(الصفحة 98)
القصاص في النفس في كتاب الوسائل(1) . وبعد المراجعة إليها ظهر عدم ارتباطها بالمقام ، لأنّ بعضها وارد في مورد وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن لا يمثَّل بقاتله ، وبعضها وارد في تفسير قوله تعالى:
{وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلطاناً فَلاَ يُسرِف فِي القَتلِ}(2) وأنّ المراد من النهي عن الإسراف هو النهي عن أن يقتل غير قاتله أو يمثّل بالقاتل ، وبعضها وارد في مورد رجل ضرب رجلاً بعصا ، فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات ، وأنّه يجوز قتله ، ولكن لا يترك يعبث به ، ولكن يجيز عليه بالسيف .
ومن الواضح عدم ارتباط شيء منها بالمقام . أمّا عدم ارتباط الأوّلين فظاهر ، لأنّ المفروض عدم تحقّق التمثيل من القاتل قبلاً ، حتّى يمثّل به . وأمّا عدم ارتباط الأخير ، فلعدم ظهوره في تحقّق موجب القصاص بالإضافة إلى الطرف من ناحية الضارب ، لأنّ مورده إدامة الضرب بالعصا حتّى انجرّ إلى الموت . وأمّا تحقق جناية موجبة للقصاص في العضو ، فلا دلالة عليه لو لم نقل بأنّ عدم التعرّض يكشف عن عدمه ، كما لا يخفى . والحكم بأنّه يجيز عليه بالسيف لا يلازم الاقتصار على القتل في مورد ثبوت موجب القصاص في العضو ، خصوصاً فيما كانت الضربات متعدّدة ، كما هو محلّ الاختلاف بين الصّحيحتين المتقدّمتين على ما عرفت ، فهذه الروايات لايستفاد منها شيء في المقام .
الثالث: إنّ ما في المتن من نفي البعد عن أوجهية الوجه الأخير مع عدم دلالة شيء من الأدلّة المتقدّمة عليه ظاهراً يمكن أن يكون مستنداً إلى أحد وجهين:
- (1) وسائل الشيعة: 19 ـ 95 ـ 96 ، أبواب القصاص في النفس ب62 .
- (2) الإسراء 17 : 33 .
(الصفحة 99)مسألة 44 ـ لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد اقتصّ منهم إذا أراد الوليّ ، فيردّ عليهم ما فضل من دية المقتول ، فيأخذ كلّ واحد ما فضل عن ديته ، فلو قتله اثنان وأراد القصاص يؤدّي لكلّ منهما نصف دية القتل ، ولو كانوا ثلاثة فلكلّ ثلثا ديته ، وهكذا ، وللوليّ أن يقتصّ من بعضهم ، ويردّ الباقون .
أحدهما: أن يحمل قوله (عليه السلام) في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة: «وإن كان ضربه ضربة واحدة» على أنّ المراد هو العمل الواحد الذي لا ينافي تعدّد الضربات المتوالية ، وعليه فالمراد بالتفريق الواقع في مقابله هو تعدّد العمل المستلزم للتفرّق والفصل ، ويؤيّده أنّ وقوع مجموع هذه الجنايات بالضربة الواحدة بمعناها المقابل لتعدّد الضربات مستبعد جدّاً ، فالمراد وقوعها متوالية من غير فصل .
ثانيهما: هو الرجوع إلى القاعدة ، ورفع اليد عن الروايات بعد تعارضها وعدم إمكان الجمع بينها ، كما يستفاد ذلك من المحقِّق في الشرائع ، حيث استدلّ على مختاره بالقاعدة كما عرفت .
وعليه فالقاعدة تقتضي هذا الوجه الأخير ، لأنّه مع اتّحاد العمل الموجب للموت لا ينطبق على العامل إلاّ مجرّد عنوان القاتل الموجب لقصاص النفس ، وتعدّد الضربات بعد فرض التوالي لا يقدح في الاتّحاد بوجه ، وعليه فالدليل الشامل للمقام هو دليل قصاص النفس .
وأمّامع تعدّدالعملوتحقّق الضربات مع الفصل، فلامانع عن شمول دليل القصاص للجناية الأُولى الواردة على العضو الموجبة للقصاص ، وتعقّبها بجناية القتل لا يمنع عن ذلك ، فلا مجال للتداخل في هذا الفرض ، ولكن بعد ملاحظة ما ذكرنا من المراد من الرواية ومن بيان مقتضى القاعدة ، يظهر أنّ كلاًّ من الوجهين مخدوش ، ولا ينبغي الاعتماد عليه ، ولكن كما في المتن «والمسألة بعد مشكلة» ، فتدبّر .
(الصفحة 100)المتروكون دية جنايتهم إلى الذي اقتصّ منه ، ثم لو فضل للمقتول أو المقتولين فضل عمّا ردّه شركاؤهم قام الوليّ به ويردّه إليهم ، كما لو كان الشركاء ثلاثة فاقتصّ من اثنين فيردّ المتروك دية جنايته وهي الثلث إليهما ويردّ الوليّ البقية إليهما ، وهي دية كاملة ، فيكون لكلّ واحد ثلثا الدية1..
1 ـ يقع البحث في هذه المسألة من جهات:
الاُولى: في أنّه هل يكون للوليّ في صورة الشركة في القتل بحيث يكون القاتل متعدّداً ، ويسند القتل إلى أزيد من واحد أن يقتصّ من الجميع ، أو ليس له حقّ القصاص أصلاً ، أوليس له حقّ القصاص بالنسبة إلى أزيد من واحد؟ وجوه واحتمالات في بادئ النظر . وفي الجواهر نفى وجدان الخلاف في الأوّل ، قال: بل الإجماع بقسميه عليه(1) ، وحكي عن بعض العامّة(2) أنّه ليس للوليّ إلاّ قتل واحد منهم ويأخذ حصّة الآخرين ولا يقتل الجميع ، وعن بعضهم(3) فضّ القصاص عليهم ، على معنى استحقاق الوليّ عشر الدم في العشرة إلاّ أنّه لا يمكن استيفاؤه إلاّ باستيفاء الباقي ، وقد يستوفى من المتعدّي غير المستحق عليه ، كما إذا لم يمكن استيفاء المستحق إلاّ به ، كما لو أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيّق واحتيج في ردّه إلى هدم الجدار وقلع الباب .
ولابدّ أوّلاً من ملاحظة أن الأدلّة العامّة الواردة في القصاص هل يستفاد منها ثبوت حقّ القصاص بالإضافة إلى الجميع ، كما هو ظاهر الجواهر(4) أم لا؟
- (1) جواهر الكلام: 42 / 66 .
- (2) الخلاف: 5 / 156 مسألة 14 ، المغني لابن قدامة: 9 / 366 ـ 367 .
- (3) المغني لابن قدامة: 9 / 366 ، المجموع: 20 / 33 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 67 .
(الصفحة 101)
الظاهر هو الثاني; لأنّ قوله تعالى:
{وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلبَاب}(1) إنّما كان مسوقاً لبيان مشروعية القصاص وترتّب الحياة الاجتماعية عليه ، وأمّا ثبوته في مورد الشركة بالنسبة إلى أزيد من واحد فلا دلالة له عليه ، كما أنّ قوله تعالى:
{وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلطاناً فَلاَ يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّه كَانَ مَنصُوراً}(2) ربّما يدلّ على العدم على تقدير كون المراد بالإسراف المنهيّ عنه هو قتل أزيد من واحد ، كما ورد تفسيره به في رواية أبي العبّاس الآتية ، وعلى تقدير كون المراد به هو عدم قتل غير القاتل وعدم المثلة بالقاتل ، كما في بعض الروايات التي أُشير إليها في المسألة المتقدّمة ، فلا دلالة للآية على شيء من طرفي النفي والإثبات ، كما لايخفى .
وكذا قوله تعالى:
{وَكَتَبْنا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ}(3) إلى آخر الآية ، لا دلالة له على وقوع نفوس متعدّدة في مقابل نفس واحدة . وهكذا حديث نفي الضرر ، بناء على ارتباطه بالأحكام الكلّية الفقهيّة الإلهيّة ، كما لايخفى .
نعم ، يستفاد ذلك من الروايات الخاصّة الواردة في المقام:
منها: رواية الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) في عشرة قتلوا رجلاً ، قال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً وغرموا تسع ديات ، وإن شاؤوا تخيّروا رجلاً ، وأدّى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الآخر عشر الدية كلّ رجل منهم . قال: ثم الوالي بعد يلي أدبهم وحبسهم(4) .
- (1) البقرة 2 : 179 .
- (2) الإسراء 17: 33 .
- (3) المائدة 5 : 45 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 30 ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح6 .
(الصفحة 102)
ومنها: رواية عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجلين قتلا رجلاً ، قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة وقتلوهما ، وتكون الدية بين أولياء المقتولين ، فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه وأدّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول ، وإن لم يؤدّ دية أحدهما ولم يقتل أحدهما قبل الدية صاحبه من كليهما ، وإن قبل أولياؤه الدية كانت عليهما(1) .
وفي مقابلهما رواية أبي العبّاس وغيره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا اجتمع العدّة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيّهم شاؤا ، وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد ، إنّ الله عزّوجل يقول:
{وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلطاناً فَلاَ يُسرِف فِي القَتلِ}(2) .
ولكن حيث إنّ الشهرة بل الإجماع كما عرفت على خلافها ، فلا يبقى مجال للأخذ بها .
الثانية: إذا أراد الوليّ قتل الجميع فهل الواجب عليه أن يردّ الدية إليهم ، ثم يتصدّى للقصاص بحيث كان الأداء مقدَّماً على القصاص ، أو لا يجب عليه ذلك؟ مقتضى الروايتين المتقدّمتين العدم ، لوقوع العطف بالواو ، ولكن يدلّ على خلافه صحيحة أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل ، قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثم يقعطهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد . قال: وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية(3) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 30 ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح4 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 30 ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح7 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 140 ـ 141 ، أبواب قصاص الطرف ب 25 ح1 .