(الصفحة 268)قسامة ومع فقدها يحلف خمسين يميناً كالحاضر ، ولو كان الغائب أزيد منواحد وادّعى الجميع كفاهم خمسون قسامة أو خمسون يميناً من جميعهم . أقوى الاحتمالات الأخير ، سيّما إذا ثبت حقّه بخمسين يميناً منه . ويأتي الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء1..
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
الأوّل: في جواز رفع الوليّ الحاضر الدّعوى إلى الحاكم وما يترتّب عليه ، والوجه في الجواز إطلاق الأدلّة الدالّ على عدم مانعية غيبة بعض الأولياء عن رفع الحاضر الذي هو لأجل إثبات حقّه واستيفائه ، خصوصاً مع أنّه ربّما يحتمل عدم عود الغائب ، وعدم تبدّل غيبته إلى الحضور ، أو عدم كونه مدّعياً بعد الحضور ، فمجرّد الغيبة لا يتّصف بالمانعية ، وعليه فيجوز للحاضر رفع دعواه ، وتكون هذه الدعوى مسموعة عند الحاكم .
غاية الأمر حيث قام الدليل على أنّه إذا لم يكن لمدّعي القتل بيّنة ولم يكن هناك إقرار من القاتل فالطريق منحصر في القسامة ، فاللاّزم في إثبات دعواه في المقام إقامة خمسين قسامة ، أو خمسين يميناً في العمد ، ونصفه في غيره ، وإن كان على تقدير حضور الغائب يكون سهمه من اليمين هو النصف ، إلاّ أنّه بالغيبة لا يتغيّر الحكم ولا يوجب ثبوت القتل بالنصف ، فاللاّزم خمسون يميناً حتّى يثبت حقّه ، ومع الإثبات يجوز له الاستيفاء من دون انتظار ، ولو كان بنحو الاقتصاص ، لما سيأتي في مسائل كيفيّة استيفاء القصاص من جواز التصدّي له من بعض الأولياء .
الثاني: في أنّه إذا حضر الغائب وأراد استيفاء حقّه فبأيّ طريق يمكن له إثبات حقّه ، والمذكور في كلماتهم بنحو يوجب شبهة تحقّق الإجماع ـ كما في
(الصفحة 269)
الجواهر(1) ، حيث أرسل من تعرّض له من الشيخ(2) والفاضلين(3) والشهيدين(4)وغيرهم من الشارحين(5) له إرسال المسلّمات ـ هو أنّه يحلف الغائب بقدر نصيبه ، فإذا كان واحداً يحلف خمساً وعشرين في العمد ، وإن كان اثنين يحلف كلّ واحد منهما سبع عشرة لعدم تكسّر اليمين ، والوجه في هذا أنّ الغائب لو كان حاضراً عند رفع الحاضر لم يجب عليه أزيد من هذا ، بل كان اللاّزم عليه الحلف بقدر نصيبه ، فإذا حضر بعد الغيبة لا يتغيّر الحكم .
وتجري المناقشة في هذا الوجه لأنّه على تقدير الحضور ربّما لا يكون الحلف عليه لازماً ، لوجود خمسين رجلاً يحلفون ، كما أنّه على هذا التقدير ربّما لا يكون الحلف بقدر النصيب بلازم ، لامكان حلف الحاضر أزيد ، وقد مرّ جوازه .
وفي المتن بعد نقل هذا الحكم منسوباً إلى الأصحاب احتمل فيه احتمالات أُخر:
أحدها: أنّه كما ثبت حقّ الحاضر بخمسين رجلاً أو يميناً كذلك ثبت حقّ الغائب بها ، ولا يحتاج إثبات دعواه إلى دليل آخر ، لأنّ المفروض عدم كون دعواه مغايرة مع دعوى الحاضر ، والمفروض أنّه قد أثبت دعواه ، فيبقى للغائب مجرّد الاستيفاء ، ولا حاجة إلى الإثبات ثانياً .
ثانيها: أنّه إذا أثبت الحاضر حقّه بخمسين رجلاً فبذلك يثبت حق الغائب
- (1) جواهر الكلام: 42 / 269 .
- (2) المبسوط: 7 / 233 ـ 234 .
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 1000 ، قواعد الأحكام: 2 / 298 ، إرشاد الأذهان: 2 / 220 .
- (4) مسالك الأفهام: 15 / 215 ـ 216 ، وامّا الشهيد الأوّل فحكاه عن كتابه «الروض» السيد العاملي في مفتاح الكرامة: 11 / 80 .
- (5) كشف اللثام: 2 / 464 .
(الصفحة 270)
أيضاً ، نظراً إلى أنّ قسامة خمسين بمنزلة البيّنة التي يكفي لإثبات الحقّ مطلقاً ، ضرورة أنّه لو كان الحاضر أثبت حقّه بالبيّنة لكان ذلك كافياً في إثبات حقّ الغائب أيضاً ، فقسامة خمسين بمنزلة البيّنة في ذلك ، وهذا بخلاف خمسين يميناً التي يحلفه الحاضر ، فإنّه لا دليل على أزيد من إثبات حقّه بها ، وأمّا ثبوت حقّ الغائب أيضاً فلا يستفاد من الأدلّة ، بل لابدّ للغائب من إقامة الدليل ، والظاهر في هذا الاحتمال أيضاً أنّ دليله هو الحلف بقدر نصيبه .
ثالثها: هو الاحتمال الثاني مع الفرق في أنّه يلزم بعد تحقّق قسامة خمسين رجلاً في إثبات دعوى الحاضر يمين واحدة من الغائب إذا حضر ، والوجه فيه لزوم كون المدّعي من جملة الخمسين ، فكما أنّه كان الحاضر أحدهم يلزم أن يحلف الغائب بعد حضوره ليكون أحدهم أيضاً .
رابعها: ما قوّاه في المتن وهو أنّه يحتاج الغائب في إثبات دعواه إلى قسامة خمسين رجلاً أو خمسين يميناً ثانياً كالحاضر ، نعم لو كان الغائب أزيد من واحد كفى الجميع ذلك ، كما إذا كانوا حاضرين . والوجه فيه إطلاق أدلّة القسامة الدالّ على أنّ مدّعي القتل يحتاج في إثبات دعواه ـ مع عدم البيّنة والإقرار ـ إلى القسامة ، ومن الواضح أن الغائب مدّع للقتل ، والمفروض تمامية دعوى الحاضر وفصل الخصومة بالإضافة إليه ، وهذه دعوى جديدة .
نعم لو كان الغائب حاضراً لا يحتاج إلى تعدّد القسامة ، لأنّ الخصومة واحدة . وقد عرفت أنّ ظاهر أدلّة القسامة عدم كون تعدّد المدّعي موجباً لتعدّدها ، لكن هذا مع حضورهم . وأمّا مع الافتراق فالظاهر التعدّد ، كما إذا كانوا جميعاً حاضرين . ولكن صدر الادعاء من واحد منهم لعدم ثبوت القاتل عند غيره ، فبعد إثبات المدّعي دعواه بالقسامة وتمامية الخصومة ، إذا صدر الادعاء من غيره أيضاً
(الصفحة 271)
يحتاج إلى قسامة جديدة، لأنّه دعوى جديدة وهو مدّع جديد ، واللاّزم عليه ذلك.
وهذا الاحتمال مضافاً إلى أنّه أقوى ، سيّما إذا أثبت الحاضر حقّه بخمسين يميناً من نفسه دون خمسين رجلاً ، الذي يحتمل فيه كونه كالبيّنة المثبتة للدّعوى مطلقاً موافق للاحتياط أيضاً، خصوصاً بعدكون القسامة على خلاف القاعدة ، كما عرفت.
ثمّ إنّه إذا استوفى الحاضر حقّه بالدية فتارة يريد الغائب بعد حضوره وإثبات حقّه بنحو عرفت استيفاء حقّه بالدية أيضاً ، وأُخرى يريد استيفاءه بالقصاص ، ففي الصورة الأولى يأخذ نصف الدّية مثل الحاضر ، ولا إشكال حينئذ ، وفي الصورة الثانية يجوز له الاقتصاص ، غاية الأمر بعد أداء نصف الدية ، لأنّ المفروض أنّه قد أدّى المقتصّ منه نصف الدية إلى الحاضر أوّلاً ، فاللاّزم الأخذ من الغائب الذي ليس له من الحقّ إلاّ النصف .
وأمّا إذا استوفى الحاضر حقّه بالقصاص ـ ولازمه أداء نصف الدية إلى المقتصّ منه أو ورثته ، لعدم جواز الاقتصاص بعد كون حقّه بمقدار النصف إلاّ بعد الأداء المذكور ـ فتارة يريد الغائب الاستيفاء بالدية وأُخرى بالقصاص ، ففي الصورة الأُولى يأخذ نصف الدية من الورثة ، وفي الصورة الثانية وإن كان لا يترتّب على إثبات دعواه بالقسامة من جهة القصاص شيء ، لأنّ المفروض تحقّقه ، ولأجله ربّما يحتمل عدم القسامة عليه للورثة ، إلاّ أنّه حيث يترتّب على دعواه لزوم دفع الورثة النصف الذي أخذ من الحاضر إليه ، لأنّه لا يقع في مقابل النفس أزيد من نفس واحدة ، فإلزامه بذلك يتوقّف على إثبات دعواه بالقسامة ، وفي الحقيقة لا تكون مطالبة القسامة حينئذ بنفع الورثة بل بضررهم ، لأنّه مع عدم المطالبة يكون نصف الدية بأيديهم ، بل تكون القسامة مؤثِّرة في حصول نفع إلى الوليّ الحاضر ، ولأجله يمكن أن يقال بعدم سماع دعوى الغائب في هذه الصورة ، لأنّه بعد إرادة القصاص
(الصفحة 272)مسألة 5 ـ لو كذّب أحد الوليّين صاحبه لم يقدح في اللوث فيما إذا كانت أمارات على القتل ، نعم لايبعد القدح إذا كان اللّوث بشاهد واحد مثلاً ، والمقامات مختلفة1..
لا نفع في هذه الدعوى بالإضافة إليه أصلاً .
ثمّ إنّه ذكر في ذيل المتن أنّه يجري الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء ، ومراده من القاصر الصبي والمجنون ، ومراده أنّه لو كان أحد الوليّين صبيّاً أو مجنوناً يجري فيه حكم الولي الغائب ، فيأتي فيه جميع الاحتمالات المذكورة فيه . ولكن اللاّزم تقييده بما إذا لم يدّع الوليّ عنهما مع المدّعين ، وإلاّ فيجري فيه حكم تعدّد المدّعي الذي قد عرفت عدم تعدّد القسامة فيه ، بخلاف تعدّد المدّعى عليه .
1 ـ قد وقع عنوان المسألة بهذه الكيفية في المتن تبعاً للشرائع(1) ومحكي الخلاف(2) والمبسوط(3) والقواعد(4) وبعض آخر(5) ، ولكنّ الظاهر أنّه بهذه الكيفية لا يرتبط بالفقيه ، إذ ليس من شأنه بيان موارد وجود اللّوث وموارد عدمه بعد بيان مفهومه ومعناه ، وأنّه هي الأمارة المفيدة للظنّ الشخصي للحاكم بصدق المدعي ، لأنّه لا مجال لأن يتعرّض الفقه في أيّ مورد يتحقّق الظن الشخصي ، وفي أيّ مورد لا يتحقّق ، بعد ملاحظة اختلاف المقامات واختلاف الأشخاص واختلاف الأمارات .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1000 .
- (2) الخلاف: 5 / 315 مسألة 15 .
- (3) المبسوط: 7 / 233 .
- (4) قواعد الأحكام: 2 / 296 .
- (5) إيضاح الفوائد: 4 / 612 ـ 613 ، مسالك الأفهام: 15 / 217 .