(الصفحة 123)
ولا نقيصة من الأفراد النادرة غاية الندرة(1) .
وكيف كان فيدلّ على أنّ المناط هو البلوغ ـ مضافاً إلى صحيحة أبان المذكورة ـ صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص؟ قال: نعم في الجراحات حتى يبلغ الثلث سواء ، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة(2) .
والجواب قرينة على أنّ محطّ النظر في السؤال إنّما هو في قصاص الطرف دون النفس ، كما أنّه شاهد أيضاً على أنّ المراد من القصاص المذكور فيه هو القصاص من غير ردّ ، وإلاّ ففي أصل القصاص لا فرق بين صورتي البلوغ وعدمه ، كما لايخفى .
ورواية أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الجراحات؟ فقال: جراحة المرأة مثل جراحة الرجل حتّى تبلغ ثلث الدية ، فإذا بلغت ثلث الدّية سواء أضعفت جراحة الرجل ضعفين على جراحة المرأة ، وسنّ الرجل وسنّ المرأة سواء(3) .
وأمّا ما ظاهره التعليق على التجاوز فهي موثقة ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قطع إصبع امرأة؟ قال: تقطع إصبعه حتّى إلى ثلث المرأة ، فإذا جاز الثلث أُضعف الرجل(4) .
وصحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن جراحات الرجال والنساء في
- (1) جواهر الكلام : 42 / 88 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 122 ، أبواب قصاص الطرف ب 1 ح3 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 122 ، أبواب قصاص الطرف ب 1 ح2 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 123 ، أبواب قصاص الطرف ب 1 ح4 .
(الصفحة 124)
الدياتوالقصاص سواء؟ فقال:الرجال والنساءفي القصاص، السنّ بالسِّن، والشّجة بالشَّجة والإصبع بالإصبع سواء حتّى تبلغ الجراحات ثلث الدية ، فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدّية ، ودية النساء ثلث الدية(1) .
وفي محكيّ كشف اللِّثام بعد الحكم بأنّ أخبار الأوّل أكثر وأصحّ ، قال: ولكن ربما يمكن فهم التجاوز من نحو قوله (عليه السلام) : «فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل» فإنّ مثل هذه العبارة ليست بعزيزة في إرادة المجاوزة ، ولعلّه للإشارة إليه وقع ما سمعته من عبارة النهاية(2) .
ويؤيّده الجمع بين التعبيرين في روايتي التجاوز المتقدّمتين .
وذكر صاحب الجواهر ـ بعد الإيراد عليه بمنع تعارف التعبير عن المجاوزة بالبلوغ ـ : إنّ الترجيح مع نصوص الأوّل ، لأنّ النصوص المعارضة غير واضحة الدلالة إلاّ من حيث مفهوم اشتراط الجواز في الذيل ، وهو معارض بمفهوم الغاية في الصدر ، والجمع بينهما كما يمكن بصرف مفهوم الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس ، فلا يمكن الاستدلال بها(3) .
ويؤيّده أنّه على هذا التقدير تصلح نصوص الأوّل للترجيح وبيان الجمع ورفع الإجمال ، كما لايخفى .
ويرد عليه أنّ مقتضى التحقيق كما قرّرنا في الأصول عدم ثبوت المفهوم بوجه لشيء من القضايا ، فلا مجال لدعوى التعارض بين المفهومين .
والظاهر أنّه لا تعارض بين الطائفتين من الروايات في المقام ، وذلك إنّما هو
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 123 ، أبواب قصاص الطرف ب 1 ح6 .
- (2) كشف اللثام: 2 / 446 .
- (3) جواهر الكلام : 42 / 87 ـ 88 .
(الصفحة 125)
للتعبير بالبلوغ والإنتهاء في الطائفة الثانية أيضاً ، غاية الأمر تفريع عنوان التجاوز عليه بكلمة الفاء التفريعية ، ولا مانع من الالتزام بأنّه إنّما هو تفريع على بعض مصاديق الضابطة المذكورة قبله التي علّق فيها الحكم على البلوغ ، ولا دليل على كون التفريع إنّما هو تفريعاً على كلّ الضابطة الشاملة لجميع المصاديق ، وهذا النحو من التعبير شائع متعارف ، وله مصاديق كثيرة في الكتاب والسنّة ، وهذا بخلاف التفريع في الطائفة الأولى ، فإنّه إنّما يكون تفريعاً على مجموع الضابطة ، وإلاّ فلا مجال للجمع بين التعبيرين في كلام واحد أصلاً .
ثمّ إنّه لو فرض التعارض وعدم إمكان الجمع بوجه يكون الترجيح مع الأولى أيضاً ، لموافقتها للشهرة المحقّقة(1) ، بل قد عرفت(2) أنّ كلام الشيخ في النهاية أيضاً لايكون صريحاً في الخلاف ، فلا محيص عمّا هو المشهور كما في المتن .
ثم إنّ الظاهر أنّ الرجوع إلى النصف مع بلوغ الثلث إنّما هو فيما إذا كان قطع أربع أصابع المرأة بضربة واحدة بحيث كان في البين جناية واحدة ، وأمّا لو كان بضربات متعدّدة موجبة لتعدّد الجناية بحيث كان لكلّ جناية قصاص مستقلاًّ ، كما إذا قطع إصبعين منها مرّة وإصبعين اُخريين بعد شهر مثلاً ، فلا إشكال في جواز قطع الأربع بعنوان القصاص من غير ردّ شيء ، لتساويها مع الرجل في كلتا الجنايتين ، ولا مجال لسقوط حكم الاُولى بلحوق الثانية ، ولا يشمله الروايات الدالّة على الرجوع إلى النصف مع بلوغ الثلث ، وقد مرّ ما هو المناط في وحدة الجناية وتعدّدها في بعض المسائل المتقدّمة(3) .
- (1 ، 2) تقدّم في ص122 .
- (3) تقدّم في ص91 ـ 92 .
(الصفحة 126)
وها هنا فروع:
الأوّل: لو اختارت المرأة فيما إذا قطع الرجل أربع أصابعها القصاص في إصبعين من الرجل من دون ردّ شيء هل يجوز لها ذلك أم لا؟
ربّما يقال : بالجواز نظراً إلى تحقّق العمل بمقتضى التفاوت بينهما ، وهو الرجوع إلى النصف بعد بلوغ الثلث ، وبعبارة أخرى مجموع أصابع المرأة الأربعة يساوي عشرين من الإبل بمقتضى النصّ والفتوى ، وإصبعان من الرجل يساوي هذا المقدار ، فلا مانع من قصاصهما في مقابل الأربعة . وإن شئت قلت: إنّه كان يجوز لها قطع إصبعين منه مع قطعه خصوص الإصبعين منها ، فمع قطع الأربع يجوز لها ذلك أيضاً ، لأنّ شدّة الجناية وكثرتها لا يكون مانعة بوجه .
ولكنّ الظاهر خلاف ذلك ، لأنّ مقتضى ما ذكر من لزوم ردّ عشرين من الإبل فيما إذا اختارت القصاص في الأربع منه أنّه يجوز لها في كلّ إصبع القصاص بشرط أداء خمسة من الإبل ، بمعنى ثبوت حقّ القصاص لها في النصف المشاع من كلّ إصبع ، ولزوم ردّ قيمة النصف الآخر . وعليه فتبديل حقّ القصاص في الإصبعين الآخرتين بالإصبعين الأوّلتين بحيث لم يجب عليها ردّ شيء يحتاج إلى دليل يدلّ على ذلك ، ولا يستفاد من النصوص المتقدّمة مشروعيّته .
وبالجملة: فغاية ما يستفاد من النصّ مشروعية قصاص الجميع مع ردّ خمسة من الإبل في مقابل النّصف المشاع من كل إصبع ، وأمّا مشروعية قصاص البعض مكان الردّ فلم يدلّ عليها النصّ بوجه .
الثاني: لو اختارت القصاص في ثلاث والعفو عن الرابعة فهل يجوز لها ذلك أم لا؟ الظاهر العدم ، لأنّ وقوع الثلاث في مقابل الثلاث إنّما هو فيما إذا لم تتجاوز الجناية عن الثلاث ، وأمّا مع التجاوز المقتضي للرجوع إلى النصف فلا مجال لهذه
(الصفحة 127)الثاني : التساوي في الدين ، فلا يقتل مسلم بكافر مع عدم اعتياده قتل الكفّار1.
مسألة 1 ـ لا فرق بين أصناف الكفّار من الذمّي والحربي والمستأمن وغيره ، ولو كان الكافر محرَّم القتل كالذمّي والمعاهد يعزَّر لقتله ويغرم المسلم دية الذمّي لهم2.
مسألة 2 ـ لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمة جاز الاقتصاص منه بعد ردّ فاضل ديته .وقيل إنّ ذلك حدّ لا قصاص ، وهو ضعيف3..
المقابلة ، بل مقتضى ما ذكرنا أنّ لها حقّ القصاص في النصف المشاع من كلّ إصبع ، ويلزم عليها ردّ دية النصف الآخر ، وعليه فليس لها القصاص في الثلاث فضلاً عن الأربع الذي هو مقتضى العفو .
الثالث: في الفرض المزبور لو ردّت الدية بدلاً عن العفو المذكور فالظّاهر الجواز ، لأنّه إذا كان لها حقّ القصاص في الأربع مع ردّ التفاوت فلها هذا الحقّ مع ردّ التفاوت هنا أيضاً لعدم الفرق ، لو لم نقل بأولوية المقام ، غاية الأمر أنّ مقتضى ما ذكرنا من لزوم ردّ خمسة من الإبل في مقابل كلّ إصبع لزوم ردّ خمسة عشر من الإبل في هذا الفرض ، لاختيار القصاص في ثلاث فيقع في مقابلها هذا المقدار ، والإصبع الباقية وإن كانت تساوي عشرة من الإبل إلاّ أنّ عدم استفادة حقّ القصاص منها لا يوجب الانتقال إلى العشرة مع كون المقطوع قصاصاً ثلاثاً ، فالظاهر أنّ الردّ الواجب عليها في هذا الفرض هو ردّ خمسة عشر من الإبل ، فتدبّر .
1 و 2 و 3 ـ يقع الكلام في أصل هذا الشرط وفي المسألتين في مقامات: