(الصفحة 341)
بملاحظة الحمل ولزوم التحفّظ على النفس المحترمة التي هي الحمل ، من دون فرق بين كونه قبل جناية الأُمّ أو بعدها ، وكذا لا فرق بين كونه من زنا أو من غيره ، مضافاً إلى تفسير الإسراف في القتل المنهي عنه في ذيل بعض آيات القصاص بذلك ، مع ظهور كونه منه وإن لم ينحصر به .
الثاني: لا إشكال في ثبوت الحمل المانع عن استيفاء القصاص بشهادة أربع قوابل بذلك ، وأمّا لو كانت دعواها مجرّدة عن البيّنة فقد ذكر المحقّق في الشرائع: قيل: لا يؤخذ بقولها ، لأنّ فيه دفعاً للولي عن السلطان ، ولو قيل: يؤخذ كان أحوط(1) . ويظهر منه كون المسألة خلافية ، مع أنّ الظاهر كما في الجواهر(2) عدم وجدان مخالف صريح للقبول ، فإنّ جماعة من الأكابر وإن عبّروا بأنّ الأولى الاحتياط; لكنّ الظاهر أنّ مرادهم هو الاحتياط اللاّزم كما هو ظاهر الشرائع ، وعليه فالظاهر ثبوت الشهرة على القبول .
ويدلّ على القبول ـ مضافاً إلى أنّ للحمل أمارات مخفيّة أيضاً تجدها الحامل من نفسها ، وتختصّ بمراعاتها على وجه يتعذّر إقامة البيّنة عليها ، فيقبل قولها فيه كالحيض ونحوه ـ قوله تعالى:
{وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكتُمنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ}(3) نظراً إلى أنّ عدم حلّية الكتمان مستلزم للحجّية والاعتبار ، وإن كان يمكن المناقشة في الاستدلال به بوروده في المطلقات ، ولا دليل على التعميم . ورواية الطبرسي في مجمع البيان عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى:
{وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكتُمنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} قال: قد فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء:
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1004 ـ 1005 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 322 .
- (3) البقرة 2 : 228 .
(الصفحة 342)
الحيض ، والطهر ، والحمل(1) . وإن كانت ضعيفة من حيث السند إلاّ أنّ ضعفها منجبر بالشهرة المذكورة ، ولا أقلّ من كون الأخذ بقولها إلى اتّضاح الحال مقتضى الاحتياط الوجوبي ، كما في المتن ومثله .
الثالث: لو وضعت حملها ، فإن توقّف حياة الولد عليها إمّا من جهة اللّباء الذي حكي عن الشيخ(2) والعلاّمة(3) والشهيد(4) وغيرهم(5) أنّه لا يعيش الصّبي بدونه ، وإن كان الوجدان يشهد بخلافه إلاّ أن يراد به الغالب ، وهو يكفي في لزوم الرعاية; وإمّا من جهة انحصار غذائه بالأُمّ لعدم وجود ما يعيش به غيرها ، لا يجوز قتلها واستيفاء القصاص منها; لما ذكر في عدم الجواز مع الحمل من لزوم حفظ النفس المحترمة . نعم مع وجود ما يعيش به غيرها من ألبان الحيوانات أو المراضع الأُخر أو اللبن اليابس المتداول في هذه الأزمنة لا مانع من استيفاء القصاص ، وإن كان يمكن القول باستحباب الصبر; لئلاّ يفسد خلقه ونشؤه بالألبان المختلفة أو لبن غير الأُمّ الذي هو أوفق بطبعه وأنسب بمزاجه ، لكنّه لا يصل إلى حدّ المنع مع كون القصاص حقّاً للناس .
ثم في فرض انحصار غذائه بالأُمّ لو خالف واقتصّ من الأُمّ فمات الولد بعده هل يقتصّ من المقتصّ أم لا؟ قد حكي عن بعض(6) احتمال القصاص عليه لصدق قتله
- (1) مجمع البيان: 2 / 101 ، وسائل الشيعة: 15 / 441 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب 24 ح2 .
- (2) المبسوط : 7 / 59 .
- (3) قواعد الأحكام : 2 / 302 .
- (4) اللمعة الدمشقية: 120 .
- (5) الروضة البهية: 10 / 452 .
- (6) مسالك الأفهام: 15 / 253 .
(الصفحة 343)
التسبّبي، نحو ما لو حبس رجلاً ومنعه من الطعام أو الشراب حتّى مات جوعاً أو عطشاً.
ولكنّ الظاهر عدم ثبوت القتل في المقام ، فإنّ الموت مسبَّب عن عدم الغذاء ، ونفي موضوع الغذاء بالقصاص لا يوجب تحقَّق القتل . ألا ترى أنّه لو ترك المكلَّف إنقاذ الغريق مع القدرة عليه فمات الغريق بترك الإنقاذ لا يوجب ذلك تحقَّق القتل وإضافته إلى التارك للإنقاذ ، بل غاية الأمر عصيان التكليف الوجوبي المتعلّق بالإنقاذ. وكذلك لوسرق السارق طعام الغير المتوقّف عليه بقاءحياته لايوجب ذلك انطباق عنوان القاتل عليه ، إذا مات المسروق منه بسبب عدم الطعام ، وأمثال ذلك.
وممّا ذكرنا يظهر أنّه كما لا وجه لثبوت القصاص كذلك لا وجه للحكم بثبوت الدّية كما في الجواهر(1); لعدم تحقّق القتل أصلاً ، والموجب لها هو القتل مع كونه شبه عمد أو خطأ .
الرابع: ما عنونه في المتن بقوله: «ولو قتلت المرأة قصاصاً» ، والظاهر بقرينة قوله: «فبانت حاملاً» هو كون المقتصّ جاهلاً بالحمل حال القصاص ، إمّا لاعتقاده بالعدم ، أو لوجود مجرّد الاحتمال مع كون مقتضى الاستصحاب العدم لخلوّه عن الدعوى أيضاً ، كما أنّ الظاهر كون الحاكم الآذن جاهلاً أيضاً ، وعليه فالحكم بثبوت الدية بلحاظ قتل الحمل وإن كان ظاهراً ، إلاّ أنّ الحكم بثبوتها على الولي محلّ إشكال ، لأنّ القتل حينئذ يكون من قبيل قتل الخطأ الذي تكون الدية فيه على العاقلة ، إلاّ أن يكون المراد بما في المتن نفي الثبوت على بيت المال ، فالمراد بالوليّ هو الأعم منه ومن العاقلة . هذا في صورة جهلهما .
وأمّا صورة علمهما فالظاهر ثبوت الدية على الولي القاتل ، لتحقّق قتل العمد
- (1) جواهر الكلام: 42 / 323 .
(الصفحة 344)مسألة 24 ـ لو قطع يد رجل وقتل رجلاً آخر تقطع يده أوّلاً ثم يقتل ، من غير فرق بين كون القطع أوّلاً أو القتل ، ولو قتله ولي المقتول قبل القطع أثم ، وللوالي تعزيره ولا ضمان عليه ، ولو سرى القطع في المجني عليه قبل القصاص .
منه بالنسبة إلى الحمل ، غاية الأمر إنّ عدم وجود شرط القصاص فيه أوجب الانتقال إلى الدية . ولا مجال في هذه الصورة لتوهّم ثبوت القصاص على المقتصّ بالنسبة إلى قتل الأُمّ ، لأنّه وإن كان التأخير إلى الوضع واجباً عليه شرعاً ، والتقديم مخالفاً لما هو وظيفته كذلك ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب صيرورة القتل متّصفاً بكونه ظلماً وعدواناً ، كما إذا تصدّى للقصاص من دون استئذان من الحاكم وقلنا بلزومه ، فإنّه لا يوجب تحقّق موجب القصاص ، كما مرّ سابقاً .
وأمّا الحاكم ، فالظاهر أنّه لا وجه للحكم بثبوت ضمانه إمّا بانفراده أو بالاشتراك ، كما احتملهما في محكي المسالك(1) ، نظراً إلى أنّ فعل الولي صادر عن رأيه واجتهاده ، فهو كالآلة ، أو إلى أنّ أمر الحاكم كالمباشرة كفعل الولي ، فيتحقّق التشريك ، والوجه في العدم عدم استناد القتل إلى الحاكم بوجه; لوجود المباشر العالم على ما هو المفروض ، وعليه فالظاهر ثبوت الدية على خصوص الولي .
وممّا ذكر يظهر أنّ الحكم كذلك بطريق أولى فيما إذا كان المباشر عالماً والحاكم الآذن جاهلاً ، وأمّا في صورة العكس فقد صرّح المحقّق في الشرائع بضمان الحاكم(2) ، ولعلّ المراد استقرار الضمان عليه ، نظراً إلى أنّ ولي الحمل يرجع إلى القاتل أوّلاً ، وهو يرجع بعد أداء الدية إليه إلى الحاكم لقاعدة الغرور ، فتدبّر .
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 255 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 1005 .
(الصفحة 345)يستحقّ وليّه وولي المقتول القصاص ، ولو سرى بعد القصاص فالظاهر عدم وجوب شيء في تركة الجاني ، ولو قطع فاقتصّ منه ثم سرت جراحة المجني عليه فلوليّه القصاص في النفس1..
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: لو قطع يد رجل وقتل رجلاً آخر فهل يتعيّن أن يكون القطع قبل القتل أم لا؟ فيه وجهان ، واستدلّ للأوّل كما في الشرائع(1) وشرحه(2) بأنّ فيه توصّلاً إلى استيفاء الحقّين وجمعاً بينهما ، من غير فرق بين تقدّم زمان جناية القطع على زمان جناية القتل وتأخّره . ولكن يمكن المناقشة فيه بأنّ الجمع المذكور لا يقتضي إلاّ مجرّد المشروعية وجواز تقدّم القطع على القتل ، وأمّا التعيّن الذي مرجعه إلى وجوب انتظار وليّ المقتول وعدم استيفاء القصاص حتّى يتحقّق قصاص اليد فلا ، خصوصاً مع مسامحة المجنيّ عليه في استيفاء القصاص أو غيبته ، فإنّه لا دليل على الوجوب المذكور ، وإن كان لا يترتّب على مخالفته سوى الإثم والتعزير دون الضمان ، إلاّ أن هذا المقدار أيضاً يفتقر إلى دليل وهو مفقود ، فالمقام نظير ما إذا أخذ بعض الدُيّان دينه من المفلس الذي لم يحكم عليه بالتفليس بعد ، فإنّه يجوز ذلك وإن استلزم ذلك عدم وصول شيء إلى غيره . نعم حيث يكون القصاص مطلقاً مشروطاً بالاستئذان من الحاكم ، يمكن أن يقال: بأنّ الحاكم يؤخّر الإذن في قصاص النفس إلاّ أنّ الكلام في لزوم التأخير على الحاكم .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1005 .
- (2) مسالك الأفهام: 15 / 257 .