد القسامة ومع فقدها ويمين الحاضر ضمّ حصّته من الأيمان . ويحتمل عدم ثبوت دعوى الغائب إلاّ بخمسين .
1 ـ الظاهر أنّ المفروض في هذه المسألة ما إذا أثبت المدّعي دعواه بالإضافة إلى واحد منهما فقط ، أمّا الأوّل من طريق القسامة ، وأمّا الثاني من طريق اليمين المردودة ، فإنّه حينئذ إذا أراد القتل لابدّ له أن يردّ نصف الدية من نفسه ، لعدم التمكّن من إثبات دعواه على غيره ، والمفروض أنّ ما أثبته كان هو القتل لا بنحو الانفراد بل بنحو الشركة ، فمع الاعتراف بالشركة بنحو التنصيف لابدّ له من ردّ نصف الدية من نفسه . وأمّا لو فرض ثبوت الدّعوى على كليهما وأراد قتل أحدهما فاللاّزم أن يردّ الآخر النصف لاوليّ المقتول ، كما في موارد ثبوت الشركة في القتل بالإقرار أو بالبيّنة ، كما لا يخفى .
(الصفحة 268)قسامة ومع فقدها يحلف خمسين يميناً كالحاضر ، ولو كان الغائب أزيد منواحد وادّعى الجميع كفاهم خمسون قسامة أو خمسون يميناً من جميعهم . أقوى الاحتمالات الأخير ، سيّما إذا ثبت حقّه بخمسين يميناً منه . ويأتي الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء1..
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
الأوّل: في جواز رفع الوليّ الحاضر الدّعوى إلى الحاكم وما يترتّب عليه ، والوجه في الجواز إطلاق الأدلّة الدالّ على عدم مانعية غيبة بعض الأولياء عن رفع الحاضر الذي هو لأجل إثبات حقّه واستيفائه ، خصوصاً مع أنّه ربّما يحتمل عدم عود الغائب ، وعدم تبدّل غيبته إلى الحضور ، أو عدم كونه مدّعياً بعد الحضور ، فمجرّد الغيبة لا يتّصف بالمانعية ، وعليه فيجوز للحاضر رفع دعواه ، وتكون هذه الدعوى مسموعة عند الحاكم .
غاية الأمر حيث قام الدليل على أنّه إذا لم يكن لمدّعي القتل بيّنة ولم يكن هناك إقرار من القاتل فالطريق منحصر في القسامة ، فاللاّزم في إثبات دعواه في المقام إقامة خمسين قسامة ، أو خمسين يميناً في العمد ، ونصفه في غيره ، وإن كان على تقدير حضور الغائب يكون سهمه من اليمين هو النصف ، إلاّ أنّه بالغيبة لا يتغيّر الحكم ولا يوجب ثبوت القتل بالنصف ، فاللاّزم خمسون يميناً حتّى يثبت حقّه ، ومع الإثبات يجوز له الاستيفاء من دون انتظار ، ولو كان بنحو الاقتصاص ، لما سيأتي في مسائل كيفيّة استيفاء القصاص من جواز التصدّي له من بعض الأولياء .
الثاني: في أنّه إذا حضر الغائب وأراد استيفاء حقّه فبأيّ طريق يمكن له إثبات حقّه ، والمذكور في كلماتهم بنحو يوجب شبهة تحقّق الإجماع ـ كما في
(الصفحة 269)
الجواهر(1) ، حيث أرسل من تعرّض له من الشيخ(2) والفاضلين(3) والشهيدين(4)وغيرهم من الشارحين(5) له إرسال المسلّمات ـ هو أنّه يحلف الغائب بقدر نصيبه ، فإذا كان واحداً يحلف خمساً وعشرين في العمد ، وإن كان اثنين يحلف كلّ واحد منهما سبع عشرة لعدم تكسّر اليمين ، والوجه في هذا أنّ الغائب لو كان حاضراً عند رفع الحاضر لم يجب عليه أزيد من هذا ، بل كان اللاّزم عليه الحلف بقدر نصيبه ، فإذا حضر بعد الغيبة لا يتغيّر الحكم .
وتجري المناقشة في هذا الوجه لأنّه على تقدير الحضور ربّما لا يكون الحلف عليه لازماً ، لوجود خمسين رجلاً يحلفون ، كما أنّه على هذا التقدير ربّما لا يكون الحلف بقدر النصيب بلازم ، لامكان حلف الحاضر أزيد ، وقد مرّ جوازه .
وفي المتن بعد نقل هذا الحكم منسوباً إلى الأصحاب احتمل فيه احتمالات أُخر:
أحدها: أنّه كما ثبت حقّ الحاضر بخمسين رجلاً أو يميناً كذلك ثبت حقّ الغائب بها ، ولا يحتاج إثبات دعواه إلى دليل آخر ، لأنّ المفروض عدم كون دعواه مغايرة مع دعوى الحاضر ، والمفروض أنّه قد أثبت دعواه ، فيبقى للغائب مجرّد الاستيفاء ، ولا حاجة إلى الإثبات ثانياً .
ثانيها: أنّه إذا أثبت الحاضر حقّه بخمسين رجلاً فبذلك يثبت حق الغائب
- (1) جواهر الكلام: 42 / 269 .
- (2) المبسوط: 7 / 233 ـ 234 .
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 1000 ، قواعد الأحكام: 2 / 298 ، إرشاد الأذهان: 2 / 220 .
- (4) مسالك الأفهام: 15 / 215 ـ 216 ، وامّا الشهيد الأوّل فحكاه عن كتابه «الروض» السيد العاملي في مفتاح الكرامة: 11 / 80 .
- (5) كشف اللثام: 2 / 464 .