(الصفحة 296)فللوالي تعزيره ، ولكن لا قصاص عليه ولا دية1..
1 ـ صرّح المحقّق في الشرائع بجواز المبادرة(1)، وحكي ذلك عن موضع من المبسوط(2) وعن الفاضل(3) وولده(4) والشهيدين(5) وأبي العبّاس(6) والمقدس الأردبيلي(7) ، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر(8) ، وفي الرياض إلى أكثر المتأخّرين بل عامّتهم(9) .
والمحكيّ عن المقنعة(10) والخلاف(11) والغنية(12) والمهذب(13) وموضع آخر من المبسوط(14) والعلاّمة في القواعد(15) عدم جواز المبادرة بدون إذن الإمام أو من يأمره .
والظاهر أنّ محلّ الخلاف ما إذا كان الموجب للقصاص ثابتاً من دون حكم
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1002 .
- (2) المبسوط : 7 / 56 .
- (3) تحرير الأحكام: 2 / 255 ، مختلف الشيعة: 9 / 472 مسألة 164 .
- (4) إيضاح الفوائد: 4 / 622 .
- (5) اللمعة الدمشقية: 179 ، الروضة البهية: 10 / 94 .
- (6) المقتصر : 434 .
- (7) مجمع الفائدة والبرهان: 13 / 429 .
- (8) مسالك الأفهام: 15 / 229 .
- (9) رياض المسائل: 10 / 334 .
- (10) المقنعة: 736 .
- (11) الخلاف: 5 / 205 مسألة 80 .
- (12) غنية النزوع: 407 .
- (13) المهذّب : 485 .
- (14) المبسوط : 7 / 100 .
- (15) قواعد الأحكام: 2 / 299 .
(الصفحة 297)
الحاكم ، كما إذا أقرّ القاتل بالقتل وعلم وليّ المقتول بذلك مثلاً ، فإنّه في مثله وقع الخلاف في جواز المبادرة وعدم المراجعة إلى الحاكم والاستئذان منه وعدمه ، وأمّا مع ثبوت الاختلاف في أصل الموجب وتوقّف الثبوت على حكم الحاكم ، كما إذا ثبت القتل بالقسامة ، فالظاهر أنّ ثبوته عند الحاكم كاف ولا يحتاج بعد الثبوت إلى الاستئذان منه في إجراء القصاص وإعماله ، بحيث كان اللاّزم المراجعة إليه في مرحلتين : إثبات الموجب ، وإجراء القصاص .
ولعلّ من تحرير محلّ النزاع يظهر عدم جواز المبادرة ، لاستلزام الجواز تحقّق القتل بعنوان القصاص في موارد كثيرة لم يتحقّق الموجب فيها ، وهو يستلزم الاختلال في الجامعة الإسلامية ومجتمع المسلمين . وبه يظهر الفرق بين حق القصاص وبين مثل حقّ الشفعة ، الذي تجوز المبادرة إلى استيفائه من دون مراجعة إلى الحاكم ، ضرورة عدم تحقّق تال فاسد فيه بعد بقاء حياة الأشخاص الذين يرتبط بهم حقّ الشفعة ، وهذا بخلاف المقتول بعنوان القصاص ، فإنّه لو فرض عدم ثبوت الوليّ له والمفروض موته لا سبيل إلى إثبات كونه لا بهذا العنوان واقعاً ، وهذا أمر أهمّ من مجرّد الاحتياط ، حتّى يقال كما في الجواهر(1) بعدم وجوب مراعاته .
ويؤيّده دعوى نفي الخلاف فيه في محكي الخلاف ، حيث قال: لا ينبغي أن يقتصّ بنفسه ، لأنّ ذلك للإمام (عليه السلام) أو من يأمره بلا خلاف(2) . وإن كان التعبير بـ «لا ينبغي» لا يكون ظاهراً في عدم الجواز ، خصوصاً مع فتوى الشيخ في موضع
- (1) جواهر الكلام: 42 / 287 .
- (2) الخلاف: 5 / 205 مسألة 80 .
(الصفحة 298)
من المبسوط بالجواز كما عرفت ، ومع حكمه في الخلاف بعدم التعزير مع المخالفة . وكذا يؤيّده دعوى نفي الخلاف أيضاً من الغنية ، حيث قال: ولا يستقيد إلاّ سلطان الإسلام أو من يأذن له في ذلك ، وهو ولي من ليس له ولي ، إلى أن نفى الخلاف في ذلك كلّه(1) . كما أنّه يؤيّده رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة(2) .
بقي الكلام في أمرين:
أحدهما: أنّ القصاص في الطرف أولى وأشدّ من جهة رعاية الاحتياط من القصاص في النفس ، والوجه فيه أنّ المحكيّ عن المهذّب(3) والمقتصر(4) الإجماع على توقّف الاقتصاص فيه على الإذن ، وإنّ الخلاف إنّما هو في النفس ، وهذه الدعوى وإن كانت فاقدة للحجّية خصوصاً مع شهادة التتبع لكلمات الأصحاب بخلافه ، كما في الجواهر(5) ، إلاّ أنّ اقتضائها للزوم رعاية الاحتياط بعنوانه مما لا مجال لانكاره ، كما لايخفى .
ثانيهما: أنّه على تقدير عدم الجواز ولزوم المراجعة إلى الحاكم والاستئذان منه ، لو خالف وبادر إلى القصاص يجب تعزيره لعدم رعايته لما هو وظيفته من المراجعة ، ولا خلاف ولا إشكال في عدم كونه ضامناً ، بحيث يترتّب على عمله القصاص أو الدية، ضرورة أنّه استوفى حقّه وإن أثم بترك المراجعة ، ولازمه ثبوت التعزير فقط.
- (1) غنية النزوع: 407 ـ 408 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح8 .
- (3) المهذّب البارع: 5 / 222 .
- (4) المقتصر : 434 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 288 .
(الصفحة 299)مسألة 7 ـ لو كان أولياء الدم أكثر من واحد فالأقوى عدم جواز الاستيفاء إلاّ باجتماع الجميع وإذن الولي (الوالي ـ ظ) ، لا بمعنى ضرب كلّ واحد إيّاه ، بل بمعنى إذنهم لأحد منهم أو توكيلهم أحداً ، وعن جمع أنّه يجوز لكلّ [واحد] منهم المبادرة ، ولا يتوقّف على إذن الآخر ، لكن يضمن حصص من لم يأذن ، والأوّل أقوى ، نعم لو بادر واستبدّ فلا قود ، بل عليه حصص البقية مع عدم الإذن ، وللإمام (عليه السلام) تعزيره1..
1 ـ أمّا القول الأوّل الذي قوّاه في المتن ، فهو ظاهر المحقّق في الشرائع(1) ، ومحكي عن الفاضل(2) والشهيدين(3) والمقداد(4) والأردبيلي(5) والكاشاني(6) ، بل عن غاية المرام أنّه المشهور(7) . والثاني محكي عن الشيخ في المبسوط(8) والخلاف(9)وعن أبي علي(10) وعلم الهدى(11) والقاضي(12) والكيدري(13) وابني حمزة(14)
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1002 .
- (2) تحرير الأحكام: 2 / 255 ، قواعد الأحكام: 2 / 299 .
- (3) اللمعة الدمشقية: 179 ، الروضة البهية: 10 / 95 .
- (4) التنقيح الرائع: 4 / 445 .
- (5) مجمع الفائدة والبرهان: 13 / 430 ـ 431 .
- (6) مفاتيح الشرائع: 2 / 139 .
- (7) غاية المرام: 4 / 402 .
- (8) المبسوط: 7 / 54 و 72 .
- (9) الخلاف: 5 / 179 مسألة 42 .
- (10) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 88 .
- (11) حكى عنه في رياض المسائل: 10 / 336 .
- (12) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 88 .
- (13) إصباح الشيعة: 493 .
- (14) الوسيلة: 432 .
(الصفحة 300)
وزهرة(1) ، بل في محكي البرهان نسبته إلى أخبار الأكثر ، بل عن المرتضى والخلاف والغنية وظاهر المبسوط الإجماع عليه ، بل عن الخلاف نسبته إلى أخبار الفرقة أيضاً ، وقوّاه صاحب الجواهر وأيّده بأمور كثيرة ، كبناء القصاص على التغليب ، ولذا إذا عفا الأولياء إلاّ واحداً كان له القصاص ، مع أنّ القاتل قد أحرز بعض نفسه ، وبأنّه إذا جاز القصاص مع عفو الباقين وإحراز القاتل بعض نفسه ، فمع السكوت أو الجهل وعدم الإحراز أولى .
وبأنّ ثبوت السلطان للولي يقتضي تسلّط كلّ واحد منهم على ذلك منفرداً ، كما هو مقتضى الإضافة ، وإلاّ لم يتم له السلطان .
وبأنّ الباقين إمّا أن يريدوا قتله أو الدية أو العفو ، والفرض أنّ الأوّل قد حصل ، والدية مبذولة من القاتل ، والعفو باق في محلّه ، فانّ المقصود به المثوبة وهي موجودة .
وبأنّه مخالف لما أجمع عليه العامّة أو معظمهم الذين جعل الله الرشد في خلافهم .
وبأنّ اشتراك الحقّ المزبور ليس على حسب غيره من الأموال التي لا يجوز التصرّف فيها بدون إذن الشريك ، بل المراد من اشتراكه أنّ لكلّ واحد منهم استيفاؤه ، لا كونه بينهم على الحصص ، ولا أنّه حقّ للمجموع من حيث كونه كذلك ، ضرورة عدم تعقّل الأوّل ، ومنافاة الثاني لبقائه مع عفو البعض ، وغرم الدية انّما هو لدليله لا لاشتراكه(2) .
ولكنّ الظاهر أنّه لا تنهض هذه الاُمور لإثبات القول الثاني ، فإنّه لا خفاء في
- (1) غنية النزوع: 406 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 289 ـ 290 .