(الصفحة 118)
المرأة الرجل قتلت به ، ليس لهم إلاّ نفسها(1) .
وصحيحة عبدالله بن سنان المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة قتلت زوجها متعمّدة ، قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها ، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه(2) .
وصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تقتل الرجل ما عليها؟ قال: لا يجني الجاني على أكثر من نفسه(3) .
وفي مقابلها صحيحة أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في امرأة قتلت رجلاً ، قال: تقتل ويؤدّي وليّها بقيّة المال(4) .
ولكنّها رماها غير واحد بالشذوذ وموافقة العامة(5) ، وقد احتمل الحمل على الإنكار وعلى الاستحباب . وفي الوسائل يحتمل أن يكون أصله في امرأة قتلها رجل ، قال: يقتل ، ويكون غلطاً من الرّاوي أو الناسخ . مضافاً إلى عدم ظهورها في نفسها في أداء نصف الدّية; لعدم ظهور «بقيّة المال» فيه .
وحكي عن الراوندي(6) حملها على يسار المرأة ، وحمل الروايات الصحيحة المتقدّمة على إعسارها . ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ التعليل الواقع في الروايات المتقدّمة «وأنّه لا يجني الجاني على أكثر من نفسه» لا يلائم الحمل على الإعسار ،
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 59 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 59 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 61 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 10 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 17 .
- (5) الإستبصار: 4 / 268 ، مسالك الأفهام: 15 / 109 ـ 110 .
- (6) راجع رياض المسائل: 10 / 256 ـ 257 .
(الصفحة 119)
كما أنّ الحكم في هذه الرواية بلزوم أداء الوليّ ، لا الأداء من تركتها لا يلائم الحمل على اليسار ـ أنّه لا شاهد على هذا الجمع بوجه .
ولو وصلت النوبة إلى ملاحظة الترجيح بعد فرض ثبوت المعارضة ، يكون الترجيح من تلك الروايات ، لموافقتها للشهرة الفتوائية(1) بل المجمع عليه ، فتدبّر .
ثمَّ إنّه يوجد في بعض الروايات أنّ قوله تعالى:
{الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ والأُنثَى بِالأُنثَى}(2) ناسخ لقوله تعالى:
{النَّفسُ بِالنَّفسِ}(3) كما ورد في تفسير علي ابن إبراهيم(4) .
وفي رسالة المحكم والمتشابه لعلي بن الحسين المرتضى نقلاً من تفسير النعماني بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال: ومن الناسخ ما كان مثبتاً في التوراة من الفرائض في القصاص ، وهو قوله تعالى:
{وَكَتَبْنا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ} إلى آخر الآية ، فكان الذكر والأنثى والحرّ والعبد شرعاً ، فنسخ الله تعالى ما في التوراة بقوله
: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُم القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ والأُنثَى بِالأُنثَى} فنسخت هذه الآية
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفْسِ}(5) .
وذكر صاحب الوسائل بعد نقل الرواية أنّ النسخ هنا بمعنى التخصيص ، فلا ينافي ما مرّ من أنّها محكمة لبقاء العمل بها بعده .
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 108 .
- (2) البقرة 2 : 178 .
- (3) المائدة 5 : 45 .
- (4) تفسير القمي: 1 / 64 ـ 65 ، مستدرك الوسائل: 18 / 240 ، أبواب القصاص في النفس ب 30 ح4 .
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 63 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 19 .
(الصفحة 120)مسألة 1 ـ لو امتنع وليّ دم المرأة عن تأدية فاضل الدية أو كان فقيراً ولم .
ولكنّ الظاهر أنّ الالتزام بالنسخ أو التخصيص يتوقّف على ثبوت المنافاة بين الآيتين ، ولو بنحو العموم والخصوص أو المطلق والمقيّد ، وثبوت المنافاة يتوقّف على أن يكون المراد من قوله تعالى :
{أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ} هو العموم أو الإطلاق ، بحيث يرجع إلى أن يكون المراد هو وقوع كلّ نفس في مقابل كلّ نفس ، وعلى أن يكون المراد من قوله تعالى:
{الحُرُّ بِالحُرِّ} إلى الآخر هو الانحصار ، وحينئذ تتحقّق المغايرة ولو بنحو العموم والخصوص ، مع أنّ كليهما ممنوعان ، لعدم اشتمال الأوّل على أداة العموم وعدم ثبوت الإطلاق فيه ، لعدم كونه في مقام البيان ، إلاّ من جهة وقوع النفس في مقابل النفس ، لا وقوعها في مقابل مثل الأنف والعين .
وأمّا أنّ كلّ نفس واقعة في مقابل كل نفس فلا تكون الآية بصدد بيانها ، كما أنّ الآية الثانية لا دلالة لها على الإنحصار ، بحيث كان مرجعها إلى انحصار وقوع الحرّ في مقابل الحرّ ، والعبد في مقابل العبد ، والأنثى في مقابل الأنثى ، بعد صراحة الروايات والفتاوى في جواز قتل الحرّ بالحرّة ، والعبد بالحرّ ، والأنثى بالذكر .
فهل هذه الروايات مخالفة لظاهر الآية باعتبار دلالتها على الانحصار؟ الظاهر العدم ، وعليه فلا تنافي بين الآيتين أصلاً ، حتّى يكون مجال للنسخ أو التخصيص .
مضافاً إلى دلالة رواية موثقة على عدم ثبوت النسخ ، وهي رواية زرارة ، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عزّوجلّ:
{النَّفسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ}الآية ، قال: هي محكمة(1) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 61 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 11 .
(الصفحة 121)يرض القاتل بالدية أو كان فقيراً يؤخّر القصاص إلى وقت الأداء والميسرة 1.
مسألة 2 ـ يقتصّ للرجل من المرأة في الأطراف ، وكذا يقتصّ للمرأة من الرجل فيها من غير ردّ ، وتتساوى ديتهما في الأطراف ما لم يبلغ جراحة المرأة ثلث دية الحر فإذا بلغته ترجع إلى النصف من الرجل فيهما ، فحينئذ لا يقتصّ من الرجل لها إلاّ مع ردّ التفاوت2..
1 ـ وعن القواعد : الأقرب أنّ له (أي للوليّ الممتنع أو الفقير) المطالبة بدية الحرّة ، [وإن لم يرض القاتل] ، إذ لا سبيل إلى طلّ الدّم(1) .
وأورد عليه في الجواهر بأنّ الأصل فيها القود ، والدّية إنّما تثبت صلحاً موقوفاً على التراضي ، فمع عدم رضا القاتل تقف مطالبته بالقصاص على بذل الولي الزائد ، وامتناعه عن ذلك لا يوجب الدية ، بل وكذا فقره ، بل أقصاه التأخير إلى وقت الميسرة ، وليس مثل ذلك طلاًّ ، كما هو واضح(2) .
2 ـ لا خلاف ولا إشكال في أنّه يقتصّ للرّجل من المرأة في الأطراف ، كما يقتصّ له منها في النفس ، من دون رجوع من الرجل إلى زائد عن الجرح ، كما أنّه يقتصّ للمرأة من الرجل في الأطراف من غير ردّ التفاوت فيما إذا كانت ديتهما متساوية فيها ، وهو ما لم يبلغ جراحة المرأة ثلث دية الحرّ ، كما في قطع إصبع واحدة أو إصبعين أو ثلاث أصابع منها ، فإنّه يتحقّق القصاص حينئذ من غير ردّ شيء ، وهذا بخلاف ما إذا قطع أربع أصابع مثلاً منها ، فإنّه لا يقتصّ لها منه إلاّ بعد ردّ
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 284 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 82 .
(الصفحة 122)
التفاوت ، لرجوع الدية إلى النصف بعد البلوغ إلى الثلث .
ويدلّ عليه روايات صحيحة مستفيضة:
منها: صحيحة أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة ، كم فيها؟ قال: عشرة من الإبل ، قلت: قطع اثنتين؟ قال: عشرون ، قلت: قطع ثلاثاً؟ قال: ثلاثون ، قلت: قطع أربعاً؟ قال: عشرون . قلت: سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ، ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون؟! إنّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممَّن قاله ونقول : الذي جاء به شيطان! فقال: مهلاً يا أبان هذا حكم رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف ، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس ، والسنّة إذا قيست محق الدين(1) . رواها المشايخ الثلاثة .
وبالجملة: لا إشكال في أصل الحكم ، إنّما الإشكال في أنّ الرجوع إلى النصف هل يكون مترتّباً على عنوان البلوغ إلى الثلث من غير اعتبار التعدّي والتجاوز عنه ، أو يكون مترتّباً على عنوان التجاوز ، بحيث لا يكفي مجرّد البلوغ من دون تحقّق التجاوز ؟ والشهرة على الأوّل(2) ، ونسب خلافها إلى الشيخ (قدس سره) في النهاية ، حيث قال: «وتتساوى جراحهما ما لم تتجاوز ثلث الدية ، فإذا بلغ ثلث الدية نقصت المرأة ويزيد الرجل»(3) . وأنت خبير بأنّ الذيل يمنع عن ظهور ما قبله في اعتبار التجاوز في مقابل البلوغ ، ولعلّه لذا احتمل في الجواهر أن يكون التعبير بالمجاوزة فيها إنّما وقع مسامحة ، أو نظراً إلى كون البلوغ إلى الثلث من دون زيادة
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 268 ، أبواب ديات الأعضاء ب 44 ح1 .
- (2) رياض المسائل: 10 / 258 .
- (3) النهاية: 773 ، وكذا خالف ابن إدريس في السرائر: 3 / 403 ، والعلاّمة في ارشاد الأذهان: 2 /206 .