(الصفحة 433)
كلّ من اثنين على آخر بقطع اليمين من أحد واليسار من آخر ، فهل يوجب ذلك سقوط القصاصين أو أنّ حقّ كلّ واحد ثابت في البين؟ الظاهر هو الثاني ، فكذا المقام بل أولى . نعم لو خيف من السراية إلى النفس بتوارد القطعين وتوالي العملين يؤخّر القصاص إلى اندمال اليسار . قال كاشف اللِّثام بعد الحكم بضمان أحد القطعين دون الآخر: فيضمن نصف السراية ، بخلاف ما لو قطع يدين فإنّه يوالي بين قطع يديه ، فإنّ السراية إن حصلت فعن غير مضمون(1) . وتنظّر فيه في الجواهر بقوله: وفيه نظر ، أمّا أوّلاً فلاحتمال عدم الضمان فيهما في الفرض للجهل بالأوّل والاستحقاق في الثاني . وأمّا ثانياً فقد يقال بضمانه هنا النفس ، وإن كان الجرحان معاً غير مضمونين ، باعتبار اشتراط استيفاء القصاص في الطرف بعدم التغرير بها ، فإذا اقتصّ مغرّراً بها ضمنها ، وإن لم تكن الجناية مضمونة لو اندملت فهو كما لو قطع اليد الشلاّء التي حكم أهل الخبرة بعدم انحسامها . وقال بعد ذلك: والمسألة لاتخلو من إشكال(2) .
الثانية: لا إشكال في أنّ قطع الشمال في هذه الصورة التي يكون المجنيّ عليه فيها جاهلاً بأنّها هي الشمال لا يوجب ثبوت حقّ القصاص للجاني بالنسبة إلى المجنيّ عليه ; لعدم تحقّق موجبه الذي هو القطع عدواناً وظلماً . ومن الواضح اعتبار العلم في ثبوت الظلم المحرّم .
الثالثة: هل يثبت على المجنيّ عليه دية ما قطعه من الشمال أم لا؟ ظاهر المتن عدم الثبوت مطلقاً ولو كان الجاني جاهلاً بالموضوع أو الحكم ، وظاهر المحقّق في
- (1) كشف اللثام: 2 / 472 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 410 .
(الصفحة 434)
الشرائع التفصيل، حيث قال: وأمّا الدية ، فإن كان الجاني سمع الآمر بإخراج اليمنى فأخرج اليسار مع العلم بأنّها لا تجزي ، وقصده إلى إخراجها فلا دية أيضاً(1) ، وهو المحكيّ عن الشيخ(2) والعلاّمة(3) وغيرهما .
واستدلّ في الجواهر لعدم ثبوت الدية في هذا الفرض ، بأنّ السبب فيه أقوى من المباشر ، فهو كتقديم الطعام المسموم للضيف وغيره .
واستشكل فيه في محكيّ المسالك: بأنّ الحكم في تقديم الطعام ونظائره مستند إلى العادة الغالبة مع اتّفاق المسؤول والمبذول ، والأمر في المتنازع(4) ليس كذلك ، فإنّ المسؤول إخراج اليمنى ، والمبذول اليسار ، ولأنّ الإذن في هذا الفعل لا يؤثّر في الإباحة ، بخلاف الأمثلة المذكورة ، فكان القول بثبوت الدية أوجه(5) .
والظاهر عدم صحّة الإشكال المزبور بعد عدم ابتناء المسألة على الإذن ، بل على أقوائية السبب من المباشر ، وهي لا فرق فيها بين المال والنفس أصلاً .
وأمّا فرض جهل الجاني بالموضوع أو الحكم الذي هو عبارة عن عدم الاجتزاء به في مقام قصاص الجناية ، فربّما يقال فيه بأنّ الأقوائيّة المزبورة متحقّقة ، لأنّ الملاك فيها هو جهل المستوفي بالحال ، وأمّا جهل الباذل فلا دخالة له فيها ، فلا مجال لثبوت الدية أيضاً كالقصاص . ولكنّه ربّما يقال ـ بعد لزوم معرفة المجنيّ عليه كونها يميناً في مقام القصاص : ـ إنّه مقصّر في قطعها ، اعتماداً على بذل المقتصّ منه
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1013 .
- (2) المبسوط : 7 / 100 .
- (3) تحرير الأحكام: 2 / 261 ، إرشاد الأذهان: 2 / 209 ، قواعد الأحكام: 2 / 304 .
- (4) مسالك الأفهام: 15 / 299 ـ 300 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 410 ـ 411 .
(الصفحة 435)
لها ، ولكن لا قصاص عليه لعدم العدوان عمداً فيه ، بخلاف الدية .
ولكن يرد عليه كما في الجواهر(1) بأنّه يكفي إقرار من عليه الحق بأنّها اليمين ، لعموم أدلّة الإقرار ، فتأمّل . ومع ذلك كلّه فالمسألة مشكلة ، والحكم بثبوت الدية لعلّه أشبه .
الصورة الثانية: ما إذا قطعها المجنيّ عليه عالماً بكونها اليسار ، فإن كان ذلك مع جهل الجاني فلا إشكال في ثبوت القود عليه ، ولكنّه لا يوجب سقوط حقّ القصاص الذي كان مستحقّاً له ، وعليه فلكلّ من المجنيّ عليه والجاني حقّ الاقتصاص ، وكان اللاّزم أن يتعرّض المتن لهذه الجهة التي لأجلها وقع التعرّض لهذا الفرع ، كما لا يخفى .
وأمّا مع علم الجاني أيضاً بذلك ومع ذلك وقع البذل منه ، ففي المتن بعد نفي الشبهة عن ثبوت الإثم استشكل في القصاص والدية ، ولكن ربّما يقال بثبوت القصاص ; لأنّ المجنيّ عليه مع فرض علمه بأنّ هذه يساره ولا يجوز له قطعها ، إذا أقدم عليه وقطعها دخل ذلك في القطع عمداً وعدواناً ، الذي هو الموضوع للقصاص . وقال في محكيّ المبسوط: سقط القود إلى الدية ، لأنّه بذلها للقطع ، وكانت شبهة في سقوط القود(2) . وأورد عليه المحقّق في الشرائع(3) بأنّه أقدم على قطع ما لا يملكه ، فيكون كما لو قطع عضواً غير اليد ، والإذن لا يوجب شرعية القطع ، ولا مجال لدعوى كون الشبهة لأجل تولّد الداعي فيه إلى قطعها ببذلها ، وعليه فلا مجال لما عن غاية المراد من كونها هدراً ; لأنّه أخرج بنيّة الإباحة ،
- (1) جواهر الكلام: 42 / 411 .
- (2) المبسوط : 7 / 102 .
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 1013 .
(الصفحة 436)السابع : لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى مثلاً ثم اليد اليمنى من آخر اقتصّ للأوّل ، فيقطع إصبعه ثم يقطع يده للآخر ، ورجع الثاني بدية إصبع على الجاني ، ولو قطع اليد اليمنى من شخص ثم قطع إصبعاً من اليد اليمنى لآخر اقتصّ للأوّل ، فتقطع يده وعليه دية الإصبع الآخر1..
ولا يضمن السراية ويعزّران لحق الله تعالى(1) .
وكيف كان فالظاهر بعدعدم تأثيرالعلم ـ أي علم الجاني ـ وإذنه ثبوت القصاص، فهو كما لو أذن صريحاً بالقتل فقتله القاتل عدواناً ، حيث لا يوجب ذلك سقوط القصاص بوجه. وثبوت استحقاق القصاص في المقام لا يوجب الفرق بعد علم المجنيّ عليه بعدم كون العضو المبذول هو العضو الذي يجري فيه القصاص ، كما لا يخفى.
1 ـ أمّا الفرض الأوّل فالوجه في الاقتصاص فيه واضح ، لإمكانه بالنسبة إلى كلا المجنيّ عليهما ، فيقطع الأوّل الإصبع ، والثاني اليد ، والوجه في رجوع الثاني بدية إصبع على الجاني هو كون يده في حال الاقتصاص الثاني ناقصة بإصبع ، وقد تقدّم البحث في هذه الجهة في بعض المسائل السابقة(2) .
وأمّا الفرض الثاني فالوجه في اقتصاص اليد فيه ظاهر أيضاً ، وحيث أنّه لا يبقى معه موضوع للاقتصاص الثاني فيجب عليه ردّ دية إصبع إلى الثاني ، لكن هل اللاّزم في مقام القصاص مراعاة المتقدّم في الجناية أم لا؟ كلام تقدّم البحث فيه أيضاً(3) ، فراجع .
- (1) غاية المراد: 378 (مخطوط) .
- (2) تقدّم في ص420 ـ 422 .
- (3) تقدّم في ص373 .
(الصفحة 437)الثامن : إذا قطع إصبع رجل فعفا عن القطع قبل الاندمال، فإن اندملت فلا قصاص في عمده ولا دية في خطئه وشبه عمده ، ولو قال : عفوت عن الجناية فكذلك . ولو قال في مورد العمد: عفوت عن الدية لا أثر له . ولو قال: عفوت عن القصاص سقط القصاص ولم تثبت الدية، وليس له مطالبتها . ولو قال: عفوت عن القطع أو عن الجناية ، ثم سرت إلى الكفّ خاصّة سقط القصاص في الإصبع وهل له القصاص في الكفّ مع ردّ دية الأصابع المعفو عنها أو لابدّ من الرجوع إلى دية الكفّ؟ الأشبه الثاني مع أنّه أحوط . ولو قال: عفوت عن القصاص ثم سرت إلى النفس فللولي القصاص في النفس ، وهل عليه ردّ دية الإصبع . المعفوّ عنها؟ فيه إشكال بل منع وإن كان أحوط ، ولو قال : عفوت عن الجناية ثم سرت إلى النفس فكذلك ، ولو قال: عفوت عنها وعن سرايتها فلا شبهة في صحّته فيما كان ثابتاً . وأمّا فيما لم يثبت ففيه خلاف ، والأوجه صحّته1..
1 ـ إذا قطع إصبع رجل ، ثم تحقّق العفو من المجنيّ عليه قبل الاندمال ، فتارة يتحقّق الاندمال بعده ، واُخرى يسري إلى خصوص الكفّ ، وثالثة إلى النفس . كما أنّ المعفوّ عنه تارة يكون هو القطع ، واُخرى الجناية فقط ، أو هي مع السراية ، وثالثة الدية في مورد العمد ، ورابعة القصاص ، ففي المسألة فروض متعدّدة لابدّ من التعرّض لها إن شاء الله تعالى ، فنقول:
أمّا فيما إذا تحقّق الاندمال بعده ولم تتحقّق السراية بوجه ، فإن كان المعفوّ عنه هو القطع أو الجناية يترتّب عليه سقوط القصاص في العمد والدية في اُختيه ، ولا مجال لدعوى عدم صحّة العفو ، لأنّ العبرة في الجناية بحال الاندمال الذي هو حال الاستقرار ، فلا حكم للعفو قبله ، وذلك لوضوح مخالفته للكتاب والسنّة