(الصفحة 355)
قتلتني مرّة ، فمرّوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبره خبره ، فقال: لا تعجل حتّى أخرج إليك ، فدخل على عمر فقال: ليس الحكم فيه هكذا ، فقال: ما هو يا أبا الحسن؟ فقال: يقتصّ هذا من أخى المقتول الأوّل ما صنع به ثم يقتله بأخيه ، فنظر الرجل أنّه إن اقتصّ منه أتى على نفسه ، فعفا عنه وتتاركا . ورواه الشيخ بإسناده عن علي ابن مهزيار ، عن إبراهيم بن عبدالله ، عن أبان بن عثمان ، ورواه الصدوق بإسناده عن أبان بن عثمان(1) .
وقد مرّ أنّ المحقّق (قدس سره) في الشرائع حكم بضعف أبان وإرسال الرواية .
أقول: أمّا ضعف أبان فمنشأه ما في الكشّيّ من أنه من الناووسية(2) وهي الفرقة المطعونة ، مع أنّ مجرّد فساد العقيدة على تقدير ثبوته لا يستلزم الضعف ، خصوصاً مع كون الحاكي لهذه الجهة ابن فضال الذي هو مثله في فساد العقيدة ، مضافاً إلى أنّ المحكي عن المقدس الأردبيلي(3) أنّ الموجود في نسخة الكشّي التي كانت عنده هو أنّه من القادسية قرية معلومة ، وإلى معارضته بما عن نفس الكشي(4) من كونه من أصحاب الإجماع ، وقد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، فالحكم بضعف أبان لا مجال له أصلاً .
وأمّا الإرسال فيمكن منع قدحه ، إمّا لأجل اقتضاء كونه من أصحاب الإجماع صحّة ما صحّ عنه ، وإن كان نقله مرسلاً أو عن ضعيف . وفي المقام وإن كان نقل الكليني مرسلاً ، ولازمه عدم تحقّق الصحّة عنه ، إلاّ أنّ النقلين الآخرين خاليين
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 94 ، أبواب القصاص في النفس ب 61 ح1 .
- (2) رجال الكشي: 352 ، الرقم 660 .
- (3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 323 .
- (4) رجال الكشي: 375 ، الرقم 705 .
(الصفحة 356)
عن هذا الإرسال . وإمّا لأجل ظهور نقل غير الكليني في عدم الإرسال ، كما حكاه صاحب الجواهر(1) ، وإمّا لأجل انجباره بالعمل نظراً إلى عمل ابن إدريس(2) به ، ونسبة العمل به إلى الشيخ(3) وأتباعه(4) ، وإلى ما ذكره صاحب الجواهر أيضاً من أنّ تفصيل المحقّق ومن تأخّر عنه لا يخلو عن العمل بالخبر المزبور في الجملة لاقتضاء الإعراض عنه عدم ضمان شيء من الجراحات هنا ، لا قصاصاً ولا دية(5) .
ولكنّ الظاهر بطلان جميع هذه الوجوه:
أمّا الوجه الأوّل: فلما مرّ في كتاب الحدود(6) من عدم اقتضاء كون الرجل من أصحاب الإجماع إلاّ مجرّد وثاقته وكونه معتمداً عليه ، وأمّا صحّة روايته وإن كان نقله مرسلاً أو عن ضعيف فلا ، فالامتياز لهؤلاء إنّما هو في مجرّد الاتفاق على وثاقتهم والاعتماد عليهم .
وأمّا الوجه الثاني: فالظاهر كما عرفت من الوسائل اشتراك الطرق في الإسناد إلى أبان ، وتحقّق الإرسال بعده ، فالرواية مرسلة على جميع الطرق .
وأمّا الوجه الثالث: فالدليل عليه ما عرفت من المحقّق من أنّه بعد طرح الرواية جعل الأقرب هو التفصيل المذكور ، وظاهره كون التفصيل موافقاً للقاعدة عنده ، فلا مجال لدعوى استناد التفصيل إلى الرواية وكونه عملاً بها ولو في الجملة ،
- (1) جواهر الكلام: 42 / 342 ، والمحكي عنه هو الطباطبائي في رياض المسائل: 10/347 .
- (2) السرائر: 3 / 405 .
- (3) النهاية: 774 ـ 775 .
- (4) الوسيلة: 438 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 341 .
- (6) مرّ في تفصيل الشريعة ، كتاب الحدود : 353 ـ 357 .
(الصفحة 357)مسألة 27 ـ لو قطع يده فعفا المقطوع ثم قتله القاطع فللولي القصاص في النفس ، وهل هو بعد ردّ دية اليد أم يقتل بلا ردّ؟ الأشبه الثاني ، وكذا لو قتل رجل صحيح رجلاً مقطوع اليد قتل به ، وفي رواية: إن قطعت في جناية جناها أو قطع يده وأخذ ديتها يردّ عليه دية يده ويقتلوه ، ولو قطعت من غير جناية ولا أخذ لها دية قتلوه بلا غرم ، والمسألة مورد إشكال وتردّد ، والأحوط العمل بها ، وكذا الحال في مسألة أُخرى بها رواية ، وهي لو قطع كفّاً بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع ، فإنّها مشكلة أيضاً1..
ويؤيّده عدم إشارة المتن إلى وجود رواية في المسألة كما مرّ .
فالإنصاف أنّه لا مجال للأخذ بالرواية لضعفها وعدم الجابر لها بوجه ، فاللاّزم الأخذ بالقاعدة ، وقد عرفت أنّ مقتضاها عدم القصاص مطلقاً .
1 ـ في هذه المسألة فروع ثلاثة ، ومقتضى القاعدة في جميعها مع قطع النظر عن الروايتين الواردتين في الفرعين الأخيرين أنّ نقص المقتول أو المقطوع لا يقدح في أصل القصاص بوجه . فما ذكره الشيخ احتمالاً ، من سقوط القصاص رأساً وثبوت نصف الدية في الفرع الأوّل ، نظراً إلى أنّ القتل بعد القطع بمنزلة السراية ، فهو كالجناية الواحدة إذا عفا عن بعضها ، فيسقط القصاص عن جميعها(1) في غاية الضعف ، لأنّه لا مجال لنفي القصاص مع ثبوت موجبه ، وهو إزهاق نفس معصومة عدواناً وظلماً .
كما أنّ ما ذكره ابن إدريس في الفرع الأخير من أنّه لا خلاف بيننا أنه لا يقتصّ العضو الكامل للناقص ـ إلى أن قال : ـ والأولى الحكومة في ذلك وترك القصاص
(الصفحة 358)
وأخذ الأرش(1) ، لا سبيل له أيضاً ، لعين ما ذكرنا من ثبوت موجب القصاص في الطرف وهو قطع العضو عدواناً وظلماً ، فالإنصاف أنّه لا مجال للحكم بعدم ثبوت القصاص في شيء من الفروع الثلاثة .
كما أنّ مقتضى القاعدة في الجميع الثبوت من غير ردّ شيء لظهور أدلّته وعموماته كتاباً وسنّة في ثبوته وعدم لزوم ردّ شيء أصلاً .
وأمّا الرواية الواردة في الفرع الثاني فهي رواية سورة بن كليب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً ، وكان المقتول أقطع اليد اليمني؟ فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها ، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن (أو ـ ظ) كان أخذ دية يده ويقتلوه ، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي ، قال: وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ، ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً ، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة ، قال وهكذا وجدناه في كتاب علي (عليه السلام) (2) .
والكلام في الرواية تارة من جهة اعتبارها في موردها ، واُخرى بعد فرض الاعتبار في المورد في شمولها للفرع الأوّل من جهة الحكم بلزوم الردّ ، فنقول:
أمّا من الجهة الاُولى فهي ضعيفة بسورة ، لعدم توثيقه قطعاً ، وعدم مدحه ظاهراً . وما ذكره الكشي(3) فيه ممّا يدلّ على مدحه يكون الناقل له شخص هذا الرجل ، والانجبار بالشهرة غير معلوم ; لعدم ثبوت الشهرة الفتوائية حتى تكون
- (1) السرائر: 3 / 404 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 82 ، أبواب القصاص في النفس ب 50 ح1 .
- (3) رجال الكشي: 376 ، الرقم 706 .
(الصفحة 359)
جابرة ، وعمل ابن إدريس الذي لا يعمل إلاّ بالقطعيات لا يوجب الجبر . فالرواية من جهة ضعف السند وعدم الجابر لا تكون حجّة في موردها فضلاً عن غيره ، وتوصيفها بكونها حسنة كما في محكي المسالك(1) وقد ارتضاه صاحب الجواهر(2)لا مجال له .
وأمّا من الجهة الثانية ، فالحكم بلزوم ردّ دية اليد عند الاقتصاص من القاتل في الفرع الأوّل انّما يبتنى على كون العفو ـ أي إسقاط حق القصاص في اليد مجاناً ـ من مصاديق أخذ دية اليد ، مع أنّه ممنوع جدّاً لعدم صدق أخذ الدية على العفو بوجه .
ودعوى كونه أخذ العوض الذي هو الثواب بل يظهر من غير المقام تنزيل العفو منزلة الأداء ، مدفوعة بعدم كون ذلك مساعداً لما هو المتفاهم عند العرف ، مضافاً إلى أنّ العفو قد لا يكون لغرض الثواب أصلاً ، والتنزيل لا دليل على شموله لمثل المقام أيضاً .
فالإنصاف أنّ الرواية تدلّ على الفرع الأوّل بمقتضى ذيلها ، باعتبار عدم كون العفو من مصاديق القطع في جناية جناها على نفسه الذي هو بمعنى القصاص ، لأنّ الجاني المستحقّ للقصاص قد جنى على نفسه وعدم كونه من مصاديق أخذ دية اليد ، فيجوز الاقتصاص من دون غرامة شيء ، كما أنّه على تقدير أخذ الدية من القاتل تؤخذ دية كاملة . نعم لا ينبغي ترك الاحتياط في الأخذ بالرواية .
وأمّا الرواية الواردة في الفرع الثالث ،
فهي ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن العبّاس بن الحريش ، عن أبي جعفر
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 265 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 337 .