(الصفحة 263)
سماع الدّعوى أن لا تكون مطلقة مجرّدة بل مشتملة على بيان الخصوصيات ، بنحو يزيل الإبهام والاحتمال من جهة القاتل والمقتول ونوع القتل والانفراد أو الشركة وغير ذلك ، فالظاهر حينئذ كفاية اليمين على طبق الدعوى من دون اعتبار ذكر الخصوصيات في اليمين أيضاً ، إلاّ أنّه حكي عن مبسوط الشيخ أنّه تحتاج يمين المدّعي إلى تربعة أشياء ، وهي المذكورة في المتن ، ويمين المدّعى عليه إلى ستّة أشياء يقول: ما قتل فلاناً ، ولا أعان على قتله ، ولا ناله من فعله ، ولا بسبب فعله شيء ، ولا وصل بشيء إلى بدنه ، ولا أحدث شيئاً مات منه(1) .
وظاهره لزوم التعرّض في اليمين لهذه الخصوصيات وعدم الاكتفاء بالفاقدة لذكر بعضها ، وإن كان يظهر من ذيل كلامه أنّ هذا فيما إذا كانت الدعوى مطلقة وقلنا بسماعها . وقد وقع التصريح باعتبار الأمور الأربعة في يمين المدّعي في عبارة الشرائع(2) ، وحكي عن بعض كتب العلاّمة(3) وبعض متأخّري المتأخّرين(4) .
وكيف كان فالظاهر أنّه لا دليل على خصوص اليمين في قسامة القتل من هذه الجهة ، بل الظاهر أنّ حكمها حكم اليمين في سائر المقامات ، وإن اختلف معها من حيث الكمّية . نعم ورد في بعض روايات المقام التعبير بأنّ فلاناً قتل فلاناً .
كما أنّه ورد في بعضها في ناحية المدّعى عليه التعبير بأنّه «ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً» ، مع أنّه لم يقع التعرّض لهذه الجهة الأخيرة في شيء من الكلمات حتّى عبارة المبسوط ، فإنّ مرجع الأمور الستّة المذكورة فيه إلى عدم دخالة المدّعى عليه في
- (1) المبسوط: 7 / 237 ـ 239 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 999 .
- (3) تحرير الأحكام: 2 / 253 ، إرشاد الأذهان: 2 / 219 .
- (4) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 198 .
(الصفحة 264)المقصد الثالث : في أحكامها
مسألة 1 ـ يثبت القصاص بالقسامة في قتل العمد ، والدية على القاتل في الخطأ شبيه العمد ، وعلى العاقلة في الخطأ المحض ، وقيل: تثبت في الخطأ المحض على القاتل لا العاقلة وهو غير مرضيّ1..
القتل بوجه . وأمّا عدم علمه بالقاتل ولو كان هو غير المدّعى عليه فليس فيها التعرّض له أصلاً .
هذا ، ومقتضى القاعدة وإن كان ما ذكرنا من كفاية الانطباق على الدعوى ، وبعد اشتمالها على الخصوصيات لا يكون ذكرها في اليمين ثانياً وثالثاً وهكذا بلازم ، إلاّ أنّ رعاية الاحتياط في الدماء من ناحية ، وظواهر الروايات الواردة في كيفية يمين المدّعي والمدّعى عليه مثل ما عرفت من ناحية أخرى تقتضي التعرّض في اليمين لتلك الخصوصيات أيضاً ، كما أنّه ينبغي التعرّض لعدم العلم بالقاتل في ناحية المدّعى عليه أيضاً .
1 ـ لا شبهة ولا خلاف عندنا نصّاً وفتوى في أنّه يترتّب على القسامة في قتل العمد ثبوت قتل العمد وترتّب القصاص عليه ، كما فيما إذا ثبت بالإقرار أو بالبيّنة . وحكي عن أبي حنيفة(1) والشافعي في الجديد(2) ثبوت الدية مغلظة في مال الجاني دون القصاص، وفي الجواهر بعد نقله: وهو اجتهاد في مقابلة النصّ النبوي وغيره(3).
ويدلّ على ما ذكرنا صريح جملة من الروايات المتقدّمة مثل صحيحة بريد بن
- (1) الخلاف: 5 / 306 مسألة 2 ، المبسوط للسرخسي: 26 / 108 ، بدائع الصنائع: 6/352 .
- (2) الخلاف: 5 / 306 مسألة 2 ، مغني المحتاج: 4 / 117 ، الأم: 6 / 96 ـ 97 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 265 .
(الصفحة 265)
معاوية المتقدّمة المشتملة على قوله(صلى الله عليه وآله) : لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكفّ عن قتله(1) . ورواية ابن سنان المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله (عليه السلام) : لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص(2) ورواية زرارة المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله(صلى الله عليه وآله) : فليقسم خمسون رجلاً منكم على رجل ندفعه إليكم(3) . وغير ذلك من الروايات .
مع أنّ ظاهر الروايات الواردة في مشروعية القسامة أنّها بحكم البيّنة والإقرار في ترتّب القصاص ، وإلاّ لكان اللاّزم التصريح بالاختلاف وعدم ثبوت القصاص هنا . ولا شبهة أيضاً في ثبوت الدية على القاتل في الخطأ شبه العمد هنا ; وأمّا الخطأ المحض فالمشهور فيه ثبوت الدية على العاقلة(4) ، كما إذا ثبت بالبيّنة ، ولكنّ المحكيّ عن تحرير العلاّمة(5) وحواشي الشهيد(6) ثبوت الدية على القاتل في الخطأ أيضاً ، ولعلّ مستندهما رواية زيد بن عليّ ، عن آبائه (عليهم السلام) قال: لا تعقل العاقلة إلاّ ما قامت عليه البيّنة . قال: وأتاه رجل فاعترف عنده ، فجعله في ماله خاصّة ولم يجعل على العاقلة شيئاً(7) . ولكن الرواية مضافاً إلى ضعف السند قاصرة من حيث الدلالة ، لأنّ الظاهر بقرينة الذيل أنّ الحصر فيها إضافي في مقابل الإقرار لا حقيقي ، شامل للقسامة أيضاً ، خصوصاً مع ظهور روايات القسامة في خلافه .
- (1) تقدّمت في ص219 .
- (2) تقدّمت في ص223 .
- (3) تقدّمت في ص221 .
- (4) كشف اللثام: 2 / 464 .
- (5) تحرير الأحكام: 2 / 254 .
- (6) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 79 .
- (7) وسائل الشيعة: 19 / 306 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب 9 ح1 .
(الصفحة 266)مسألة 2 ـ لو ادّعى على اثنين وله على أحدهما لوث فبالنسبة إلى ذي اللّوث كان الحكم كما تقدّم من إثباته بخمسين قسامة ، وبالنسبة إلى غيره كانت الدعوى كسائر الدّعاوي ، اليمين على المدّعى عليه ولا قسامة . فلو حلف سقطت دعواه بالنسبة إليه ، وإن ردّ اليمين على المدّعي حلف ، وهذا الحلف لا يدخل في الخمسين ، بل لابدّ في اللوث من خمسين غير هذا الحلف على الأقوى1.
مسألة 3 ـ لو أراد قتل ذي اللّوث بعد الثبوت عليه بالقسامة يردّ عليه نصف .
1 ـ مورد هذه المسألة ما إذا ادّعى القتل على اثنين بنحو الشركة ، وكان اللّوث متحقّقاً بالإضافة إلى أحدهما فقط ، وعليه فالحكم فيها هو ما في المتن من ملاحظة اللّوث وعدمه ، فبالنسبة إلى ذي اللّوث يتوقّف إثبات دعوى القتل على القسامة ، ويترتّب عليها شركة المدّعى عليه في القتل ، وأمّا بالنسبة إلى غير ذي اللّوث فلا مجال للقسامة ; لعدم وجود شرطها الذي هو اللّوث كما عرفت . وعليه فتجري الضابطة الجارية في سائر الموارد ، وهي أنّه مع عدم البيّنة للمدّعي تصل النوبة إلى يمين المدّعى عليه ، فإذا حلف سقطت دعواه بالإضافة إليه ، وإن ردّ اليمين على المدّعي حلف وتثبت دعواه على الآخر أيضاً ، وهي شركته في القتل .
والظاهر أنّ هذا الحلف لا يرتبط بالقسامة ولا يدخل في الخمسين ; لأنّه مضافاً إلى مغايرة طرفه مع طرفها يكون مقتضاهما مختلفاً ، فإنّ القسامة إنّما تثبت شركة ذي اللّوث في القتل ، ولا تثبت بها شركة غيره بوجه . وعليه فلابدّ في إثباتها من حلف مربوط به ، ولا يبتني الدخول وعدمه على القولين فيما إذا تعدّد المدّعى عليه ، وكان لوث بالإضافة إلى الجميع ، فإنّ المفروض في المقام عدم اللّوث بالإضافة إلى الثاني ، وكون اليمين هي اليمين المردودة ، ولا ربط له بتلك المسألة .
(الصفحة 267)ديته ، وكذا لو ثبت على الآخر باليمين المردودة وأراد قتله يردّ عليه نصف الدية1.
مسألة 4 ـ لو كان لوث وبعض الأولياء غائب ورفع الحاضر الدّعوى إلى الحاكم تسمع دعواه ويطالبه خمسين قسامة ، ومع الفقد يحلفه خمسين يميناً في العمد ، وفي غيره نصفها حسب ما عرفت ، ويثبت حقّه ولم يجب انتظار سائر الأولياء ، وله الاستيفاء ولو قوداً ، ثم لو حضر الغائب وأراد استيفاء حقّه قالوا: حلف بقدر نصيبه ، فإذا كان واحداً ففي العمد خمس وعشرون ، وإن كان اثنين فلكلّ ثلث وهكذا ، وفي الكسور يجبر بواحدة ، ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بقسامة الحاضر أو يمينه . ويحتمل التفصيل بين قسامة الحاضر ، فيقال بثبوت حقّ الغائب بها ويمينه خمسين يميناً مع فقد القسامة . فيقال بعدم ثبوته بها . ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بضمّ يمين واحدة إلى عدد القسامة ومع فقدها ويمين الحاضر ضمّ حصّته من الأيمان . ويحتمل عدم ثبوت دعوى الغائب إلاّ بخمسين .
1 ـ الظاهر أنّ المفروض في هذه المسألة ما إذا أثبت المدّعي دعواه بالإضافة إلى واحد منهما فقط ، أمّا الأوّل من طريق القسامة ، وأمّا الثاني من طريق اليمين المردودة ، فإنّه حينئذ إذا أراد القتل لابدّ له أن يردّ نصف الدية من نفسه ، لعدم التمكّن من إثبات دعواه على غيره ، والمفروض أنّ ما أثبته كان هو القتل لا بنحو الانفراد بل بنحو الشركة ، فمع الاعتراف بالشركة بنحو التنصيف لابدّ له من ردّ نصف الدية من نفسه . وأمّا لو فرض ثبوت الدّعوى على كليهما وأراد قتل أحدهما فاللاّزم أن يردّ الآخر النصف لاوليّ المقتول ، كما في موارد ثبوت الشركة في القتل بالإقرار أو بالبيّنة ، كما لا يخفى .