(الصفحة 100)مسألة 5 : لو غرق شيء في البحر وأعرض عنه مالكه فأخرجه الغوّاص
البحر لأجل اختلاف حاله من الجزر والمدّ ، فالمحكيّ عن الشهيد (قدس سره) في البيان أنّه قال: لو اُخذ منه شيء بغير غوص فالظاهر أنّه كحكمه ولو كان ممّا ألقاه الماء على الساحل(1) . واحتمل في الجواهر استناده في ذلك إلى رواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله المتقدّمة ، حيث إنّه لم يعلّق الحكم فيها على الغوص ، بل على ما يخرج من البحر ، واستشكل فيه باحتياجه إلى الجابر في ذلك وليس ، بل الموهن متحقّق على الظاهر(2) .
ثانيهما : ما لو أخذها عن وجه الماء من دون غوص ، والمذكور في المتن في الفرعين أنّه إذا كان من شغله ذلك فاللازم المعاملة في الفرعين معاملة أرباح المكاسب التي لا يعتبر فيها النصاب ، بل يجوز استثناء مؤونة السنة كما في سائر موارد أرباح المكاسب ، وإذا لم يكن من شغله ذلك فيدخل في مطلق الفائدة الذي سيجيء البحث فيه إن شاء الله تعالى .
أقول : بعد عدم اختصاص التعبير بما يخرج من البحر برواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله ـ التي لم يحرز اعتبارها ، بل هذا العنوان واقع في صحيحة عمّار بن مروان المتقدّمة(3)ـ يمكن القول بالفرق بين الفرعين بصدق ما يخرج من البحر في الفرع الثاني دون الأوّل ، كما لا يخفى .
اللّهم إلاّ أن يقال بانصراف الأوّل إلى ما يخرج من باطن البحر وداخله ، وعليه فلا يصدق على المأخوذ من وجه الماء .
- (1) البيان : 216 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 41 .
- (3) في ص93 .
(الصفحة 101)
ملكه ، والأحوط إجراء حكم الغوص عليه إن كان من الجواهر ، وأمّا غيرها فالأقوى عدمه1 .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : في أصل حصول الملكيّة للغوّاص في مفروض المسألة; وهو غرق شيء في البحر وإعراض المالك عنه ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة; لأنّه بعد تحقّق الإعراض يجوز للغير حيازته وتملّكه ولو بسبب الغوص ـ روايتان مرويّتان عن السكوني والشعيري الذي هو لقب آخر للسكوني ، واسمه إسماعيل واسم أبيه مسلم ، كما أنّ كنية أبيه أبو زياد .
إحداهما : ما رواه الكليني بإسناده عنه ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) قال : وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس ، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله وهم أحقّ به ، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم(1) . وليس المراد كون المقذف به لأهل الساحل بما هم كذلك ، بل لأجل أنّهم أقرب بالأخذ من غيرهم ، وإلاّ فلو كان الأخذ من غير أهل الساحل يجوز له الأخذ أيضاً ، كما لا يخفى .
ثانيتهما : ما رواه الشيخ بإسناده عنه قال : سُئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن سفينة انكسرت في البحر فاُخرج بعضها بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، فقال : أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما اُخرج بالغوص فهو لهم وهم أحقّ به(2) .
- (1) الكافي 5 : 242 ح5 ، الفقيه 3 : 162 ح714 ، الوسائل 25 : 455 ، كتاب اللقطة ب11 ح1 .
- (2) التهذيب 6 : 295 ح822 ، الوسائل 25 : 455 ، كتاب اللقطة ب11 ح2 .
(الصفحة 102)
مسألة 6 : لو أخرج العنبر بالغوص جرى عليه حكمه ، وإن اُخذ على وجه الماء أو الساحل فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك ، ومع العثور الاتّفاقي دخل في مطلق الفائدة1 .
هذا ، ولكن في هذا السند إشكال ، ويحتمل قويّاً وحدة الرواية ، وإن كان في إحداهما وقع النقل عن علي(عليه السلام) دون الاُخرى .
وكيف كان ، فلا إشكال في حصول الملكيّة للغوّاص في صورة إعراض المالك لأيّة جهة كان; لوقوع التقييد بها في الرواية الاُولى .
المقام الثاني : في إجراء حكم الغوص عليه وعدمه ، وقد فصّل في المتن بين ما لو كان من الجواهر فاحتاط وجوباً إجراء حكم الغوص عليه ، دون ما إذا كان من غيرها فقوّى العدم ، ولعلّ الوجه فيه أنّه لا ميز في الجواهر بين ما يتكوّن في البحر وبين ما هو المغروق في البحر ، فلو لم يجب الخمس فيه لزم عدم الوجوب مطلقاً ، لعدم الميز بوجه ، وهذا بخلاف غير الجواهر الذي لا يعتاد تكوّنه في البحر بوجه ، كما لا يخفى ، وقد وقع التقييد في أصل مسألة الغوص بما يتعارف إخراجه فراجع .
1 ـ قد وقع الخلاف بعد الاتّفاق(1) على تعلّق الخمس بالعنبر في الجملة على أقوال ، كالاختلاف في حقيقة الموضوع وماهيّة العنبر :
1 ـ ما يظهر من المتن من التفصيل بين ما لو أخرج العنبر بالغوص فيجري عليه حكمه ، وبين ما لو أخذ على وجه الماء أو الساحل فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك ، ومع العثور الاتّفاقي داخل في مطلق الفائدة .
- (1) غنية النزوع: 129 ، مدارك الأحكام 5: 377 ، كفاية الأحكام: 43 ، الحدائق الناضرة 12: 345 .
(الصفحة 103)
2 ـ ما حكي عن صاحب المدارك(1) من تعلّق الخمس به في جميع الصور ، ولعلّ مستنده صحيحة الحلبي المتقدّمة(2) المعتبرة عنده أيضاً ، التي وقع السؤال فيها عن العنبر بنحو الإطلاق وغوص اللؤلؤ ، وحكم فيها بثبوت الخمس ، فإطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب يدلّ على مرامه ، ويؤيّده الحكم بثبوت الخمس في العنبر في رواية مرسلة(3) من دون عطف الغوص عليه أصلاً .
3 ـ ما حكي عن كاشف الغطاء(4) من أنّه من مصاديق الغوص ، ومن الواضح أنّ العنبر وإن كان له أصل بحري ولا يكون له منشأ غير البحر ، إلاّ أنّ صدق الغوص إنّما يتحقّق في بعض صوره دون جميع الصور ، فلا وجه لإجراء حكم الغوص عليه مطلقاً .
4 ـ ما نقل عن المفيد (قدس سره)(5) من أنّ العنبر من المعادن ، فيجري عليه حكمها ، والمذكور في وجهه أحد أمرين :
أحدهما : كون العنبر نبع عين في البحر نظير عين الزاج والكبريت ، واُورد عليه بأنّ هذا أحد المحتملات ، وهناك تفاسير بل أقوال اُخر بالإضافة إلى ماهيّة العنبر من كونه رجيع دوابّ بحريّة ، أو نباتاً في البحر ، أو سمكة بحريّة أو غير ذلك ، وعليه فلا دليل على كونه معدناً حتّى يلحقه حكمه .
ثانيهما : ما عن المحقّق الهمداني (قدس سره) من أنّ العنبر حيث إنّ له مكاناً مخصوصاً
- (1) مدارك الأحكام 5 : 378 .
- (2) في ص93 .
- (3) المقنعة: 283 ، وسائل الشيعة 9: 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب7 ح3 .
- (4) كشف الغطاء 4 : 203 .
- (5) حكى عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 3 : 191 مسألة 148 .
(الصفحة 104)
مسألة 7 : إنّما يجب الخمس في الغوص والمعدن والكنز بعد إخراج ما يغرمه على الحفر والسبك والغوص والآلات ونحو ذلك ، بل الأقوى اعتبار النصاب بعد الإخراج1 .
يتكوّن فيه ولا يوجد في غيره ، وليس ذلك المكان إلاّ البحر ، فلا محالة يصدق على ذلك المكان أنّه معدنه وأنّه اُخذ من معدنه توسّعاً(1) .
واُورد عليه بأنّ اللازم في صدق المعدن الرجوع إلى العرف ، وهو لا يرى البحر معدناً لشيء . نعم ، ربما يوجد في هذه الأزمنة بعض المعادن في البحار ، ولكنّه بعد ثقب قعرالبحر بمقدار كثير، ولا يتحقّق الاختلاط بينهاوبين ماءالبحر،كمعدن النفط.
5 ـ ما حكي عن المحقّق صاحب الشرائع(2) بل المنسوب إلى الأكثر(3) من أنّه إذا اُخرج العنبر بالغوص يجري عليه حكمه ، وإذا اُخرج من وجه الماء أو من الساحل يجري عليه حكم المعادن .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عنه ، كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر أنّ اللازم بمقتضى النصّ الأخذ بما ذكره صاحب المدارك(4) ، ولا دليل على انحصار الاُمور المتعلّقة للخمس بما ذكروه من العناوين . غاية الأمر أنّه لابدّ من الالتزام بلازمه من التعدّد فيما إذا اُخرج بالغوص ، فتأمّل .
1 ـ ينبغي التكلّم في هذه المسألة في مقامين :
- (1) مصباح الفقيه 14 : 90 .
- (2) شرائع الإسلام 1 : 180 .
- (3) منتهى المطلب 1 : 547 ، تذكرة الفقهاء 5 : 420 ، الدروس الشرعيّة 1: 261 ، مسالك الأفهام 1: 464 ، كفاية الأحكام : 43 ، مدارك الأحكام 5 : 377 ، الحدائق الناضرة 12 : 346 .
- (4) مدارك الأحكام 5 : 375 .